يوم بدون الرب

Xir3675
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مارثيلو بيرماخير

ترجمة: أحمد عويضة

تلك هي المرة الوحيدة التي زرت فيها تلك القرية الصغيرة كبائع متجول وليس ككاتب. عمِلتُ وأنا بين السابعة عشر والثامنة عشر كبائع أقوم بتوصيل أُطُر للصور واللوحات إلى بيوت المشترين، وطلب أحد المشترين شراء مائة إطار، لم أعد أذكر إن كان لمتحف أم لمنزله الذي يكبُر مسقط رأسه نفسه.
كانت الأٌطر يدوية الصنع، يصنعها ثلاثة شركاء وأبيعها وأوصلها أنا. سيطر المشتري على كل ما في الشاحنة التي أقلتني من كابيتال إلى ذلك الركن المفقود، وتوجب عليّ أن أستقر في قرية على حدود القرية المقصودة لأن لا مكان لي للإقامة فيها.
سنُطلق على القرية التي قضيت فيها الليلة اسم ثانخون. أثناء ما كنت أملأ استمارة الإقامة في فندق جارّامينديا كتبت في خانة المهنة: بائع متجول. وبينما يؤرخ موظف الاستقبال الاستمارة ويُرقِمها تمتم قائلًا:
ـ ليلة مشؤومة.
انزعجت ورددت باستياء حقيقي:
ـ لماذا؟
ـ آه.. ألا تعرف؟
ثم سرد عليّ حكاية أقرب للهراء منها للقيمة: أحد الوعاظ في كنيسة نائية أعلن أنه خلال هذا اليوم لن يوجد رب في ثانخون. لم يُنكر وجود الرب في باقي الكون، فقط في ثانخون، وبحسابات كونية (يسمونها لوغاريتمات في هذه الأيام) سيمتنع الرب عن التواجد لمدة أربع وعشرين ساعة.
ولسبب ما انتشر الخبر بين فئة قليلة من السكان، من بينها موظف الاستقبال. هرب بعض سكان ثانخون إلى قرية مجاورة، لاجئين في منازل أقربائهم أو زوجاتهم اللائي يزوروهن من آن لآخر. ووصلت أنا إلى الفندق في الليلة السابقة ليوم تحقق تلك النبؤة السرية.
رقدت في الفراش أفكر هل هناك علاقة بين الإطارات التي أبيعها والقصص التي أكتبها، وهي فكرة رافقتني طوال رحلتي في الشاحنة.
وفي اليوم التالي لاحظت زبائن يبدون كزبائن دائمين قد حضروا لتناول الإفطار في مطعهم الفندق. يتحاورون بصوتٍ هادئ وتكسو ملامحهم الحيرة. مهما كان يعني ذلك، بدا عليهم أنهم ذوو إيمان راسخ، إلا أن أحدهم أقنعهم في ذلك اليوم بأن الرب موجود منذ الأزل في كل مكان ماعدا هذا اليوم في تلك القرية. رُهِنت إقامتي في تلك القرية بموافقة المشتري على الإطارات بعد فحص المائة كلها وتثبيت اللوحات القماشية عليها.
ذهبت في منتصف اليوم إلى حانوت لاس بيجونياس لأشتري مائة جرام من الجبن فسألني مالكه إن بقي عندي أي إطار. أخبرته أنني أنقل الإطارات التي اتُفق على شرائها مسبقًا فقط. أعطاني الجبن بسعرٍ زهيد وعرض عليّ لوحة مرسومة بألوان الماء، من الواضح إنه من رسمها. عرضت اللوحة منظرًا طبيعيًا تجريديًا، لكنه بدا لي كشئ فوضوي: محاولة رجلٍ مجنون لفرض شيء ما على المتفرج، بينما اللوحة في الحقيقة لا ترقى لأن تكون مجرد مسودة.
– وما الذي يفعله شاب حضري، ربما لازال طفلًا، في تلك المدينة التي سقطت من يد الرب؟
سألني مُشددًا على التعبير الأخير.
– أعمل.
– هل أنهيت دراستك الثانوية؟
– بالطبع – ثم أضفت لسبب لا أعرفه- وأنا أكتب القصص أيضًا.
ربما قلت ذلك لأنه رغم أن لوحته المائية عبارة عن هراء لكني شعرت بالقرب من هذا التجمع العشوائي.
– في تلك اللوحة أريد أن أعرض المسافة التي بيني وبين زوجتي، تزوجنا منذ سبعة عشر عامًا، لكنها سرعان ما ذهبت لتعيش عند أقاربها في القرية المجاورة. تم زفافنا في الكنيسة، في حضور الرب، لكن زواجنا لم يكتمل قط. لم أقترب من امرأة أخرى، لكن اليوم، وبما أن الرب غير موجود، يمكنني أن أنهي كل شيء.
– تُنهي زواجك؟
أومأ الرجل برأسه أن نعم.
– هل يمكنن أن أطلب إطارًا لتلك اللوحة؟
هززت رأسي نفيًا وقلت له بحكمة شخص راشد:
– لن نأتي كل تلك المسافة حتى هنا من أجل إطار واحد.
أصر:
– أريد أن أعرض لوحتي في المتحف (في إشارة إلى معرض مشتري الإطارات) لتراها زوجتي.
غادرت الحانوت دون أن أعقب على تلك الرغبة.
أثناء عودتي إلى جارّامينديا (المسافة حوالي ثلاث مربعات سكنية، لكنها ستطول بالنسبة لمتسكع غريب مثلي) مررت بامرأتين لم أميز عمريهما تخرجان من سوقٍ صغير وتهرولان نحو ما يمكن أن تكون منزليهما وكان مبارزة ما ستحدث في الشارع الفارغ، لكن هدوء المنطقة لم يتعكر.
أغلقت غرفتي عليّ وقررت مراجعة وتصحيح واحدة من قصصي، واكتشفت أنني لم أقم بتصحيح قصة بهذه المثابرة من قبل. لقد خلق الرب العالم في ستة أيام، لكنه لم يراجعه ويصححه قط، ومن هنا جائت محنة البشرية حتى في الأماكن النائية. يجب أن أكون مسؤولا عمّا أخلق وأصقله حتى يصير مناسبًا. أردتُ أن أكتب قصة عمّا أشاهده أثناء عيشي في تلك البقعة، لكني اكتشفتُ حديثًا أن تلك القصة لم تُكتب إلا بعد أربعين عامًا تقريبًا، وبقيت أصححها منذ تلك اللحظة وحتى نُشِرت.
انتهى اليوم الذي بدون رب مثل أي يومٍ آخر. لم أثق يومًا في أن الشمس ستُشِرق، فكل شروق هو ضربة حظ.
مررتُ بالمشتري الذي دعاني إلى المتحف. كانت الإطارات ملائمة. وفي ذلك الأسبوع تم عرض صورًا تنتمي لثقافة الجاوتشو (السكان الأصليين).
قال لي:
– اليوم سيعج المعرض بالرواد. ذلك لا يُصدق.. أخافهم الواعظ وأتوا إلى هنا منذ برهة! إلا إذا كان كل ذلك خدعة لملء القاعة!
لذلك الرجل وجه مُخادع بعض الشيء، ووجه آخر يبدو فقيرًا.. مزيج شرير تمامًا.
ثم أتبع:
– أتت امرأة من ثانخون إلى هنا منذ برهة، وكانت على وشك العودة إلا أنها قالت: لا أذهب إلى أي مكانٍ دون الرب.
وأشار بيده إشارة فاسقة مضيفًا:
– ذلك لحسن الحظ.
تبقى لي فقط أن أعود إلى جارّامينديا لألملم أشيائي وأذهب لاستقلال الميكروباص التي راجعت جدول رحلاتها من قبل. مررتُ بحانوت لاس بيجونياس لأشتري زاد السفر: مائة جرام أخرى من الجبن وبيضة مسلوقة وخبز.
قال البائع:
– لم يحدث شئ.
– ماذا؟
– ظننتُ أن كل شيء يمكن أن ينتهي. لكن لم يحدث. لازلت أنتظرها.
بينما أنا في طريق العودة تأملت في تلك الألغاز الكونية، لكل لغزٍ حبكته الخاصة، تلك الألغاز موجودة من قبل فكرة وجود الرب نفسها، وستظل موجودة حتى تُزال الشكوك حول سلطته وقدراته.
أنا أؤمن بالوصايا العشر، مثلها مثل تلك الألغاز الكونية الغامضة التي تُنظم استمرار النوع، ولن تختفي حتى يترك آخرنا سطح هذا الكوكب. ستصبح تلك الأشياء إرثًا شبحيًا للفوضى والعدم مثل تلك القرية التي تركها الرب ليوم واحد، ثم عاد وتركها للأبد.

مقالات من نفس القسم