أشباح السينما المصرية.. تنوعت الأسباب و”المعنى” واحد!

1
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد عبد الرحيم

حسنًا، ما هو الموت؟ إنه – ببساطة – مفارقة الروح للجسد عائدة إلى بارئها، لتنقطع حياة صاحبها على هذه الأرض. لكن بعض الشخصيات فى أفلام السينما المصرية قدمت قهرًا لهذه الحقيقة، حين رفضت الموت، باقية على الأرض، فى صورة أشباح؛ لتكمل مهمة منقوصة، أو تحقِّق حلمًا مُلِحا. 

الحب هو السبب، والكره أيضًا!

فى فيلم عفريت سمارة (1959) من تأليف محمود إسماعيل وإخراج حسن رضا، وهو الجزء الثاني من فيلم سمارة (1956) للمؤلف نفسه، ترفض سمارة، المرأة العاشقة (أداء تحية كاريوكا)، موتها فى نهاية الجزء الأول، وتتحداه راسخة فى هذا العالم؛ لتستأنف تواصلها مع حبيبها ضابط الشرطة، مُحاوِلة إيقافه عن الارتباط بقريبته، لكنها فى النهاية ترضخ لأحكام القدر، موافقة على الرحيل؛ لأنها روح شفافة انتهت حياتها الأرضية، ولإدراكها – بسبب حبها – أن الضابط لابد أن يتابع حياته بشكل طبيعي مع امرأة حيّة مثله ليعيش السعادة. ترى النقيض فى فيلم ممنوع فى ليلة الدخلة (1976)، من تأليف فاروق صبري وإخراج حسن الصيفي، فالأم المتسلطة (أداء نبيلة السيد)، التى تعارض ارتباط شاب فقير بابنتها، تموت سقوطًا فى بلاعة شارع مفتوحة، لتعود شبحًا مزعجًا يكدّر حياة هذا الشاب بعدما تزوج ابنتها؛ أي أن كراهيتها لم يوقفها الموت، وما استنكرته فى الحياة عادت من الآخرة لتمنعه، ويكون الحل باستدعاء روح سيدة أقوى منها، كى تجبرها على الاستسلام لمصيرها؛ لتذهب، وكراهيتها، إلى الجحيم!

أحلام الموتى ومساعدة الأحياء

فى فيلم عفريت عم عبده (1953)، من تأليف وإخراج حسين فوزى، والمستوحى من الفيلم الأمريكى It Happened Tomorrow أو حدث غدًا (1944)، يموت الصحفى البارع (أداء السيد بدير)، لكن تبقى روحه على الأرض كى يساعد شاب وشابة طيبين، ويحميهما من شرور عم الشابة الذى يريد الاستيلاء على ميراثها. أطرف الأمور طلبه منهما إنشاء جريدة بعنوان “أخبار بكرة” تتخصّص فى نشر أخبار الغد، وليس اليوم السابق، متمكنًا من تحريرها عبر قدراته فوق-البشرية، التى تؤهله لمعرفة المستقبل، وهو ما حقّق حلمه القديم بجريدة ناجحة. وفى فيلم البعض يعيش مرتين (1971) عن قصة عادل كامل، وسيناريو وإخرج كمال عطية، يموت الأب عالم الآثار (أداء يحيى شاهين) ساخطًا على أحوال أسرته؛ فابنته تقترب من الانحلال الأخلاقى، وابنته الأخرى ضعيفة الشخصية، وابنه ينحرف للسرقة، لكن تبقى روحه فى منزله لمدة 40 يومًا، كى تقوِّم هذه الأسرة، وتنجز فى مماتها ما لم تنجره فى حياتها، وهو ما يناله فى النهاية. وفى فيلم 4-2-4 (1981)، سيناريو وحوار فاروق صبري وإخراج أحمد فؤاد، عن الفيلم الإيطالى Il presidente del Borgorosso Football Club أو رئيس نادى بورجورسو لكرة القدم (1970)، تُستحضَر روح صاحب فريق كرة القدم (أداء أمين الهنيدى)، بعد خسارة فريقه المرة تلو المرة، كي يستدعى لاعبين محترفين من العالم الآخر، ليساندوا لاعبيه على نحو خفى، ويحرزوا الأهداف بدلًا منهم. تنجح الفكرة، وينقذ الميت الأحياء، لكن تفسد الأمور عندما تسافر روح الرجل مع فريق الأشباح لمشاهدة مباريات كأس العالم فى البرازيل، تاركين الأحياء لخيبتهم!

أموات ينقذون أمواتًا!

فى فيلم عروس النيل (1963) عن قصة لفائق إسماعيل، قائمة على فكرة للنجمة لبنى عبد العزيز، وإخراج فطين عبد الوهاب، تعود هاميس (أداء لبنى عبد العزيز)، آخر عروسة نيل فى زمن الفراعنة، بعد موتها بآلاف السنين، كى تمنع مهندس البترول الشاب من التنقيب عن البترول فى منطقة معينة بالأقصر، بحجة أنه يدنس التاريخ، وينتهك حرمات المقابر، كاشفة له أن هذه المنطقة مدفون بها مومياوات عرائس النيل. بينما تقع هاميس فى حب المهندس، يأمرها آتون إله الشمس بمغادرة عالم الأحياء، وبعد العثور على مومياء هاميس ذاتها فى تلك المنطقة، يتراجع المهندس عن خططه، ويكتشف مقابر العرائس؛ لتنجح هاميس فى حماية التاريخ، وإعطاء المومياوات حقها من التكريم، وإن فقدت الحب. فازت هنا الروح – نوعًا ما – بما أرادت، لكن ليس كل الموتى هاميس؛ ففي فيلم الحب فى الثلاجة (1993)، تأليف ماهر عواد، وإخراج سعيد حامد، يحاول البطل، وهو موظف فقير مقهور (أداء يحيى الفخراني)، تجميد نفسه فى ثلاجة إلى أن تصبح الأحوال فى مصر أفضل، لكن تجربته تفشل ويموت، ليقابل فى الثلاجة شخصيات أخرى قُتلت ظلمًا بسبب فساد متنوع. بعد اتهامه زورًا بالقتل، ينتقل الموظف إلى ثلاجة المشرحة الحكومية، حيث يقابل أمواتًا مظلومين أكثر عددًا، ويخطِّط معهم لثورة كبرى، لكن قوات الأمن تقضى على هذه الثورة، وتميت “الموتى” نهائيًا. تبدو هذه النهاية السوداوية مُعبِّرة أيما تعبير عن الأجيال المصرية التى أُحبطت محاولاتها للتغيير، وعجزت عن الخروج من الثلاجة.   

تحقيق العدالة

فى فيلم عفريتة إسماعيل ياسين (1954) من تأليف أبو السعود الإبيارى، وإخراج حسن الصيفى، يقتل صاحب الملهى راقصته الناجحة (أداء كيتى فوتساكى) طمعًا فى مبلغ التأمين على حياتها، لكن روحها ترفض الموت، حتى تطبِّق العدالة، وتقبض على قاتلها، لذا تلجأ لزميلها فى الملهى، المونولوجست المسالم، طالبة منه معاونتها فى سعيها، وعقب عدد لا بأس به من المغامرات، والمشاكل، و – طبعًا – اتهام المونولوجست بالجنون، يتمكن من الوصول للقاتل، والزج به فى السجن، لتستريح الروح، وتذعن لرحيلها عن الأرض، وفى فيلم عاد لينتقم (1988)، سيناريو وحوار وإخراج ياسين إسماعيل ياسين، عن الفيلم الكندى The Changeling أو البديل (1980)، ينتقل طبيب (أداء عزت العلايلى) للعيش فى فيلا بعد موت ابنته، لتراوده أصوات غريبة فيها، وتحادثه عبر جهاز تسجيل. يكتشف الطبيب أن الأصوات ليست لروح طفلته، وإنما لطفل عاش فى هذه الفيلا قديمًا، ولا تزال روحه تحوم فيها، مُطالِبة الأحياء بكشف خدعة ارتكبها رجل أعمال شهير انتحل اسم الطفل كي يستولى على ميراثه. بعد فشل الطبيب فى فضحه، يموت المجرم فى ظروف غامضة؛ وإن كان يبدو واضحًا أن الطفل الميت هو من أنجز انتقامه بنفسه، على طريقة “ما حك جلدك مثل ظفرك”.

*** 

إذًا، فى عُرف هذه الأفلام، تفارق الروح الجسد، لكنها لا تفارق عالمنا، إلا – غالبًا – بعد أن تحقّق ما أرادت. إذا كنت ترغب فى أخذ ذلك على محمل الجد؛ فستجد ما يؤيدك فى علم ما وراء الطبيعة، وتراث الظواهر الخارقة. أما إذا كنت لا تصدق أيًا من ذلك؛ فلن تستطيع إنكار رسالة فكرية لصيقة به، بخصوص قوة الإرادة البشرية، وعدم فوات الأوان أبدًا؛ فإذا ما كان الأموات قادرين على إنجاز كل هذا فى الوقت الضائع، فلِمَ لا أنجزه أنا فى الوقت الحالي؟!

…………………….

*نُشرت فى موقع سينماتوغراف / 18 ديسمبر 2014.

مقالات من نفس القسم