د. أمل الجبوري
يتناول هذا الكتاب البارز، «أسامة عفيفي ناقدًا»، والذي قام بتحريره والإشراف على إصداره الروائي سعد القرش، حياة وأعمال صديقه أسامة عفيفي الشاعر والكاتب المصري الذي حظيت بشرف لقائه.
لعب عفيفي دورًا بارزًا في تنظيم عرض فيلمي الوثائقي “من برلين إلى بغداد” في نقابة الصحفيين في القاهرة عام 2005، وهو الفيلم الذي سلط الضوء على نهب المتحف العراقي، وحرق المكتبة الوطنية عقب سقوط النظام.
تنبع أهمية هذا الكتاب من كونه لا يوثق فقط إسهامات عفيفي، بل يقدم أيضًا للقارئ غير العربي سردًا أصيلًا لأهداف ومعاني وإنجازات ثورة 23 يوليو 1952، خاصةً في ظل قيادة الزعيم جمال عبد الناصر. ويمتد تأثير هذه الثورة إلى ما هو أبعد من مصر، حيث يستعرض الكتاب كيف شكلت هذه الثورة العالم العربي بشكل عميق.
التحول الثوري في الثقافة والأدب
أحدثت الثورة المصرية تحولًا جذريًا في الثقافة والأدب والنشر. فقد أسهمت في تحقيق ديمقراطية الإنتاج الفكري والأدبي، قبل اختراع اصطلاح «العدالة الثقافية»، منتقلة به من دائرة النخبة إلى جمهور أوسع. وقد أسهم هذا التحول في ظهور كتّاب ومفكرين استلهمت أفكارهم من معاناة شعوبهم في مواجهة القوى الاستعمارية، سواء البريطانية والفرنسية وغيرها ممن قسّموا الوطن العربي.
يسلط الكتاب الضوء على هذه النهضة الثقافية التي أفرزت ما نعرفه اليوم بـ«الثقافة العربية»، والتي وحّدت المنطقة من المحيط الأطلسي (المغرب) إلى الخليج العربي وحدود العراق. وللمرة الأولى، أنتجت القومية العربية هوية فكرية وثقافية متماسكة تجاوبت مع تطلعات العالم العربي بأسره.
مواجهة التشويه والتهميش
رغم إنجازاتها، تعرضت القومية العربية للتشويه والتهميش بل الشيطنة. ويقدم هذا الكتاب تصحيحًا ضروريًا لهذه السرديات، حيث يعرض منظورًا عربيًا يتمركز حول الذات، ويواجه الخطاب الغربي المهيمن الذي يسود في الإعلام العالمي والأوساط الأكاديمية.
يستحق هذا الكتاب أن يُترجم إلى اللغة الإنجليزية ليصل إلى الباحثين والقراء غير العرب. فهو يقدم رواية بديلة للسرديات المركزية الأوروبية التي تهيمن على معظم الإنتاج الإعلامي والأكاديمي في الغرب. ومن خلال ذلك، يدعو جمهورًا أوسع للتفاعل مع فهم أكثر دقة لتاريخ العالم العربي الحديث، الذي شكّلته الإسهامات الفكرية والثقافية لمفكرين مثل أسامة عفيفي والحركة الثورية التي كان جزءًا منها.