كل مساء، تجمل المكان في ذاكرتها بوابل من همهمات شبحية، تجدّدُ رصيد الطيّشِ لشاعر يراوده الموتُ كفكرةٍ رائعة
قبل الليلِ بقليلٍ تُعلّقُ قبالةَ حلمِها نافذةً تكدّس خلفها الهواء وتهدمُ رصْفَ النهارِ على قارعةِ الحلم والعدم.
لا رغبةَ للمكان في البكاء اليوم، والوقتُ اللزجُ ينزلقُ على رائحةِ الهواء الباردة، حتّى أن النافذة الخرساء تبسمت وهي تمدّ اصبعا متوهجا وتلعق الغبار السابح في اللاشيء، تبتسم! … كما لو أنها تبتسم! الصوت الأبكم يرسل إشاراتٍ مرئيةً على مضض: بريق هواء خلف النافذة؟ … عاصفة من ضوء؟
يندلق الحلم
يصرخ الشاعر
يعوي الطفل
تضحك الغربان ذات الزغب الزهري
يرتجف النفَس ويشرئب إلى…
خلفَ النافذة… عاصفة من ضوء… بحر من هواء
هي تلهث مثل كلب جالس في ظلّ وهميّ، تُلْقِم وجهها ثقبا تعثّر في الظلام، هستيريا الضّحك تباغتها وهي تفتّت شعاعا سرّبته النافذة بلؤم.
تهرول إلى الباب الموصد ولا تصل، تمسك النّفَس الأخير، تغرسه في قلبها المشوّه بالحلم : يموت الشاعر المنفيّ في دمهاااا بجرعة زائدة ويهرب الطفل، تنتف الغربان ريشها الوردي وتغلق الثقب المتدليَ من النافذة الكاذبة
صراخ في أذنيها … أنين
يصعد النّمل إلى رأسها وهي تلعق بجسدها برودة البلاط
لم تصل يداها اللاّهثتان أبعد من صدغيها
والأنين ينز بلا صوت
هواء… هواء… هواء…
رئتها المثقوبة تفلت منها وتغيب في بالوعة الوعي.
في الخلفيّة عتمة مزمنة كموسيقى تصويرية لفلم سوريالي، لاشيء يتنفس
والهواء المتخثر يبتلع الساعة الشاخصة نحو العدم.
ستجلس في هدوء،
على سدّة ضيّقة
تجفّف الوقت
وتقطر تقطر تقطر …
وتق… تق… تق… تق…
كحبات سبحة منتظمة في يدها العجوز
كان الإبهام المتحرّك يعدّل تقاطر الحبّات في معبر الوقت
كشرطيّ مرور يمضغ علكة ويتثاءب
هل كان يعلم أن خيط السبحة الماكر كان يخطّط لأمر طارئ ؟
ــــــــــــــــــــ
*شاعرة من تونس