أحمد ابراهيم الشريف يلاعب السلطة وأشباحها بالثوابت والخيالات

أحمد ابراهيم الشريف يلاعب السلطة وأشباحها بالثوابت والخيالات
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاوره: محمد سرساوي

"موسم الكبك" أول عمل روائي للروائي والباحث أحمد ابراهيم الشريف الذي صدر عن الهيئة العامة للقصور الثقافة، والرواية تحكي عن قضية اشتباك بين صيادين وسفينة سياحية في إحدى قرى الصعيد وخلال موسم صيد يعرف بـ "موسم الكبك".

حاوره: محمد سرساوي

“موسم الكبك” أول عمل روائي للروائي والباحث أحمد ابراهيم الشريف الذي صدر عن الهيئة العامة للقصور الثقافة، والرواية تحكي عن قضية اشتباك بين صيادين وسفينة سياحية في إحدى قرى الصعيد وخلال موسم صيد يعرف بـ “موسم الكبك”.

يبدو عنوان الرواية غريبًا على القارئ، وسألنا “الشريف” خلال حوارنا معه عن سبب تسميه الرواية بهذا الاسم، فأجاب: أعترف، بداية، أنه عنوان يملك “خصوصية محلية”، وناتج عن “بلاغة صعيدية”، لا أعرف لها مردودًا في المناطق الأخرى، لكن – حقيقة – الرواية هي التي اختارته، وأنا لم أسع إلى غرائبية في تصديره للرواية، وحاولتُ اقتراح عنوان آخر لكنني لم أستطع، فتدخلت فقط لأضيف توضيحًا في أحد الهوامش كي يضيء العنوان.

وأضاف “إبراهيم” أن إشكالية العنوان تكون في البداية فقط عند تعاملنا مع الغلاف الأول.. لكن بعد القفز والدخول إلى عالم الرواية يتكشف المعنى الكامن بسرعة، وهنا يأتي دور القارئ الذي بالطبع لم أتجاهله، بل على العكس راهنت عليه، وعندما يصل إلى الصفحة الأخيرة ويُطبق الغلاف الأخير سيختار هو أيضا “موسم الكبك” عنوانًا لهذه الرواية.

وجاء حوارنا معه بعد أن تمت مناقشة النص خلال فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الأخيرة التي أعلن فيها الشاعر سعيد المصري، مدير تحرير سلسلة “كتابة” بالهيئة العامة لقصور الثقافة، والتى صدرت عنها الرواية منذ 5 أشهر، عن نفاد الطبعة الأولى.. وإلى نص الحوار:

 

في “موسم الكبك” استخدمت تقنية الهامش في الرواية.. لماذا كان اختيارك لكلمات بسيطة قمت بشرحها في الهامش؟

الهامش في “موسم الكبك” أكثر من مجرد تعليق على كلمات بسيطة أو مركبة، هو طريقة في التفكير، ونمط في الكتابة، وعلى العكس تمامًا لم تكن الكلمات التي تم التعليق عليها – ولا أقول شرحها في الهامش – بسيطة، هذا إذا اتفقنا على معنى كلمة بسيطة، ولم تكن أيضًا معقدة، هي كلمات ومواضع في الرواية تحمل ثقلًا فنيًا ودلالة نفسية فاضت من جراء نفسها على المعنى الموجود في الشكل الكتابي وصنعت لنفسها هامشًا أو متنًا مغايرًا، أخذت به حيزًا إضافيًا في ورق الكتابة وأذهان القراء والمعنى الكلي للحكاية.

في بداية كتابة “موسم الكبك” لم أكن أخطط لفكرة الهامش والمتن، لكنها فرضت نفسها بعد ذلك، والذي فعلته أنني احترمت رغبتها في الظهور، ربما محاولة من هذا الهامش أن يصبح متنًا، ظنًا منه أن المتن يحمل قيمة ما يعرفها ويحس بها الهامش المأزوم، لكنني أنا منفذ فعل الكتابة، لا أرى هذه القيمة ولا أومن بها، فربما كان الهامش أكثر تأثيرًا من المتن، وربما كان المضمر أكثر دلالة من الظاهر.

   

ألم تخش استخدام تقنية الهامش أن تغلق باب الخيال عند القارئ؟

على العكس تمامًا ربما توقعت أن يفتح الهامش باب الخيال على مصراعيه، لأن الهامش وكما يلاحظ من الكتابة ليس تفسيًرا معجميًا لمعاني الكلمات، إنما هو شيء يرتبط بالأثر النفسي للكتابة، وتفسير لبعض الألفاظ الخاصة، والتى عادة لا يكون تفسيرها نهائيًا، وجزء آخر  كان متعلقًا بالحكاية نفسها ومثَّل امتدادًا لها.

  هذا الأثر النفسي لا يكون محددًا بطريقة قطعية، ولكنه يخضع لسياق ومعرفة وثقافة من خارج النص، هذه الثقافة وهذه المعرفة تختلف من قارئ إلى آخر، وبالتالي تتنوع طرق تلقي الهامش والمتن وصولًا للنص كله، كما أن البيئة التى دارت فيها أحداث الرواية تميل ناحية الخصوصية بما يفتح مجالًا آخر للخيال.   

 

لماذا لم تضف الهوامش داخل سياق العمل؟

لم تتم إضافة الهامش داخل المتن، لأنه ليس كل الهوامش تصلح أن تكون متنًا، أتفق أن هناك نوعًا من الهامش كان من الممكن أن يصعد للمتن ويأخذ مكانه امتدادًا لخط الحكاية الرئيسية، لكنني أردت أن أقول: إن هناك أجزاءً منا نحن صانعو المتن تكمن في الهامش، أو الذي يطلق عليه الآخرون هامشًا، هناك أجزاء مهمة لا تكتمل الحكاية وبالتالي الحياة إلا بها لكنها لا تبدو للعيان في مكانها الذي توقعوا أن يجدوها فيها.

كما أننا اتفقنا أن الهامش والمتن معا يمثلان سياق العمل، لذا الهوامش بالمعنى الأوسع الذي أقصده تسكن في قلب السياق الفنى لـ”موسم الكبك”، فطريقة قراءتها المفترضة أن تتوقف عند العلامة وتقرأ الهامش ثم تكمل الحكاية، وعلى هذا تأخذ الحيز الزمني والمكاني المفروض لقراءتها، وإن كان هناك رأي يرى أن الهامش يمكن قراءته منفصلًا كنص مواز فهذه قراءة أخرى لم أقصد إليها ولن أنكرها، بل أعتبرها دلالة على اتساع تلقي النص الروائي.

  

استخدمت اللغة الشعرية في الرواية.. ألم تقلق أن تجعل الرواية غامضة؟

اللغة الشعرية لا تعني أن تكون الكتابة غامضة، هي فقط تمثل رافدًا آخر بجانب الحدث والشخصيات في أن تكون الرواية أكثر حياة، وأكثر قدرة على شغل ذهن المتلقي، والذي ينتظر عادة ما هو أكثر من “الحكي”، ينتظر عملًا يكون مختلفًا ليدخل به  في عالم الأدبية، واللغة هى أول الطرق للدخول لهذا العالم المختلف عن العادي والحياتي.

واللغة في “موسم الكبك” لم تكن أبدًا مغلقة ولا غرائبية، والدليل على ذلك الاختلاف في رأي من قرأوا الرواية، هناك من اعتبرها عاملًا أساسيًا في اختلاف الرواية ونظر إليها بطريقة إيجابية، وهناك من ظن أنها فلسفية، وآخر رآها مغرقة بعض الشيء في البلاغة وإن كانت بلاغة خاصة بها قادمة من أشخاصها وبيئتها التي كتبت فيها وعنها.

وأنا – حقيقة – تعاملت مع اللغة على أنها سوف تضيف للرواية، ومحاولة مني للبحث عن أسلوب خاص يمثلني، كما أن اللغة المتشبعة بالدلالات جزء من مفهومي عن الأدب بوجه عام.    

 

لماذا تعاملت مع الشخصيات “المتهمة” في حادث قتل السائح في الرواية بطريقة كتابة المحضر البوليسى على عكس فصل شخصية “غريب” الذي عرضت لسيرته؟

بدايةً.. الرواية لم تكن عن متهمين بالمعنى القانوني، كان المحقق فقط ينظر إليهم بهذه الطريقة، والراوي كان يستغل هذه المعلومة ليبدأ الحكاية، فالاتهام في الرواية له دلالة أوسع تشمل الاتهام المجتمعي، “حياة” لم يوجه لها القانون اتهامًا لكن المجتمع أدانها وحكم عليها ونفذ ما ارتضاه لها، “ابنة حياة” البريئة التى تدفع ثمن جريمة ارتكبها مجتمع كامل، “أم عوض معبد” التى تركته ولم تأت لتراه مرة أخرى منذ عشر سنين، وغير ذلك من الشخصيات التى تدخل تحت مصطلح الاتهام.

و”موسم الكبك” لم تتناول الحياة الكاملة لشخصيات الرواية واكتفت بالمتاح الذي يعرفه الراوي، فهو بالطبع لا يعرف كل شيء، وربما اكتفت بما يتذكرونه هم عن حياتهم  أو بما يعون من أحداثها بعيدًا عن المتشابهة والمكرور، وربما هي مجرد تقنية روائية، ولا أستطيع أنا الوسيط الذي كتبت هذه الرواية أن أقطع بسبب واحد في هذا الشأن.

أما فصل “غريب” فقد جاء مكتملًا، لأن الخطوط العريضة فيه كثيرة، ورغم مرور السنين العديدة يمكن للإنسان أن يتذكرها، وذلك لاكتمال عناصرها الثلاثة الزمان والمكان والحدث، فلم يكن المقصود من هذا الفصل هو التأريخ لمصر ولا للعالم، فقط كان تأريخ للأزمة التى عاشها إنسان واحد هو أكثر الذي كان يشغلنا في هذه الحكاية، فأكثر من خمسين عامًا وإنسان يعيش داخل قوقعة واحدة مغلقة من الإحباط والضياع والشعور بالغربة وسط أناس مختلفين ولهجة غريبة جارحة، لذا حاولت الرواية أن تتوقف عنده بعض الشيء.

 

النساء ونهر النيل كان دورهما رئيسيا في الرواية.. ما دلالة هذا الاختيار؟

المرأة والنهر مهمان في تشكيل الرواية، لأن دورهما رئيسى في الحياة التى تتحدث عنها “موسم الكبك”، فهما رافدا الوجود، وهما أيضًا غضبه وتقلباته، فالنساء الصانعات للمصائر في الرواية يشكلن تطور الحدث؛ فـ”حياة” التي صنعت أسطورة كاملة لقرية، ومن ثمَّ أعادت هذه القرية تفسير حياتها على ما منحته لها الأسطورة من ثوابت وخيالات، والتى استطاعت بكل يسر أن تمد أثرها على الأحداث حتى الفصل الأخير، على الرغم من كونها ماتت قبل بداية الأحداث فهي مجرد ذكريات وشارة “هي ونخلاتها القليلات وابنتها” ربما لولا وجودهن لظن الناس أنها مجرد حكايات يتبادلونها، ومع هذا كان أثرها عظيمًا، و”امرأة السوق” أيضًا التى أحيت رجلًا وأماتته، بكل ما يحمله من أحلام ضائعة ومحققة.

أما النيل فهو مانحهم ومانعهم منذ سنوات الفيضان والجفاف، الحنون الذي يهبهم الرزق والقاسي الذي يلتهم بيوتهم ويطردهم ناحية الجبل الغريب والجبانات المخيفة، وعلى هذا فحياتهم تشكلت من المرأة والنهر .

 

الخديوي إسماعيل وجمال عبدالناصر وأنور السادات وصدام حسين شخصيات ظهرت فى أحداث الرواية عرضًا، رغم أن الرواية تتطرق للظلم واستبداد السلطة، أين السياسة من كتابتك؟

هذه الأسماء والألقاب المنتشرة في الرواية تمثل خلفية تاريخية لأزمة الإنسان البسيط المقهور والهامشي في مواجهة السلطة المستمرة على طول الحدث الحياتي والحدث الروائي، وإن غابت هذه الأسماء ظهرت أشباحها في مخيلة المقهورين، ولذا كان تعدد الأزمنة كي تتضح هذه الصورة، ومع هذا لم تكن الأزمنة في “موسم الكبك” مكررة بطريقة عشوائية ولا متداخلة، بل كانت مجرد تنويعات على الشخصيات، فكل هذه الأسماء فعلت أحزان وأفراح شخصيات الرواية، وما أكثر أحزانها، ربما “ناصر” هو الوحيد الذي تعاملت معه الرواية بطريقة إيجابية تمامًا.

والقارئ لن يتشتت بسبب هذا الامتداد الزمني، لأن الأزمنة كانت خاصة بأحداث مثلت إطارا حول الحدث الرئيسى الذي كان يتحرك في زمن واحد ينمو بهدوء.

 

جعلت أجواء الأحداث أشبه بحياة الموتى.. هل ترى أن أحداث الرواية تميل ناحية الكآبة؟

علينا أن نحدد ما الذي نقصده بالكآبة، هل هي ما يتعلق بالحزن الموجود في سطور الرواية، أم ما يتعلق بنهايات الأحداث ومصائر الشخصيات، والتى جاءت في معظمها منطقية، فالرواية تدور حول شخصيات مهمشة وأحلام ضائعة وحب غير مكتمل وهويات غير محددة، وبالتالي ستكون نهايتها مكملة نوعًا ما لذلك، ولكن الرواية ليست مأساوية، على العكس تحمل في داخلها دعوة قوية للحياة، فبقراءة أخرى يمكن مشاهدة الحياة المتدفقة بين الشخصيات، والبحث عن الحب والرغبة في الوصول، حتى الأحلام المحطمة كانت ذات مرة أهدافًا يحدوها الأمل في التحقق.

 

خاص الكتابة

 

   

مقالات من نفس القسم