البهاء حسين
كرهتُ الطريقة التى أفهم بها الحياة
كرهت عجزى عن فهمها
بطريقة أخرى
جرّبتُ كل الطرق
ذهبتُ إلى المستقبل
لأعرف نهايتى، قبل أن أصل إليها
لأعرف الرغبة حين تكلّ.
جربت الكآبة
أن ترى نفسك مقلوباً رأسا ًعلى عقب
تبحث عنك فتجد واحداً غيرك.
جرّبت الحبّ
وجدتُه يمضى لحال سبيله
ابتعدتُ كثيرًا عنى
ولما لم أجد ذاتاً تناسبنى
صرتُ أبعد .
،،
الوحشة التى ينشرها الهواء فجأة بداخلنا
جربتها
انتظرت الحظ
قلت: سيأتى بصوته العالى
لن يبطئ
تركتُ له مكانا شاغرًا بجوارى
على السرير
وعند المشى كنت أترك يدى مفتوحة له
تركت الباب
فلم تدخل سوى الحسرة
،،
جربت الترمّل نيابة عن أمى
حتى صرتُ تنهيدة
وبالليل، عندما أنام
كنت آخذ، مثلها، شكل عرجون قديم
لكنى لم أعثر على شيء
لم يبق إلا أن أجرب الموت
سأبحث عن نفسى بطريقة أخرى
:
كم كنت محرجاً من الموت وأنا أتشبث بالحياة
كم كنت قرب نفسى
أكاد ألمسها
لكنها ابتعدتْ.
:
يا حظّ، من أنت
ائتمنتُك على ذاتى
وقفنا هناك
أنا وأمى
نبيع ونشترى تحت السماء
ناديتُ عليك بحرقة، لكنك لم تنتبه لى
جريتُ خلفك فى الطرقات
قذفتك بالحجارة نيابة عن أمى
وأحيانا ً كنت أمشى مهرولاً
كأننى أجهش لها بالبكاء.
:
أنا سرّ أمى
فمها الذى ينده على البضاعة طوال النهار
يدها التى تنشّ الذباب عن العنب
سأموت نيابة عن أمى
وأعود لأخبرها كيف استقبلتْها الملائكة
كيف أن جلبابها الأسود لم يعد ينضحُ لوعة
وأن عظامها وأمنياتها التى لم تتحقق
أصبحت شجرة
ولم تعد عيناها
تدمع حين يمرّ القطار .
،،
يا أمى
أنا متّ نيابة عنك
لا داعى لأن تموتى
:
وأنا سعيد لأننى متّ
انتهيت من مهمتى الأخيرة
لم يعد مطلوبًا منى شىء
لم أعد أنتظر شيئاً
سلّمتُ روحى
آخر عهدة فى ذمتى
وعرفت أن جلبابك غيّر لونه
وراح يخفق بذراعيه كطائر
كروح تصعد للسماء.