أحمد العشري
بصراحة
لم تعُد الفتيات يؤمنَّ بأغنية “بلا ولا شي”
يا زياد
وإن شاركنَ عشاقَهن السرير،
فلا لأن بيروتَ تأخرتْ في إرسال الكهرباء،
أو حتى لأن سلامهن النفسي ..
لا يُسعر بالدولار الرسمي !
وأيضاً،
الشام لم تعد تؤمن بسلامٍ مؤقت
فالليالي الطويلة لا تحب
الأغنيات الناقصة،
ولا المدن التي تترنح مثل القاهرة
فكلهن مثل عاهرتي المفضلة
يرقصن
ثم يبحثن عن لحنٍ مفقود.
هنّ يرقصن الآن على “بما إنو”،
ثم يقلن “خلص” بدل “أحبك”،
ويشاركن كلّ العشاق الأسرّة
إلا أنا !
*
بالنسبة لبكرا شو؟
بالنسبة لبكرا شو؟
لا أعلم!
هذه بيروت، غزة والقاهرة ..
وهكذا، أفتح النافذة،
علّ المدينة تمنحني أغنية جديدة.
لكن بيروت ليست كما ترتكها يا زياد،
ولا الأغنيات تشبه ماضيها.
كل شيءٍ هنا يتكئ على بقايا الحكايات:
موائد فارغة،
نوتاتٍ لم تُعزف،
وأغنياتٍ تحاول أن تكون كلاسيكية
كي تُنسى!
لأجمع الذكريات كأسطوانة مكسورة،
وأعيد تكرارها،
كما يُكرر الله أسماء العابرين
على دفاتر الغياب.
لكنني لا أعرف نهاية هذه الأغنية.
ربما تُكملها غزة،
ربما أتركها كما هي:
فارغة!
في هذا “الجريون” البارد،
بين علب السجائر المنسية
وكأسٍ فارغٍ إلا من الوقتِ!
*
فيلم أمريكي طويل
عاهرتي يا زياد؛
تعيش الآن في “هدوء نسبي”
كمدينة لا تصلها أصوات “هدير البوسطة”
ولا تفهم كيف يتحول الحب إلى ألبوم
يُعاد تشغيله كلما اشتد الحنين..
وفي المرة الأخيرة،
قالت لي مثل دلال: كيفك إنت؟
لكن صوتها كان يشبه أغانينا القديمة،
متقطعًا كـ”أنا مش كافر”
عارياً كصوت البيانو
حين ينقصه مفتاحٌ واحد.
قلت لها: “منيح… لكن بيروت ليست كذلك”
وغزة الآن تسأل
“شو هالأيام اللي وصلناله”
أكرر السؤال في شوارع القاهرة،
التي تُتقن الموت البطيء،
وأسأل السؤال ذاته،
لكن بأسماءٍ جديدة،
وبذاكرةٍ مثقلةٍ بأصوات الرحابنة أيام الحروب.
أعيد ترتيب الخراب بلحنٍ آخر،
وأدركتُ أننا جميعًا،
نتأرجح على إيقاع أوطاننا
يوم أضافوها لـ”قاموس الجحيم!”
*
جسر القمر
بالإيقاع الذي خطّه زياد،
حيث كانت فيروز تشبه الركام،
“هيدا مش صحيح”
تُرددها الجدران بلا اقتناع،
وأنا،
أجلس وحدي على طاولة حسن نصرالله،
بين خطبٍ عاطلةٍ عن العمل،
أحاول أن أكتب نصًا
لا يُشبه “صديقي الله”،
بل يُشبه صوتكِ
كل شيء هنا ينهار ببطء:
“صوت الأكورديون
سينما الأوديون،
الخبز اليابس،
الرسائل التي لا تصل،
أغاني المقاومة
الطفلة التي كانت تصفق
عازف الكلارينيت الأصم
من ينتظرُ الحبَّ على شرفةٍ مهدّمة
مدينتان،
تتشاركان الحزن،
وتفشلان في الغناء سويًا.”
وكل ورقة امام عيني
اشهد فيها ؛
ملاك الموت الذي يحب عزف الچاز في بلادنا
يزحف على “جسر القمر”
بين القنابل والورود الزرقاء
*
“الحالة تعبانة يا ليلى“
يا جدتي،
ليلى تغني مع الذئب الآن،
صوتها يرتدي قناع نهاد حداد
لكنه لا يعبر عتبة الحلم.
يا جدتي !
الذئبُ يشعلُ سيجارةً قربَ ليلى،
ويغني لها
“أذكر يومًا كنتِ معي”
“عودك رنان”
عيناهُ تعكسان نهاياتٍ مفتوحة،
ثم يحكي لها عن أوتارٍ انقطعت
أثناء القصف.
ومدينتي ؟!
بالطبع فتاتي التي ما زالت تعيد الرولينغ،
وتتألم على نفس الإيقاع.
وأنتِ يا جدتي بعد آخر قذيفة
مازلتِ تسمعين “بما إنو”
بينما كنت أركض وأركض ..
ثم تعبتُ.. فجلستُ
ومرّت بي فتاة وقالت :
لم تجلس على الوقت !
رددت،
“كارتجال على إيقاع الچاز،
أفشل في البقاء على قيد النوتة.”
*
هدوء نسبي
كانت تحبك،
وتكره المارشات العسكرية،
وكانت تحفظك،
تدندنك،
تردد: “دورت أيام الشتا”
وتنام في حضن القنبلة.
وذات ظهيرةٍ ناعسة،
كنا نخونك دون أن نقصد،
نسمع “يطير الحمام” لمارسيل خليفة،
ثم نعود إليك كخطائين
باحثين عن نغمة الغفران
حين لا نجد لغةً
تصف الخراب!
*
صديقي الله
عن بلادٍ لا يليق بها
إلا أن تبكي
القطارات لا تصل في موعدها،
والأغاني القديمة
تخرج من المقاهي كسعالٍ رطب.
أحاول ترتيب الوجع،
أمدّ شراشف الكلمات
على جسدٍ لا يغفو.
كلنا نعيشُ
في غرفةٍ بلا كهرباء
داخل فندقٍ بلا نوافذ،
نعيد الصوت من أوله،
أغنيةً أغنية،
مأساةً مأساة.
بيروت جائعة،
رفح عارية،
القاهرة تختنق بدخان الذكرى.
يا زياد،
ها نحن نعيد الشريط من المنتصف،
لكن ألبومك لا يريد ان يصدح بالغناء
ولو همساً !
أقول:
ليتك تخرج من مذياع قديم،
وتغني؛
“غزة لم تتقن العربية هذا الصباح،
كتبت بيان موتها بالفرنسية،
كي تفهمها الأمم،
لكن لا أحد ترجم الصوت.”
أنت لا تؤمن بالجرافيتي،
ولا بالجيل الذي لا يعرف ميراثه،
لكنك تمرّ على الفيسبوك بأسماء مستعارة،
تترك تعليقًا،
ثم تمسحه،
وتضحك:
“سيعرفون أنني أنا “