شيرين فتحي
“سأشنق نفسي يوما ما، بأمعاء موظف الدفتر”.
واجهني موظف دفتر الحضور بتلك التويتة القصيرة التي كتبتها بالأمس.
كنت متأكدا أن الرجل يراقبني ويراقب كل حساباتي الإليكترونية طوال الوقت.. يجمع المعلومات عني.. يُدوّن كل حرف أكتبه هنا أو هناك.. يلهث خلف تعليقاتي ويحلل كل كلمة وحرف فيها.
منذ خلت المستشفى من الأطباء ولم يتبق معه سواي وكلانا يتحفز للآخر .. أنا لم أتحفز له في البداية ولكن بعد رحيل الطبيب الوحيد الذي كان قد تبقى معي .. رجوته أن نتعاون معا كي نتمكن من تجاوز تلك المحنة بأقل الخسائر الممكنة.. لكنه فاجأني بجدول النباطشيات
– الجدول للاطلاع وليس للمناقشة
كانت تلك هي الجملة الغبية التي حاول أن ينهي بها نقاشنا الذي لم يكن قد ابتدأ بعد.
بالطبع كان اسمي هو الاسم الوحيد الموجود في نباطشيات الأسبوع بأكمله.. كان هذا يعني أن عليّ أن أصل الليل بالنهار في العمل لعدة أيام متتالية دون القدرة على التقدم بأية أعذار كما حذرني.
لم يُجد نقاشي معه ولا حتى انفعالي وسبي له أكثر من مرة أي نفع.
لعدة أيام وأنا مربوط كالبهيمة من رقبتي .. يجرني موظف الإمضاء في أوقاته المحددة ويسحبني من يدي أيا كانت ظروفي أو أعمالي الفارقة التي أحاول أن أؤديها، يجرني من غرفة الكشف أو من غرفة العمليات، لأكتب له اسمي في تلك الخانة الوحيدة الموجودة في الدفتر.
لطالما تمنيت لو أشنقه أو أشنق نفسي حتى، ولكن بعد أن أتمكن من استئصال جزء لا بأس به من أمعائه الغليظة لألفه حول رقبتينا… سأرحل وقتها وأنا في منتهى السعادة لتأكدي أن برحيلي ستصبح المدينة خالية تماما من الأطباء. وستخلو كل خانات دفتر الحضور إلى الأبد.
الفكرة الشيطانية في انتزاع أمعائه وتقسيمها لعدة لشرائح طولية والبحث عن استخدامات أكثر أهمية من تحويل طعامه المستهلك إلى فضلات كانت تخلق في رأسي عدة سيناريوهات وأفكار مجنونة تشعرني بلذة الانتقام الذي لم أكن أقوى عليه.
شكل بطنه المفتوحة وأعضائه المتدلية منها أصبح هو الشيء الوحيد الذي يهوّن عليّ ساعات أيامي التي أقضيها في تقديم ما يمكن تقديمه للمرضى.
حتى جاء هذا اليوم الذي حدثت فيه إحدى الحوادث المروعة والذي كان ضحيته شاب في العشرينيات كاد أن يلفظ روحه إن لم يتم إجراء عملية جراحية سريعة لانقاذ حياته.
أجريت الأشعة التلفزيونية التي أوضحت تهتك الطحال والحاجة السريعة لاستئصاله وذلك حتى من قبل تجبير الكسور الموجودة في أطرافه الأربعة.
كانت المستشفى تعاني بالطبع من نقص شديد في الأدوات الطبية … خاصة الخيوط الجراحية … علقنا العديد من العمليات وألغينا الكثير منها … كان المرضى يموتون منا قبل أن نتمكن من توفير النواقص اللازمة لحياتهم… في هذا الوقت كان موظف الدفتر قد جاء ليجرني من يدي لأوقع في خانة الانصراف لأن الساعة أصبحت الثانية بعد الظهر.
حاول أبو الشاب أن يثنيه عن فعله ورجاه كثيرا أن يتركني ربما أتمكن من إنقاذ ابنه، ولكن دون جدوى
سحبني خلفه دون أن يابه للعجوز الذي تعلق في ذيل بنطالي محاولا إثنائي عن تركه.
ظل الرجل يرجوني ويتوسل لي لكي أبقى معه… ذرف الكثير من الدموع ونطق بالكثير من الدعوات والتوسلات… وصلت إلى مكتبه، ووقعتُ باسمي في دفتر الانصراف ولم أشعر بروحي إلا وأنا أضرب مؤخرة رأس الموظف بحرف الكرسي الحديدي الموجود في الغرفة … كنت أعرف أن الضربة غير مميته ولكنها كافية لكي تفقده الوعي….
ذهل العجوز الذي انتفض من الأرض جراء فعلتي. لكني لم أترك له الكثير من الوقت لكي يتمادى في ذهوله. بل صرخت فيه بمنتهى قوتي:
– مش عاوز تنقذ ابنك ؟؟ شيل معايا
جررنا الرجل من ساقيه وسحبناه إلى غرفة العمليات التي أدخلت إليها الشاب قبل قليل
ساعدني الرجل على إعطاء الموظف حقنة مخدرة في ظهره حتى أتمكن من تخدير نصفه السفلي، فتحت بطنه بمنتهى اليسر … حصلت على جزء كاف من أمعائه قبل أن أقوم بتوصيل الأجزاء المقطوعة ببعضها مرة أخرى.
جردتُ الجزء المستئصل من الأمعاء بسكين قبل ان أنقعه في مسحوق هيدروكسيد البوتاسيوم لضمان نظافته.
التفتُ بعدها للشاب الذي جهزته للعملية
جففت الامعاء التي قطعتها إلى عدة أجزاء طولية .. جففتها جيدا قبل أن أمررها إلى ثقب الإبرة الجراحية… أتممت العملية واستقرت حالة الشاب جزئيا.
كان الموظف قد بدأ يفيق بعدما انتهى تأثير المنوم الذي حقنته به .. كان مذعورا جدا وهو يسألني. … ما الذي حدث؟ أين أنا؟
حاول أن يقوم ولكن قدماه كانتا أثقل مما تخيل بكثير فمفعول المخدر كان أمامه أكثر من ساعة قبل أن يبدأ في الزوال ويتمكن من الحركة…
ماذافعلت بي أيها المجرم؟
– أديت واجبي
– أخبرني ماذا فعلت بالضبط
– اقترضت جزءا بسيطا من أمعائك لانقاذ الرجل وأشرت بسبابتي إلى الشاب
– أمعائي؟!! صرخ الموظف .. أمعائي أيها المجنون.. سأقاضيك سأحاكمك بل سأقتلك ..
لا لا من فضلك لا تتحرك .. ولا تنفعل بطنك لازالت مفتوحة وأعضاؤك تتدلى منها … هكذا أخبرته. فلم يكن قد لاحظ الأمر بصورة جيدة نظرا لعلو مستوى بطنه أو كرشه الذي أعجزه عن رؤية بقية جسده
– إذن من فضلك أنقذني أولا وأغلق هذا الجرح
لازال لديك بعض الخيوط أليس كذلك؟
بالطبع لدي الكثير .. أمعاؤك كانت كريمة جدا معي ولكن للأسف.. تعلم أن الساعة قد تعدت الثانية منذ أكثر من ساعتين واليوم بلا نباطشيات حسبما أتذكر
وضعت في كفه المفرودة إلى جواره بقية الشرائح الطولية التي لم أعد في حاجة إليها. خلعتُ البالطو الأبيض وغطيت به وجهه والجزء العلوي والمفتوح من جسده وانصرفت من عملي سعيدا وراضيا لأول مرة.