أشرف الصباغ.. الرفيق الذي عزَّ لقاؤه!

ashraf al boulaky
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أشرف البولاقي*

لم ألتقِ أشرف الصباغ من قبل، ولم أقرأ له عملاً إبداعيًا، لكنه واحدٌ من الذين أحِبّهم وأقدّر وعيَهم وثقافتهم. وقد تعرّفتُ وعيَه وثقافتَه هذين عن طريق الفيس بوك، منذ تلك اللحظة البعيدة التي وقعتْ فيها عيناي على منشورٍ له سَطره بالفصحى والعامية، لا أتذكر المنشور ولا مادته، لكنني أتذكر اللغة وطبيعتها وحيويتها… كيف فعل ذلك؟! كيف يخلط الفصحى والعامية وهو يناقش جادًا –لا هازلاً- قضية من القضايا الثقافية أو السياسية؟!
منذ تلك اللحظة وأنا أسير صفحتِه ومنشوراته، أتابع ما يكتب وأقوم بمشاركته، وأدلُّ أصدقائي عليه، وأذكره بيني وبين نفسي مبتسمًا لهذه المحبة التي سكنت قلبي لشخص لم يحدث بيني وبينه أي اتصال.
ولقد أذكر أنني سألتُ عنه عددًا من أصدقائي، فقيل لي إنه قاص وروائي، لكنه مثقف كبير، وقالوا إنه يعمل في موسكو، ويأتي إلى القاهرة في إجازاتٍ قصيرة.
لا شيء أكثر من ذلك.
بعدها.. ومع كثرة متابعتي لِما ينشر، كتبتُ عنه مرتين، ولا أقصد بالكتابة هنا الكتابةَ النقدية ولا حتى المقالية ذات الثقل، لكنني كتبت في المرة الأولى كتابة مَحبة أذكره وأثني على ما يتمتع به، ليس فقط من وعي وأسلوب كتابة، ولكن أيضًا مِن خفة دمٍ ولطافة روح، وارتفاع حِس الدعابة عنده، وتمنيتُ لقاءه، وما من مرة قرأت فيها أنه في القاهرة -بينما أنا في أقصى صعيد مصر- إلا وتحسّرت على ظرفي الذي لم يسمح بعدُ بلقائه على كثرة ترددي على قاهرة المعز.
في المرة الأخرى، كنتُ مشغولاً بفكرة اللغة والخطاب على مستويين، مستوى الوعي الفكري والنقدي وموقفنا من التراث والمعاصرة، ومن ثم موقفنا من القرآن لغةً وخطابًا وتأثير ذلك على وعينا العام، ومواقفنا من قضايا اللغة والبلاغة وقضايا الحريات والمجتمع المدني.. والمستوى الآخر خاص بالإبداع والتلقي. فحدث أن قرأت منشورًا لأشرف الصباغ تحدّث فيه عن أهمية الخطاب، وأهمية إزاحة اللغة قليلاً، فكان أن فجّر منشوره هذا أفكاري وآرائي حول ما كان يشغلني، فانطلقتُ أكتب مَدينًا في كل ذلك له بالفضل والمِنة، فلولاه ما سطرتُ حرفًا واحدًا.
بعدها مباشرةً كتبتُ إليه أشكره، وقلتُ له إنّ من سوء حظي أنني لم أقرأ له عملاً إبداعيًا، رغم متابعاتي لندوات مناقشات أعماله، فما كان منه إلا أن تفضل بإرسال بعض أعماله لي بصيغة الـ PDF وهو لا يعلم أن ظروف عينَي لا تسمح لي بالقراءة الإلكترونية، فما زادني ذلك إلا شوقًا وألمًا.. أمّا الشوق فلهذا الكاتب المبدع الذي أصدر أكثر من خمس مجموعات قصصية، وخمس روايات، وإذا كان هذا خطابه وتلك لغته، فما أحوجني لقراءة إبداعه. أمّا الألم فبسبب أنني لم ألقَه حتى الآن رغم أنني أرافقه –بمعنى أتابعه- في معظم ما يكتب.
إبّان ذلك كنت قد بحثت عنه عبر شبكة الإنترنت لأعرف أن الرفيق العزيز دارسٌ للفيزياء، وحاصلٌ على عدد من درجاتها العلمية، وأنه فضلاً عن أعماله القصصية والروائية قام بترجمة عشرات الأعمال من الروسية إلى العربية، بخلاف كتبِه الأخرى التي تناولت المسرح والثورة في روسيا.. كما أنه عملَ صحفيًا ومراسلاً لعدد من الصحف والقنوات الإذاعية والتليفزيونية، وبدأت أستوعِب تمامًا اهتمامه بالقضايا السياسية، وتحليلاته للشؤون السياسية والاقتصادية في مصر والعالم والتي ينشر طرَفًا منها على صفحته، وبدأت أستوعب أكثر كيف ومِن أين يستقي وعيَه وثقافته ومعارفه.. كل هذا كان معروفًا للجميع باستثنائي أنا.. بدا لي أنني –كعادتي- تأخرت كثيرًا في معرفة الرجل، بالتأكيد بسبب تقصيري وقِلة متابعتي، وكان مدهشًا لي أن بيننا أصدقاء مشتركين كثيرين جدًا، لمّا عاتبتهم في الضنّ عليّ بمعرفة الرجل اعتذروا قائلين إنهم كانوا يظنوننا أصدقاء منذ زمنٍ بعيد!
والحق أن نموذجًا مبدعًا ومثقفًا كهذا، جديرٌ بالصداقة والمحبة.
فالسلام والتحية لأشرف الصباغ رفيقًا وصديقًا، وكاتبًا ملهِمًا، حتى وإنْ عز اللقاء.
………………
* شاعر وكاتب مصري

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم