أشجارٌ يُتعبها النّسيم

art
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

نور الدين كويحيا

وكنّا أشجاراً يُتعبها النّسيم، وكل يومٍ تتساقط أوراقنا من فرط الهُجران. وحين يُتعبنا هذا الوقوف الطويل في ذاكرةِ الحواف، كنّا، نمد أغصاننا صوب الأرصفة؛ ننحني.. وننحني، حتى نكاد ننسلخ من مأساة التراب. يمر المارة قاذفين فوق أوجاعنا حصاةَ دهشتهم، ثم يغادرون: فرداً.. فرداً، غير آبهين بسطوةِ القيظِ إذ يحيل الجذع يابساً.. آيلاً نحو نهايته.

ولأننا لم نتعلم كيف يترك المرءُ جذوره اليابسةَ مُغادراً، ولأننا تمسّكنا ملياً بأعماقنا المحفوفة بالهزيمةِ وببقايا صدىً مازال يتردد في جوفنا.. ظللنا إذن نربي انتحاراتنا وفي كل فرصةٍ نقتل إبناً فينا ويسميه الٱخرون: ثمرةً ذابلة.

كنّا، أطفالاً من خشب، وحين يجيء الفأس الدّامي ليحطب هذا الوجع الدّاكن، نقول: ولدنا هنا، ونريد الموت هنا. فالمرءُ في النهاية لا يودّ أن يصير طاولةً تلتم حولها أسرةٌ وتدلق الأكاذيب البيضاء فوق سطحها الخشبي، ولا يريد المرءُ أيضاً أن يصير باباً يُفتح على أسرار الظُلمة السّحيقة. كلٌ منّا يريد حين يموت أن ينتهي، دون أن يعود على هيئةٍ أخرى.. دون أن يخلف وراءهُ وجعاً ينخر خاصرة الفراغ.

فيا أيها الحطّاب، حاملُ الفأسِ الخرساء، اِحرق جذر الغبن، وشرّد ثمارات حزني. ثم صيّر هذا الخشب وهذه الفروع الممدودة – كتلويحةٍ أخيرة – رماداً. أُريدني ناراً تُدفئ البرد الطويل في صومعةِ العظام، أُريدني انتهاءً.. فقد اكتفيتُ من الابتداء.

 

 

 

مقالات من نفس القسم

tareq hashem
يتبعهم الغاوون
طارق هاشم

مادلين

nourhan abu ouf
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

فقاعة

nourhan abu ouf
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

نصوص