أشرف الصباغ الذي يكتب بعين الطائر

amr al shamy
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عمرو الشامي

تجربة أشرف الصباغ الإبداعية تنقسم قسمين، فإذا ما نظرنا له بوصفه مترجما فلسوف نجد مترجما ملتزما (على الأقل فيما يبدو) بروح النص الأصلي وخط كاتبه مع التسليم بالطبع بأن كل ترجمة هي نوع من الانحراف عن الأصل وفقا لثقافة وخبرة المترجم ورؤيته وكذلك نتيجة الاختلافات والمغايرة بين لغة وأخرى. لكن أشرف الصباغ هو ذلك المبدع الملتزم إن جاز القول مترجما. ونظرا لتمكنه لغويا وثقافته الواسعة أدبيا وعلميا وسياسيا لنا أن ننتظر المزيد من ترجمات أشرف الصباغ وألا يشغله مشروعه الإبداعي عن الترجمة بوصفها نافذة على العالم.

أما أشرف الصباغ الروائي والقاص والمترجم فهو رجل له أسلوب خاص مميز. أول معالمه الصدمة، فهذه الكتابة لا تعبأ بالأنواع التقليدية للجنس الأدبي ومن ثم قد يتحفظ البعض على النوع وهو بصدد الحديث عن هذه الكتابة وتصنيفها فيرفض تصنيف بعضها ضمن النوع الأدبي، وهو أمر ربما يتقبله أشرف الصباغ برحابة مدركا أن الكتابة مجازفة وعلى صاحبها أن يتحمل نتائج قرارته. لكن هذه المجازفة أتاحت له مدى رحبا من الحرية وهي مسألة جوهرية لهذا العقل والروح اللذين لم يستكينا للسائد المستقر من الرؤى والأفكار. ومن هنا تتبدى المغايرة واضحة جلية فهي ليست على مستوى الشكل وحده والتجريب فيه بل قد يكون أساسها بنية أعمق أساسها الفكر. وهذا لا ينعكس على الشكل والمضمون في كتابة أشرف الصباغ الإبداعية بل يتجلى كذلك في آرائه السياسية، فله رأيه الخاص الذي كثيرا ما يتصادم مع السائد والمستقر من أفكار.

وثمة فكرة يمكن أن تعمق تصوراتنا للرؤية الإبداعية لدي أشرف الصباغي وهي أن هذه الكتابة التي تتجاور وتتحاور فيها التقاليد الأدبية الصارمة والتخفف منها معا إنما هي انعكاس لعشوائية المجتمع الذي يكتب عنه بل ربما عشوائية العالم ذاته وسيولته. فلا حدود فاصلة بل أضحى الواقع أقرب لنسق فوضوي على ما في الجمع بين المفردتين من غرابة نسبيا.

السخرية سمة أيضا من سمات الكتابة الإبداعية عند أشرف الصباغ. ربما تأتي استجابة جمالية لواقع مازوم وربما تكون لونا من ألوان جذب المتلقي. فضلا عن أنها قد تكون مزاجا شخصيا. لكن هذه الكتابة قد تكون ممتعة بالنسبة للبعض وقد تخفف قليلا من وقع الصدمة على المتلقي أو تسهم في تعميق الأزمة وكلها من أغراض الكتابة.

أشرف الصباغ يكتب في أحيان بعين طائر وذاكرة كاميرا فالمكان له اعتباره وتقديره باعتباره نسقا وحفرية معرفية وليست مجرد حجارة. المكان هو الناس والناس هم المكان فقد صنعوه وصنعهم في الآن نفسه وفي حركة جدلية بغير توقف. وفي هذا الاتجاه يمكن أن نرصد بعض معالم القاهرة ونقف على التحولات التي طرأت عليها.

وتأتي لغة أشرف الصباغ أقرب لمقتضي الحال فاللغة وإن كانت معتنى بها إلا أنها بنت بيئتها المعرفية وأغراضها الكتابية وليست استعراضا لقدرة أو محورا مقصودا بعيدا عما تحمله من طرح فكري وتصور جمالي. المقصود هنا أن الصباغ لا يحملها فوق ما لا تحتمل ولا يرى أن اللغة فوق الفكرة بل هي والفكرة نسيج واحد وأن كتابته ليست ساحة لاستظهار واستعراض القدرات اللغوية. فهي لغة بسيطة سهلة سلسة حية في الوقت نفسه. أي أقرب لمنطق الحكي والشخصيات التي يتناولها في كتاباته.

ومما تقدم يمكن القول إن كتابة أشرف الصباغ لها سمات مائزة وبصمة خاصة بحيث يمكن أن ننسب هذه الكتابة لصاحبها وبحيث يمكن القول بأنه هذا المبدع الذي آثر ألا ينضوي تحت إهاب المجموع فله سماته الخاصة فكرا وأسلوبا ما يجعل الحرص على متابعة كتاباته نابعا من إدراك أن هذه الكتابة قد يكون فيها والمقصود هنا ليس فقط سردياته الأدبية بل أيضا تدويناته السياسية والفكرية على مواقع التواصل، ما يمثل إضافة على المستويين الفكري والجمالي معا.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم