آخر العنقود

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. هند أحمد

«آخر العنقود» هو اسمى فى بيت السيد المحترم؛ الأديب والأب محمد جبريل – رحمة الله عليه – عرفته منذ عام 2009.

عقب حصولى على تمهيدى ماجستير وإعدادى للرسالة؛ رشحه لى الدكتور حسن البندارى – أستاذ البلاغة والنقد الأدبى بقسم اللغة العربية فى كلية البنات جامعة عين شمس – تم الاتصال لتحديد موعد لكنه اعتذر لمرضه، وبعد أن تعافى كان اللقاء الأول فى مكتبه بجريدة الجمهورية، وهى المرة الأولى لزيارة هذا الصرح العظيم. كنت أشعر بخجل وتوتر، فكل معرفتى بالأستاذ هى صور وعدة مقالات حاولت الاطلاع عليها قبل زيارته لأتعرف عليه أو (ليعرف جبريل أنى على دراية بأعماله). حملت باقة من الزهور وصعدت لمكتبه فأبتسم بود «جايبة ورد.. كان أفضل تجيبى فرخة مشوية بثمن الورد طالما عملتينى مريض جاية تزوريه». لم أفهم الكلام هل مداعبة أم سخرية؟! ووقفت مكانى. دعانى للجلوس وظل يتكلم واستمع فى ذهول وكأننا أصدقاء منذ زمن، توالت اللقاءات فى ندوته بجريدة المساء أو فى احتفاء الهيئة العامة للكتاب بإصداراته المتوالية.

وكعادة البدايات متعثرة، لا نستطيع أن نحدد الطريق بسهولة ولعله كان متفهم ذلك التخبط. وضع يده بحنان الأب ووعى المعلم وذكاء الكاتب الأريب، دعانى لمنزله فى استضافة الكاتبة الجميلة الرشيقة الأم الدكتورة زينب العسال. زاد الانبهار والإعجاب، شعرت بأنى (أليس فى بلاد العجائب). مكتبة ضخمة، كتب، مجلات، أوراق، التلفزيون على قناة الأخبار فقط. اقترح أن أقرأ رباعية بحرى وأهدانى نسخة على أن أعود لنتناقش.. ولكنى غبت لتغيير مضمون الرسالة وما بين التعديلات والمناقشة قرأت أغلب أعماله ومقالاته، ثم استقر البحث عن المكان السكندرى فى رباعية بحرى؛ عمل لم يكتب للتسلية، نص خادع، إذ تراه يمعن النظر فى وصف تجارب عادية مما نألفه فى حياتنا اليومية بريشة فنان رسم لوحات للحياة البشرية فى تطلعها نحو الإفلات والهروب خارج حدود الزمان والمكان، تجولت فى حوارى بحرى وتنفست هواء بحر الإسكندرية، جلست فى حلقات الذكر بكيت على مشاهد الجنائز، حصنت نفسى بدعاء المتصوفين منهم. فكانت رسالة الماجستير بعنوان «التجربة الروحية فى رباعية بحرى».

احتفى بى كثيرًا، شجعنى على طبعها ككتاب ووجهنى لأستاذ حسام أبو العلا فى دار المفكر العربى، ومنذ ذلك الحين كل ما أتطلع إليه أو أتمناه يتحقق بمكالمة. عشت فى جلباب جبريل أدافع عن قلمه وأتحيز لفكره ومحتواه الكتابى وهو ما أكده مناقشو رسالة الماجستير، لهذا لم أتردد فى أن تكون رسالة الدكتوراه عن مجمل أعماله وتطور سرده.

خمسة عشر عاما من التعلم والعتاب منه على غيابى أو إهمالى للكتابة أو تأخرى فى النشر. كنت أغيب عنه وأنا على يقين تام أنى سأعود لأجده بين أوراقه أمام شاشة جهاز الكمبيوتر، يكتب ليعلم أجيال وينير عقول. كانت آخر مكالمة ليلة افتتاح معرض الكتاب ليسأل هل سيعرض كتابى عنه لينشر الخبر فى الجريدة ويعلن عن دار النشر، وختام مكالمته خلينا نشوفك أنا منتظرك، وبمداعبته اللطيفه أنا سعيد بسماع صوت حضرتك… هذه المرة أنا لم أغب ولكنه هو من توارى؛ غاب عن دُنيانا.. رحل عنا ولن يرحل من قلوبنا ولا عن دعائنا.

 اللهم ارحم من غاب واصطفيته إلى جوارك.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم