د. مصطفى الضبع
لا خلاف على أهمية الجوائز بشكل عام والأدبية بشكل خاص اعتمادا على جوانب كثيرة مما يحقق وجودها ويمنحها مشروعيتها متمثلا في:
- قدرتها على التقدير والتكريم لمن قدموا وأعطوا.
- تحريك المياه الراكدة التي تستقر بفعل عوامل.
- الكشف عن مواهب جديدة تنضاف إلى المنجز السابق.
- تحفيز الأدباء وخلق حالة من التنافس النزيه لصالح الإنتاج الأدبي والفكري.
- إنجاز مجال للقدوة حيث يمثل الفائز قدوة للأجيال اللاحقة حين تراه مثالا يحتذى لجدارته بما استحق لما أنجز فيحرك لديها الطموح لتحقيق ما هو أفضل.
وجميعها تحقق نتائج إيجابية لها قيمتها في إثراء الحركة الأدبية، ولكنها بوصفها نشاطا إنسانيا تعد مشهدا ينضاف إلى مشاهد حياتنا ويمكننا قراءته في سياقها كما يمكن قراءته منفصلا استكشافا لتفاصيل من شأنها أن تكشف بدورها عن جوانب لها دلالتها في سياق أزمة النقد كما أن لها دورها في سياق تجربتنا الإنسانية حيث الصورة مغايرة تماما لما هو مأمول منها أو متوقع لها.
الجوائز الأدبية / النقدية في مصر نوعان:
- جوائز الدولة ومؤسساتها.
- جوائز المؤسسات /مؤسسات المجتمع المدني أو ما في مستواها.
جوائز الدولة (التقديرية– التفوق – النيل – التشجيعية) جميعنا يعلم مشاكلها والجهة الوحيدة التي لا تريد العلم بهذه المشكلات هي وزارة الثقافة بوصفها الجهة المانحة او الجهة القائمة على الجوائز حيث الوزارة لها وضعيتان:
- وضعية المانح المتصدر للمشهد.
- وضعية المدير لما لا يمنح وإنما تمنحه الدولة حق الإدارة فيسيئ استخدام صلاحياته مصرا على أحقية في العبث بما لا يملك.
وقد نجحت الوزارة في تحويل مجرى الجوائز من كونها استحقاق للأجدر إلى كونها استحقاق لمن ينجح في تدشين أكبر عدد من الأصوات مما ترتب عليه تشغيل لعبة تبادل المصالح ببراعة منقطعة النظير لتنفرد وحدها بإدارة الجوائز في دوراتها المتوالية، وكان أن أصيب النقد بعدد من الضربات المتوالية حين ذهبت الجوائز بقدرة التربيطات وحدها إلى من لا منجز لهم وإلى مؤلفات تزدحم فيها الأخطاء المنهجية والعلمية والنقدية واللغوية وهو ما ترتب عليه أمران لهما جانبهما السلبي تماما :
- إعراض أصحاب إنجازات حقيقية عن التقدم للجوائز.
- اجتراء أصحاب التربيطات ومفتقدي الإنجاز الحقيقي على التقدم للجوائز عملا بمبدأ “من فاز سابقا ليس أحسن مني”، وفيما كان على الجوائز أن تخدم الأدب والنقد حدث العكس تماما حين رسخت لأعمال ضعيفة ومشروعات أضعف.
ومالم تفكر الوزارة ممثلة في المجلس الأعلى للثقافة أن تعيد النظر في آليات الجوائز فإن الأوضاع ستسير من سيئها إلى أسوئها ومن ضعيفها إلى أضعفها، ولا يبقى سوى سؤال يطرح نفسه بعنف واجب و سخط مستحق : لصالح من تهان جوائز تقدم باسم مصر ؟
وقبل أن نوجه لوما لكاتب ضعيف يستميت على تقديم عمله الضعيف لجائزة ما علينا أن نلوم على ناقد يستميت على ترسيخ الضعف وخيانة أمانة التحكيم ففي كثير من الجوائز تكون لجان التحكيم هي الحلقة الأضعف لأسباب لا تخفى على أحد :
- خضوعها لملاحقة البعض و إلحاحهم وقبول الوساطة أحيانا (حد قبول رشاوى مقنعة ).
- افتقاد بعض المحكمين لأمانة العمل التحكيمي بالكشف عن هويته لبعض المتنافسين (عملية نفسية يستسلم لها البعض متباهيا بكونه عضوا في لجنة تحكيم محققا لنفسه قدرا من الأهمية ومشبعا حاجة في نفسه للتأثير على الآخرين من المتنافسين، وإذا اعتبرناها حالة فهي متكررة)
- تسريب أعمال اللجنة المفترض فيها السرية وهو ما يترتب عليه تدشين البعض لمنصات التأثير عبر الإعلام أحيانا مستبقا عمل لجان التحكيم.
- وهو ما يترتب عليه منح الجائزة لكتب لا تستحق (كتاب تتنافس فيه الأخطاء العلمية واللغوية يفوز أولا بجائزة كبرى وبعدها بأعوام يفوز صاحبه بإحدى جوائز الدولة وكأن الأمر ترسخ للضعف وتركيع للقيم الأسمى)
إن إعادة النظر في تشكيل لجان تحكيم الأعمال الأدبية مطلوب بقوة، وأول ما يستوجب التغيير هو تصنيف اللجنة( سأضرب مثالا بلجنة لتحكيم جائزة في الرواية مثلا ) فلم يعد من المنطقي أن تقتصر على النقاد وإنما يجب أن تتنوع ليكون بين أعضائها : ناقد – روائي – إعلامي متخصص – قارئ من بين القراء العاديين الذين يمثلون شريحة غائبة تفرض لجان التحكيم عليها ذوقها، وتتحمل هي ( جماعة المتلقين ) تبعات هذا الفرض المتعسف أحيانا على الرغم من كونها المتلقي الأساسي للنص تمنحه مشروعية جماهيريته، كما تمنحه وجوده الفاعل في الحياة.
إن سؤالا له منطقيته يفرض نفسه: ماذا لو أننا تشاركنا في وضع قائمة للفائزين بجوائز النقد خاصة والجوائز الأدبية عامة على مدار عشر سنوات فقط بحثا عن مساحات التأثير وأهميتها وقدرة مؤلفات الفائزين على أن تقدم جديدا أو يكون لها قارئها أو متلقيها الذي ينتظرها، وقدرتها على تشكيل فكر القارئ أو وجدانه ؟
سنكتشف أن جوائز الدولة أولا تتحرك في دائرة ضيقة كأنها ما أعدت إلا لأسماء بعينها بوصفها ميراثا تحتكره جماعة ضيقة الحدود. كأنها لا تستهدف الاستكشاف تدور الجوائز المعنية بالأدب والنقد خاصة، تدور في حلقة مفرغة ولأننا لا نراجع الأمور ونستسلم لما هو قائم، ولأن مؤسساتنا لا ذاكرة لها تغيب التفاصيل الحاكمة لإدراك ما يجب ان تكون عليه الأمور، كما سنكتشف أن كثيرا من الجوائز تتبع نظام جوائز الدولة نفسه كأنه قدر محتوم أن يستمر الضعف وتسافر الجذور عكس اتجاه الأغصان.
وللحديث بقية