“أرستقراطي” .. السيدة زينب

يحيى حقي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

جمال الطيب

يحتوي كتاب “يحيى حقي.. الفنان والإنسان والمحنة” الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة- سلسلة “إصدارات خاصة”- 2017، على (18) مقال للناقد الراحل “رجاء النقاش”، نُشرت على فترات متباعدة بين أعوام 1992 و2005، يكشف من خلالها عن جوانب خفية في حياة القاص الراحل “يحيى حقي” على المستوى الإنساني والأدبي.

الميلاد والنشأة عند “يحيى حقي” وحياته العملية والوظيفية.

ولد “يحيى حقي” بحارة الميضة بالسيدة زينب في 7 يناير من عام 1905 من أسرة تركية، فجده الأول “والد أبيه” وافد على مصر من تركيا، وتوفى في 9 ديسمبر 1992. تخرج من كلية الحقوق سنة 1925 وعمل بالمحاماة ثم معاونًا للإدارة في منفلوط بالصعيد وخرج من هذه التجربة بكتابه “خليها على الله” والذي يقول الناقد “رجاء النقاش” عنه: “والحقيقة أن كتاب يحيى حقي هو من أجمل ما عرفه أدبنا المعاصر من الكتب التي تسجل التجارب الشخصية للأدباء، وهو بالإضافة إلى جماله وفتنته الأدبية حافل بالملاحظات الإنسانية الدقيقة حول الشخصيات البسيطة التي تملأ حياة القرية المصرية” (ص15). العمل بوزارة الخارجية بين أعوام 1929 حتى 1954 وكان آخر عمل له بالخارجية “الوزير المفوض المصري في ليبيا” حتى صدر قرار بنقله بعد زواجه من زوجته الفرنسية وهي زوجته الثانية بعد زوجته الأولى المصرية التي توفيت بعد ولادتها لابنته “نهى” بشهور قليلة. عيّن مديرًا لمصلحة الفنون حتى تم نقله إلى دار الكتب عام 1958 بعد أن قرر فصله، إثر وشاية أزعجت الرئيس “جمال عبد الناصر” لتنتهي إلى نقله بعد تدخل “ثروت عكاشة” وزير الثقافة حينذاك والذي تولى وزارة الثقافة من نوفمبر 1958 إلى سبتمبر 1962 ثم تولى المنصب من سنة 1966 حتى سنة 1970، وقد وردت تفاصيل هذه الوشاية في كتابه “مذكراتي في السياسة والثقافة” الطبعة الثالثة – دار الشروق، وكذلك في كتاب “بقايا ذكريات” للشيخ أحمد حسن الباقوري والذي كان يشغل منصب وزير الأوقاف وقتها، والصادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر- الطبعة الأولى في 1989م؛ والذي كان حاضرًا بالجلسة التي دارت في منزل الأستاذ محمد محمود شاكر وسبه لعبد الناصر. ثم توليه رئاسة تحرير مجلة “المجلة” من 1962 إلى 1970، حتى تم إغلاقها في منتصف عام 1970بعد تولي “عبد القادر حاتم” وزارة الإعلام والثقافة.

دوره النقدي.

يرجع إليه الفضل في اكتشاف الدكتور “جمال حمدان” صاحب موسوعة “شخصية مصر”، ففي مجلة “المجلة” وفي عهد يحيى حقي وبتشجيع منه كتب جمال حمدان مقالاته الأولى التي لفتت الأنظار إلى نبوغه وعبقريته، وعن دور يحيى حقي النقدي، يقول “النقاش”:  “مدّ يده إلى أبناء الأجيال الجديدة دون ضيق أو ضجر، فأعطاهم الكثير من وقته ورحابة صدره، وقرأ أعمالهم في صبر شديد، وقدّم للكثيرين منهم بمقدمات تفيض بالحنان والفهم والذكاء وقدرة الأستاذ المُحب على التوجيه والتنوير” (ص12).

النقاد ودورهم البارز في تسليط الضوء على قصة “قنديل أم هاشم”.

كان لــلأستاذ “محمود محمد شاكر” الفضل في نشر قصة “قنديل أم هاشم” في العدد (18) في يونيو 1944 من سلسلة “إقرأ” الصادرة عن “دار المعارف”، بتقديمه لها للمشرفين على هذه السلسلة، ثم يعود الفضل أيضًا إلى الدكتور “طه حسين” الذي قرأها ورشحها للنشر، يقول عنه رجاء النقاش: “فقد كان شاكر أستاذ الأساتذة في معرفته بأسرار اللغة العربية وإدراك سحرها وجمالها وقدرتها على مسايرة الحياة رغم ما في هذه اللغة من صعوبات يشكون منها البعض ولكنها صعوبات لا تخلو منها لغة جميلة أخرى” (ص68)… يواصل: يقول يحيى حقي في حديثه مع تلميذه الناقد المعروف فؤاد دواره: “كانت المرحلة التي بدأت في حياتي الفنية منذ 1939 تتمثل في تتلمذي على محمود شاكر فقد قرأت عليه قدرًا كبيرًا من الأدب العربي القديم، ومن الشعر الجاهلي إلى بقية أمهات الكتب العربية، ومنذ ذلك الحين وأنا شديد الاهتمام باللغة العربية وأسرارها، وفي اعتقادي أن اللغة العربية لغة غريبة جدًا في قدرتها على الاختصار الشديد مع الإيحاء القوي” (ص135). ثم يعود الفضل الأكبر للناقد “سيد قطب” (1906- 1966) وتناوله لقصة “قنديل أم هاشم” فور صدورها، ويقول الناقد رجاء النقاش عن سيد قطب: “كان في ذلك الوقت- أي في أربعينيات القرن الماضي- من أكبر نقاد الأدب العربي، وكانت كلمته مسموعة وموثوقًا بها في صفوف الأدباء وبين جماهير القراء على السواء، وقد ظل سيد قطب يحتل مكانه الرفيع في مجال النقد الأدبي حتى سافر إلى أمريكا حوالي سنة 1949، في بعثة دراسية قصيرة عاد بعدها لينفض يده من الأدب والنقد ويدخل ميدان العمل السياسي والدعوة الدينية، وهي المرحلة المليئة بالعواصف التي انتهت بمحاكمته وإعدامه سنة 1966، بتهمة الاشتراك في زعامة تنظيم عسكري يهدف إلى قلب نظام الحكم في مصر بالقوة، وفي هذه الفترة التي تمتد من سنة 1950 إلى نهاية حياته سنة 1966، خرج سيد قطب تمامًا من عالم النقد الأدبي الذي كان فيه أحد النجوم اللامعة الساطعة في أربعينيات القرن الماضي” (ص47).

في لمحة تدل على ترفّع ونزاهة ناقدنا الراحل “رجاء النقاش” مبادرته بإعادة نشر المقال النقدي لسيد قطب عن قصة “قنديل أم هاشم” في مجلة “الرسالة” ثم في كتابه النقدي الشهير “كتب وشخصيات” الطبعة الأولى سنة 1946، والذي يقول فيه سيد قطب: “في قنديل أم هاشم ثمرة حلوة ناضجة عبقرية. كانت البذرة في “عودة الروح” وفي “عصفور من الشرق” لتوفيق الحكيم، وهي هنا الثمرة في “قنديل أم هاشم”. الروح المصرية الصميمة العميقة تطل- كما هي في أعماقها- من “قنديل أم هاشم”. وهي تطل من خلال اللمسات السريعة الرشيقة الموحية، ومعها الحيوية والفن والشاعرية والإبداع. وفي خلال اثنتين وخمسين صفحة فقط من حجم الجيب يتم تصوير الروح المصرية الكامنة العميقة العريقة، ويتم صراع كامل بين روح الشرق والغرب، ويتم انتصار الإيمان المبصر على العلم الجاحد”. ثم يعقب رجاء النقاش على المقال بقوله: “تلك كانت صرخة الناقد سيد قطب عندما التقى لأول مرة بعبقرية الفنان يحيى حقي، فأعلن الناقد على الناس في صوت قوي مؤثر ظهور فنان جديد في عمل رائع هو “قنديل أم هاشم” وتلك لا شك وقفة نقدية تعطينا صورة عن واقع حياتنا الأدبية منذ ستين عامًا عندما ظهرت “قنديل أم هاشم”. والوقفة النقدية القوية الجريئة تستحق منا أن نذكرها- للتاريخ- بكل التقدير” (ص51).

 ثم يأتي مقاله عنها، قائلاً: “ولقد قامت قصة يحيى حقي على محاولة بديعة ورائعة للإجابة على السؤال الأساسي عن موقفنا من الغرب، وما يتفرع عن هذا السؤال من أسئلة أخرى عديدة.. ويضيف ..”إنها قصة تأخذك بسحرها من يدك، وتتحدث معك في همس جميل، ولا تقول لك كل شئ بل تتركك وحدك مع نفسك لتتأمل وتفكر وتصل إلى ما تشاء من نتائج، وهي ثمرة اجتهادك وليست ثمرة إملاء الفنان صاحب القصة عليك، وهذا ما يضمن للفن قوته وجماله وتأثيره المستمر القوي على الناس لأن فن الخطب و”الزعيق” لا يعيش، وإنما يعيش الفن الهامس الذي يخرج من قلب الفنان وليس من حنجرته” (ص48).

الملامح الأدبية والفكرية والإنسانية في شخصية “يحيى حقي”.

يقول عنها الناقد “رجاء النقاش”: “ويكفي أن نلقي نظرة على عناوين كُتب يحيى حقي حتى نعرف أن قاموسه الأدبي مستمد من حي السيدة زينب، أو من هذه الجامعة الشعبية الكبيرة، فمن عناوين كُتب يحيى حقي نقرأ “أم العواجز” وهو لقب يطلقه الناس على السيدة زينب نفسها، وهناك أيضًا “قنديل أم هاشم” و”أم هاشم” هو لقب آخر يطلقه الناس على السيدة زينب، ثم نقرأ من عناوين يحيى حقي الأخرى “خليها على الله” و”من فيض الكريم” و”عطر الأحباب” و”من باب العشم” و”كناسة الدكان” وكل هذه العناوين وثيقة الصلة بلغة حي السيدة زينب، وهي لغة التواضع والتسامح، والفرح بالحياة، والتأدب في مخاطبة الناس، وفتح الباب بالمحبة والمشاعر الطيبة للتعامل الكريم مع الآخرين” (ص74/75)؛ ويضيف: “وفي أدب يحيى حقي نلتقي بظاهرة أخرى شديدة التميّز، فهو أدب يخلو تمامًا من الصراخ والخطابة والوعظ والإرشاد والمناقشات الطويلة المُملة، وهو أدب شديد التركيز والكثافة دون أن يقوده ذلك إلى أي نوع من الغموض المرفوض، وفي عبارة بديعة ليحيى نسمعه يقول: “حين تكتب أغلق فمك، وإياك أن تفتحه” وهذه عبارة رائعة تستحق أن يضعها كل كاتب حقيقي صادق أمام عينيه، وأن يقرأها كل يوم، مرة واحدة على الأقل، فالكتابة المهمة غير الصاخبة والبعيدة عن الضوضاء والخالية من الزخارف الشكلية هي التي تصنع الناس وتؤثر في المجتمعات وتقود الحياة إلى الأمام، وفي تعقيب على عبارات يحيى حقي عن الكتابة والأدب المثالي، يقول الناقد رجاء النقاش: “وهكذا يقدم لنا يحيى حقي مقياسًا دقيقًا للأدب الجميل المؤثر، فقمة النجاح الأدبي تكون عندما يشعر القارئ أنه لا يعاني من أي إرهاق روحي أو ذهني، وأنه يقرأ كلامًا قريبًا إلى القلب، وليس أدبًا فضفاضًا زاعقًا مليئًا بالضجيج والصخب، فالأدب الجميل المؤثر هو الذي نقرأه ونحس كأننا لا نقرأ من فرط السهولة واليسر والتجاوب بيننا وبين ما نقرأه، وليس ذلك لأن الأدب سطحي يتناول الحياة والتجارب الإنسانية بخفة وسهولة، بل على العكس تمامًا؛ لأنه يكون أدبًا صادقًا يتسلل إلى النفوس دون تعقيد أو افتعال” (ص78).

قوة الإرادة والجاذبية فكرتان أساسيتان عند “يحيى حقي”.

“إنهما فكرتان كبيرتان في أدب يحيى حقي هما: “قوة الإرادة” التي لا تترك شيئًا من أمور الحياة للحظ والمصادفة، ثم “الجاذبية” التي يتم تنميتها بالجهد والتعليم والتدريب والثقافة ومواجهة متاعب الحياة بصبر وثبات، والإرادة والجاذبية معًا هما عنصران أساسيان لمن يريد أن يحقق النجاح والنجاة في رحلة الحياة، وبدونهما يصبح الإنسان قابلاً للانكسار والهزيمة والخسارة المعنوية والمادية، ولا جدوى لأي إنسان في هذه الدنيا أن يقال عنه: إنه طيب وغلبان.. ولكنه خيبان!.. ولا بديل في معركة الحياة للإرادة القوية والجاذبية التي يكتسبها الإنسان لنفسه بحسن الفهم وعمق التفكير ولُطف التعامل مع الواقع والناس” (ص64/65).

عشق “يحيى حقي” للغة العربية والأصول الأساسية فيها ودفاعه عنها.

نقطة إضافية هامة، يقول فيها “رجاء النقاش”: “وتجربة يحيى حقي تثبت أنه ما من أديب شاعرًا كان أو قصاصًا أو مسرحيًا أو كاتب مقال يستطيع أن يكون على اتصال حقيقي بروح الشعر دون أن يكون على معرفة باللغة العربية، ومعاشرة أليفة وحميمة لألفاظها، وموسيقاها وارتباطها الوثيق بالحياة. إن حب اللغة هو الخطوة الأولى في عالم الحب الكبير وهو حب الشعر والتعرف على ينابيعه الصافية الجميلة” (ص137). “فقد قال يحيى حقي يومًا عن نفسه إنه عاشق للغة العربية، وكان على حق في ذلك، فعلاقته باللغة العربية هي علاقة حب كبير، ولم يقلل من هذا الحب أبدًا معرفته الواسعة العميقة بعِدة لغات أخرى مثل الفرنسية والانجليزية والإيطالية والتركية، بل لقد كانت معرفة يحيى حقي باللغات الأخرى معرفة دقيقة سببًا جديدًا جعله يعرف فضائل اللغة العربية ويتمسك بها ويزداد هوى لها؛ لأنه أدرك بالعلم أن هذه اللغة هي من أقوى لغات العالم وأكثرها مرونة وأغناها بالألوان الكثيرة المتنوعة” (132/133).

الأناشيد النثرية التي تحمل عنوان “بيني وبينك” لــ “يحيى حقي”.

يقول الناقد “فؤاد دوّارة” عنها ليحيى حقي في كتابه “عشرة أدباء يتحدثون”: “يبدو أن روعة قنديل أم هاشم قد صرفتنا عن الاهتمام بما تضمنه نفس الكتاب من مقطوعات غزلية تحت عنوان “بيني وبينك” مع أن هذه المقطوعات فيها نغمة شاعرية عربية أكاد أحس نعها بروحانية صوفية برغم أن موضوعها مادي وأرضي” (ص81)، ويقول عنها الناقد رجاء النقاش: “إنها قصائد نثرية، أو هي مما يسميه البعض باسم الشعر المنثور، ويسميه آخرون باسم قصيدة النثر، وقد كتب يحيى حقي نفسه في هامش طبعة سنة 1990، من “قنديل أم هاشم” أنه كتب أناشيد “بيني وبينك” سنة 1940، وتم نشرها لأول مرة الأولى سنة 1944، وهي أقرب للشعر المنثور، أو ما أصبح يعرف اليوم بالقصيدة النثرية” (ص82). ومن نماذج أناشيد يحيى حقي البديعة، يذكر لنا الناقد “رجاء النقاش” تلك الأبيات التي يقول فيها: “كم من مرة قطعت فيها هذا الطريق معك، ذراعك في ذراعي، فما شعرت أطويل طريقنا أم قصير؟ أفي يومنا المسير أم في غد لم يأت بعد؟ أم في ماض من العمر قد تولى وفات، كان الطريق هو الذي إلى يأخذ بيدي، ويريني اتصاله بالأفق، بالسماء، بالأفلاك.. على جانبيه دور هادئة المأوى كصدور الحاضنات، ويمر بنا أناس كل منهم شعاع من نور الله، أما الآن، بعد اختفائك، فهذا الطريق بعينه أقطعه وحدي فلا ينتهي، المسير سخرة، والأفق قيد، والسماء غطاء، والنجوم ترمق الأرض شذرا، الدور سجون، والناس أطياف ذاهلة لا تدري ما القدر، وإن شكت كفرت!” (ص86/87).

ثورة 1919 و”صانع القباقيب” عند “يحيى حقي”.

في كتابه “صفحات من تاريخ مصر” يشير يحيى حقي إلى بطل الثورة الحقيقي وهو “المواطن الشعبي العادي الفقير صاحب الاسم المجهول، الذي دفع من دمه وحياته ثمن هذه الثورة بالكامل”. كتب يحيى حقي تحت عنوان “ابن القباقيبي” (ص233).. لا شك أن كل إنسان كان حاله مثل حالي، شعور متَّقد يطلب الشفاء، يطلب بطلاً يخرج من صفوف الشعب، ولم يكن يدور بخُلدي أن هذا البطل سوف يكون صبيًا يقيم بالقرب من داري؛ كان في مثل عمري “14 عامًا”، الفارق أنني ببدلة فوق قميص وهو بجلابية على اللحم، وأنا ألبس حذاء وهو حافٍ رغم أن مهنة أبيه هي صناعة القباقيب!. من صفوف الرِعاع في نظر الصحافة البريطانية، خرج البطل الشهيد الذي ثار لكرامتنا وردَّ الصفعة.. ردها أيضًا عن خدي أنا” (ص29)، ثم يصل بنا يحيى حقي إلى اللحظة الفاصلة، في حياة هذا النموذج الشعبي فيقول: “وقع الاختيار على هذا الولد الوحيد. سقط قتيلاً برصاص الانجليز في مظاهرة أمام الدكان فسار معها يردد هتافاتها، فخرجت له جنازة مشهورة في تاريخ الثورة بأنها “جنازة ابن القباقيبي” سار فيها الشعب كله، من مستشارين وقضاة ومحامين، إلى الطلبة الكبار والتلاميذ الصغار، إلى صفوف غفيرة أخرى من أبناء الشعب كنا نريد بهذه الجنازة أن نقول لصحافة الانجليز: انظري الرِعاع يُشيعون بطل الرعاع. وهذه الجنازة لم تشبهها جنازة أخرى طوال الثورة” (31:29).

قصة الحب الفني بين “يحيى حقي” و”بيرم”.

“يحدثنا يحيى عن ذلك في كتابه الجميل “كناسة الدكان” صفحة 53 وما بعدها فيقول: “… كان بحث أفراد العائلة ومتعتهم في قصيدة شوقي هو النغم والمعنى المبتكر، أما في زجل بيرم فهو النكتة وخفة الدم والتعرف على سر عبقرية اللغة العامية في ظرفها ولطفها وبراعة صورها الفنية، وكان بيرم بالنسبة لعائلتي هو اللغة العامية في عصرهم، وكانت هذه اللغة هي بيرم، فلم يجدوا ما يعبر عن حلاوة العامية في عصرهم إلا في أزجال بيرم التي لا يُدانيه فيها شاعر آخر” (ص90). وفي الختام لا أجد أمامي إلا أن أؤكد على أن الكتاب من الكتب القيّمة؛ التي يجب الاحتفاظ بها بعد قراءتها؛ وذلك للعودة إليه المرة تلو الأخرى؛ فهو دليل لكل من يعمل في مجال النقد، وللمبدع الذي يتلمس أُولى خطواته في طريق الإبداع، أما ما يخص الناقد؛ فعليه أن يكون منزهًا عن الأغراض الشخصية، مُتجردًا من الأنانية، مُتحليًا بالإنسانية التي تغلب على كتاباته، يُمسك بيد المبدع بحنو ليدله على الطريق الصحيح دون تعالٍ، ينبهه إلى أخطائه دون زجر أو معايرة، قارئ في مختلف العلوم، يضيف للقارئ في مقاله المعلومات التي تفيده وتعمل على اتساع مداركه. كما أن الكتاب يقدّم النصيحة المخلصة والمنزهة عن الهوى للقاص والروائي قبل الشروع في الكتابة بأن ينهل من التراث ويستزيد من القراءة التي تمده بحصيلة لغويه تعينه في مسيرة كتابته.

هوامش:

“رجاء النقاش”.

هو محمد رجاء عبد المؤمن النقاش من مواليد محافظة الدقهلية في 3 سبتمبر 1943 وتوفي في القاهرة في 8 فبراير 2008 إثر إصابته بسرطان في الرئة عن عمر يناهز 74 عامًا. تخرج في جامعة القاهرة قسم اللغة العربية عام 1956 وعمل بعدها محررًا في مجلة روز اليوسف المصرية بين عامي 1956 حتى سنة 1961 ثم محررًا أدبيًا في جريدة أخبار اليوم وجريدة الأخبار في الفترة من عام 1961 حتى عام 1964، كما كان رئيسًا لتحرير عدد من المجلات المعروفة منها مجلة الكواكب ومجلة الهلال كما تولى منصب رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة مجلة الإذاعة والتليفزيون التي جعل منها مطبوعات ذات توجه ثقافي حيث نشر رواية “المرايا” لنجيب محفوظ مسلسلة قبل صدورها في كتاب. في مطلع ثمانينيات القرن الماضي انتقل إلى دولة قطر للعمل مديرًا لتحرير جريدة “الراية”، ثم ترأس تحرير مجلة “الدوحة” التي ذاع صيتها حتى أغلقت عام 1986. عاد “رجاء النقاش” بعد ذلك إلى مصر ليعمل كاتبًا بمجلة المصور، ثم تولى رئاسة تحرير مجلة الكواكب في التسعينيات وفي السنوات الأخيرة أصبح كاتبًا متفرغًا بصحيفة الأهرام. قدم العديد من المبدعين ومنهم الروائي السوداني “الطيب صالح” الذي أعاد اكتشاف روايته الشهيرة “موسم الهجرة إلى الشمال”، والشاعر المصري “أحمد عبد المعطي حجازي” الذي كتب له مقدمة ديوانه الأول “مدينة بلا قلب”، والشاعر الفلسطيني “محمود درويش” الذي أصدر عنه كتاب “محمود درويش شاعر الأرض المحتلة”. نال جائزة الدولة التقديرية بمصر عام 2000، وكُرّم في يناير 2007 في حفل بنقابة الصحفيين بالقاهرة حيث نال درع النقابة ودرع مؤسسة “دار الهلال” ودرع حزب التجمع. ومن أعماله: “ثلاثون عامًا بين الشعر والشعراء” و“أبو القاسم الشابي شاعر الحب والثورة” و“عباقرة ومجانين” و“عباس العقاد بين اليمين واليسار” و“قصة روايتين” وهي دراسة نقدية فكرية مقارنة لروايتي “ذاكرة الجسد” للجزائرية أحلام مستغانمي و”وليمة أعشاب البحر” للسوري حيدر حيدر، وكتابان في النقد المسرحي هما “في أضواء المسرح” و“مقعد صغير أمام الستار”، وكتاب “نساء شكسبير” واختياره لبعض الشخصيات النسوية من مسرح شكسبير، وتعامل معها كنماذج بشرية تستحق التوقف أمامها.

( ويكيبيديا الموسوعة الحرة “بتصرف”).                        

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي art 14
Uncategorized
موقع الكتابة

انتحار