بولص آدم
إلى جدّتي
سَألتْ حمارَها الصغير:
متى تتغير الدنيا؟
كَشّ الذبابَ عن مؤخرته بذيله القصير،
هيا واصلِ المسير،
لا تلتفت.
كانت لا تعرفُ القراءة،
تقرأُ في الغيمِ وجعَ الحقول،
وتحفظُ أسماءَنا،
حتى حين ننساها.
في مئزرها:
حفنةُ سكّرٍ لنا،
وفتاتُ حكمةٍ مغلّفة بالضحك،
وفي ذهنها
ألفُ حكايةٍ عن ذئبٍ صار صديقًا،
أو فتاةٍ تحدّت العتمة ومشت.
حياةُ جدّتي تُدهشني،
كأنها تمشي فوق تاريخٍ ثقيل،
وتحمله دون أن تشتكي.
فلاحةٌ من طين الشمس،
تربّت بين الحقول،
تحلبُ الوقت، وتعصرُ الخبز من الحجر،
تجلس على شرفة الليل،
تلفّ نفسها برداءٍ من صمتٍ،
يتخلله رائحةُ التراب بعد المطر،
رمادٌ يتنفس،
خريفٌ يتجلى في نَفَسٍ مُبعثر،
والأسماء: ظلّ يُفلت من الشجر.
أرواحٌ تهمس لقلب الأرض،
وأخرى تبكي نافذةً قديمة.
جلست عند أبواب الغروب،
تلفّ شالها، وترتشف من الهواء رائحةَ الذكرى،
تهمس بأسماءٍ تذوب كندى الصباح،
موتى عاشوا في صمتِ الريح،
وناجون يحملون قصصًا لا تعرف النوم.
يداها المتشقّقتان
ليستا دليلَ تعب،
خريطةٌ للزمن حين يمرّ فوق الطين والملح والحُب،
تخبّئ الحنطةَ في نظرتها،
وتطهو الدعاءَ في صمتها،
وحين تبتسمُ…
يتغيّر طعمُ الشاي.
لا تتحدّث كثيرًا،
لكن حين تنظر إليك،
تشعر أنك الوحيدُ في هذا العالم
الذي لم يُنسَ بعد.
آخرُ من تَذكّرَنا،
حين تآكلت الأسماء،
وذابت الصور،
كانت هناك،
تربطُ على معصم الليل خيطًا من الضوء،
وتنتظر أن نعود،
تنادي علينا من قاع القلب
بصوتٍ يشبهها:
لا تبتعد كثيرًا،
الخبزُ يحترق… والشتاءُ طويل.
30.07.2025