أخبارُ السَّماء

جبار ياسين
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

جبار ياسين

صعد الجميعُ إلى السَّماء
وبقيتُ وحدي
أنظرُ في العراء
أشمُ رائحةَ الزَّبد
وأسمعُ من بعيدٍ موج البحر.
حملوا ذكرياتهم وطاروا في الرِّياح
كأوراقِ الخريفِ، بكلِّ ألوانِ الطَّبيعة
ارتووا بالماءِ بعد غيابِ الماء،
ثمَّ اعتلوا غيماً وبرقاً ترصعه النُّجوم… وطاروا
أطفالهم حملتهموا أجنحة الزَّرازير
أما النِّساء فصرنَ بُراقاً
لا سُلَّم يفضي إلى سماءِ الله
غير الغمام،
يطيرون من الغمام إلى الغمام
وأجنحة الملائكة الصِّغار
مثل الحمام ،ناصعة البياض
يرتلون نشيد آخر ساعة
قبل الفناء.
في شهرِ تشرين تزدحمُ السَّماء بنجومِها..
وكواكب الشُّهداء
أطفالٌ، تعلموا الضحك امس
مسنُّونَ أنهوا العمر بذكرى خاطفة
عجائزٌ لم ينتهينَ من ذكرى جنين
ومن ذكرى الحصارات
مغول ،تتر ،فرسان الصليب
شتيرن، ارغن ،هجانا
جيش الدفاع
دايان ، شارون ،دراكولا
نساء من كلِّ لون،
من كلِّ صنفٍ في المهن
خدَّجاً لم يحملوا أسماءهم بعد…
مقاتلونَ لم يبلغوا العشرين
غطّوا جباهَهم بعصائبٍ خضراء
وخطّوا أسماءهم بالكوفي
وشوماً وأوسمة
وأبياتاً من الشِّعر،
وربما اسم الحبيبة،
وأسماء أمهاتهم والعلَم الفلسطيني
من سورةِ “الرَّحمن” حفظوا الكثير
ومن “التَّوبة” بضع آيات
ومن “الشَّهادة” كلَّ حروفِها
فصارت سماء غزَّة لوحةً حروفية
وإيقاع أغان.
يا ليل غزَّة لا ترتجل قصائد حبِّنا
لا وقت للحُبِّ في هذا الرُّكام
لا وقت إلا لملحمةٍ جديدة
فأرتجل العواصف والملاحم
وارتجل نشيد أسلافك.
قالوا: لن نموت إلا واقفينَ
فنحنُ أشجارُ زيتون منذ الولادة
وجذورنا تبقى على مرِّ الزَّمان
وإن ارتقينا مرتينِ
أو ثلاثاً
نحن وردة الرُّمان دامية
لكنَّها أطيبُ من شهدِ العسل
ولا نموتُ إلا واقفينَ .
ونموتُ حين نعشقُ
أرضاً أو امرأةً أو جُلَّنار
ونموتُ إنْ لم يكن من الموتِ بُدّ
وهنا نكونُ أو لا نكون
على أسوارِ غزَّة أو جنين
نموتُ كي لا نبقى لاجئين.
يقول نشيدُهم: لكم الحياة ولنا الحياة
فكلُّنا من صلبِ الحياة
من نهرِ الحياةِ و بحرِ الحياة
متساوونَ في الخلقِ لكن
لنا الصَّداقةُ والحبُّ وعطرُ الأرض
ولكم وحشةُ اللَّيلِ في الأرضِ الغريبة
لكم ضمير اللّصِ في رابعةِ النَّهار
لنا الشَّجر الأخضر
لنا البرتقال والزَّيتون
ولكم الشَّجر العاري
ولكم شجر ما لبطن الأرض معرفة به
لنا الطُّفولة والأبجدية
ولكم الحساب لعد شيكالاتكم
لنا العشقُ ولكم معادلات حسابية
لنا الأساطيرُ الجميلةُ ولكم الخرافات
ولنا الجذورُ نمدُّها في الأرض
كي يساقطَ الرَّطبُ الجني والبرتقال
ولكم السُّفن والمطارات
ولنا أقدامُنا
لنا المرايا كلّها
ولكم مرآةٌ مقعَّرة
لنا النَّشيدُ في الفضاءِ الطَّلق
ولكم ضرب الجدار
لنا التَّاريخ بأجمعِه
ولكم عالِمُ الآثار مشغولٌ
دون جدوى بالحجارةِ ..
لنا أسوارُ غزَّة وأهلِها
أطفالها ونسائها والذِّكريات
لنا أحجارُ كنعان واوغاريت
آجر بابل كلّه
أريحا كلّها
ولا شيء لكم .

صعد الجميع إلى السَّماء
وبقيتُ وحدي
لكن البحر يعرفني
وتعرفني الأرض
وطيور السَّماءِ.
مثلها،
سأبني عشي من جديد
على أسوارِ غزَّة
كي يراني البحر كلَّ صباح
وتحملُ لي النَّوارسُ أخبارَ السَّماء

………………………….

*شاعر ومسرحي عراقي

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project