آذانٌ وفيّة
الأسماك التي جئنا في الموعد لاستقبالها لم تصل. وحدها السيوف متروكة هنا بلا وصايا، تلمع مثل أقمار صعدت من البرج قبل أن تفرغ الشباك على رصيف المحيط. نعلم أن الريح لن تتقدّم بشرفٍ مهما فاض الوقت. وأن الصّغار وهم يتلاعبون برؤوسها المدبّبة، في غفلة من الأمواج، تهامسُوا عليها كثيراً بخفّة عالية، وتحوّل همسهم إلى جلَبة كونيّة. السيوف التي جفّت عليها الملوحة، المضروبة من حديد، والتي لم يعد يعرضها أحد على الطريق، تنعمُ الآن بغفوة المحار على رمال الصُّدفة، وكلّها آذانٌ وفيّة للموت أو للحياة.
بين شوطين
أتسكّع في هذه اللحظةِ بين شوطيّ مُباراة. لقد نسيتُ أننا مهزومون، وأنني لمعادلة الحظّ يلزمني الوقوف على حافة المحيط لياليَ أخرى طويلة، ممتلئاً فقط بهواءٍ بحريّ. آهٍ، لماذا غنّيتُ في مأتمي، قبل النهاية، سعيداً بتحقيق حلم “فردي”؟ كنت أحياناً أطلّ من شرفة الحصن، نصف حيّ نصف ميّت، كي أدعو مَجرّة واحدة لضمّ رئتين لامعتين. وحين أقفل عائداً إلى السرير، أجد نافذتي قد حجبها عشب طارئٌ من الداخل. نجمةُ البحر، التي ألصقتها بالأمس، قد هوت من حائط الغرفة. وعند ركنِ خزانتي المعتم، كنتُ أرى الغُرابَ نفسه قد وقعَ ثانيةً في فخّ شال صوفي، ومن حوله شُهبٌ صغيرةٌ حمراء تومض وتخبو. كنتُ هكذا لا أكملُ النظر، فيما تبقى من الوقت، كي لا أوقظ الياسمين.
القراصنة
بعد تردّدٍ طويلٍ عبرتُ النهر. طبعاً لم أجد القراصنة، لكنني صادفتُ أحفادهم يحملون الأرائك فوق رؤوسهم ويزحفون بها إلى الغابة، ثم سرعان ما يعودون ليضعوها في النهر. كانت هذه طريقتهم في الاعتذار للأمواج. في الليل، كان وقعُ أقدامهم يشبه ردم جبلٍ فوق العين الوحيدة التي تبصر. وفي الصباح، كانوا ينهضون من الأسرّة مرعوبين، يمزّقون الرايات بأسنانهم ليدفعوا رؤوسهم عالياً، كما لو على أملِ أنّ ثمّة بقايا سُفنٍ، وراء النهر، لن يخسروها.
رأيتُ الوردة
رأيتُ الوردةَ.
وغصناً منكفئاً على نفسه.
رأيتُ دوّامةَ الخشب.
وأُذناً بلا طبل.
رأيتُ حرفاً موسيقيّاً أعمى
يصعد أدراج الرّخام.
رأيته بالصدفة،
كان يتضوّر جوعاً
في الثانية
بعد منتصف اللّيل.
من مجموعة شعرية جديدة صدرت مؤخرا في الرباط بعنوان ” على مرأى من العميان”
خاص الكتابة