أنس الديب*
حينما تعارفنا كنا في دراستنا الجامعية، التقينا ببيت أستاذ وقدوة مشترك، هو الأستاذ سمير عبد اللطيف، ببلدتي البتانون بالمنوفية، وزادت لقاءاتنا بعد ذلك لأن أشرف مقيم بالقاهرة وأنا أيضا أعمل وأقيم بالقاهرة.
كان كل من يقابلنا يتعامل معنا على أننا أشقاء، وبالفعل أصبحنا أكثر من ذلك، إلى أن جاءت لحظة الفراق، ليذهب أشرف إلى موسكو ليكمل دراسته العليا في الفيزياء، وأذهب أنا أيضا لأعمل بجريدة الشرق الأوسط بالسعودية.
كنت دائم الحيرة في أمر أشرف، كنت أرى دائما أنه تركيبة فنان وأديب، فلماذا كان يدرس الفيزياء؟ ولكنه بعد أن أنهى دراسته بحصوله على الدكتوراة تأكدت تلك التركيبة الفنية والأدبية الموجودة داخله، وحينها زادت التساؤلات عندي في أمر شغلني كثيرا، حين أتصفح مجموعاته القصصية أو مقالاته الأدبية أو حتى السياسية، أجده يكتب وكأنه داخل معمل، يلبس البالطو الأبيض ليضع المفردات والمعاني والأحاسيس ويصنع منها تركيبة فريدة ومبتكرة و(غريبة في نفس الوقت).
بعد مرور الوقت عدت من رحلة السفر إلى عملي بجريدة الأهرام، وبدأت لقاءاتنا تزداد خلال أجازاته الدورية التي كانت تجبرنا نحن أصدقاؤه على التفرغ الكامل لقضاء الوقت مع صديق العمر أشرف الصباغ.
اكتشفت بعد مرور الوقت أن دراسته للفيزياء كانت نواة حقيقية لخلق هذه التركيبة الفريدة من الأعمال، يكتبها ويبدعها ويمارس الفن من خلالها، ولكن بأسس ونظريات علمية، وبحث وتنقيب، ورؤية شرائح المجتمع عن قرب والتفاعل معهم.
هذا هو أشرف الصباغ، أظن أنه لا يكتب إلا بعد معايشة حقيقية للواقع، العيش وسط الناس وسماع حكاويهم ونكاتهم، وسخريتهم من (العيشة واللي عايشينها)، لذلك زادت زياراته للقاهرة في السنوات الأخيرة، لحل لغز التحولات السريعة في شكل وأسلوب الحياة عند أقرانه من المصريين، ولخلق (مانفيستو) جديد لكتاباته القادمة.
هذا هو (أخويا)، وصديقي، وحمال الأسية، والمضطر للغربة، رغم أنه معجون بطين وتراب مصر وبسخرية الناس الطيبين.
…………………
* فنان تشكيلي مصري