رغم كل التجارب والأفكار والمناقشات واللحظات الصعبة التي رأيتُ أسامة فيها أو من خلالها، يخطر أسامة ببالي عادة داخل مشاهد كهذه؛ لحظات الضحك التي تُمرّر وتهزم لحظات التوتّر. في مستويات أكثر تعقيداً، يحضر أسامة عبر السخريّة في الحياة وفي الكتابة من الخوف، من الإحباط، من الانقطاع عن الكتابة، من نوبات الاكتئاب، ومن المرض والموت أيضاً. مرّة قال لي أسامة أنه لا يصدّق “اللي دمهم تقيل” مهما كانوا طيبين أو مخلصين. لقد عارضته وقتها ولكني أتفق معه الآن.
يبدو أنه من الصعب الكتابة عن صديق تعتبره شريكاً في تكوين هويّتك. إن وجوده المستمرّ في حياتك، رغم غيابه أو بُعده، طبيعيٌّ للغاية. يحدث أن أقرأ قصيدة لأسامة وأتمتم بأهميّة تغيير كلمة، يحدث أن أُعيد قراءة خطاب منه أرسله لي في سنواتي الأولى هنا وأندم لأنني لم أنتبه من قبل لجملة فيه، بل يحدث أحياناً أن أتخيّل ردّ فعل أسامة على ما يحدث في غيابه. لقد فقدنا أصدقاء حقيقيين ولا يمكن أن نقبض على هويّتنا في غيابهم لولا هذا النوع من الحضور؛ من وائل رجب إلى مجدي الجابري وهاني درويش. أكاد أقول كم أنا محظوظة لأنني عرفتهم ولأنهم شركاء في حلم ما، وفي تكويني أيضاً. حضور أسامة بداخلي يجعلني ممتنة لكل هؤلاء الذين يشاركوني هذا الحضور: سهير وعلاء خالد ومجاهد الطيب وياسر عبد اللطيف وأحمد يماني ورنا التونسي ومحمد مرسال وأحمدحسّان ومهاب نصر ومحمد بدوي وعبد الحكم سليمان وحسن عبد الموجود وغيرهم. الكتابة والضحك والموسيقى والقاهرة بل وحماقة أسامة في بعض لحظاته واتهامه لي بها في لحظات أخرى هي أشكال مختلفة لوجوده بداخلي بنفس الدرجة. لكن تأسيس جائزة للشعر باسم أسامة الدناصوري وإعلانها في ذكراه هي ما يجمعنا الليلة، لنترجم حضوره داخل كل منّا إلى فِعل يليق به. أتمنى لهذه الجائزة أن تستمرّ بالنزاهة التي اتسم بها دائماً أسامة، وأن تقرّبنا من الشّعر كل عام في ذكراه. كل الشكر لأحمد يماني صاحب الفكرة. ولكل من ساهم في هذا العمل الجماعيّ ولروح أسامة. وألف مبروك للشعراء الفائزين.
…………………….
*ألقيت هذه الشهادة في حفل توزيع جائزة أسامة الدناصوري للشعر