– مولاى، اسمح لى أن أوضح أمرًا قد لا يغيب عن فطنة الوزير المبجل، وهى أن الخادمات لهن أجر وإن كان الأجر ضئيلًا، ويمكن للخادمة أن تدخر جنيهًا أو اثنين، كما أن الخادمات يحصلن على فساتين سيداتهن التى تستغنى عنها أو تملها السيدة الشابة، صحيح أن هذه الملابس أحيانًا ما تكون غير مسايرة لخطوط الموضة فى ملابس حفلات الكوكتيل والسهرة، لكن لا يستطيع أحد أن ينكر حق من ترتديها فى حضور حفل راقص أو حتى ملكى.. أما درجة الرقى والأناقة، فيمكن التغاضى عنها عند الحديث عن المساواة وتلاقى قوى الشعب. لكن ماذا عمن ليس لديها عمل وتقوم برعاية والديها وأشقائها دون أن يكون لها أجر؟! ماذا عمن لا يعرفن كلمة ادخار لأن الرزق الذى يأتى لا يشبع الأفواه الجائعة؟!
شعرت سندريلا أنها تمتلك طاقة وقدرة على الكلام لم تكن لها من قبل، وأحست أن كثيرًا من الثوابت قابلة للتحول. قبل الإعلان عن حفل الأمير بأسابيع قليلة، قرأت سندريلا إعلانًا عن الأعمال الكاملة لفرانز كافكا، قد يظن الكثيرون أن سندريلا كانت معدمة تمامًا، وهذا التصور يجانبه كثير من الصواب، فلم تكن «محفظة» سندريلا التى تضعها على «الكوميدينو» بجوار سريرها تخلو من النقود، ليس لأن سندريلا التى كان سكان قصر أبيها يعاملونها على أنها خادمة، كانت تحصل على أجر ككل الخادمات فى نهاية الأسبوع، فسندريلا كعدد كبير من الخادمات فى بيوتهن لم يكن لهن أجر معلوم ومحدد يمكن أن يسجل فى حسابات الضرائب أو يضاف لنسب الناتج القومى، لكن مصدر الجنيهات القليلة لسندريلا كان يأتيها من إيراد بيت ورثته عن أمها كان يؤجر بمبلغ سنوى صغير، وقد حرص محامى الوالدة على ضمانة وصول الجنيهات إلى يد السندريلا بعيدًا عن عينى وأنف زوجة أبيها، وعندما كان أحد من أصدقاء والد سندريلا يزور القصر كى يواسى الأرملة أو يطمئن على عائلة صديقه المتوفى، وبينما تقدم له السندريلا الشاى كان يضع فى يدها ورقة من النقود خلسة.
استكملت سندريلا ملاحظاتها ووجهت تساؤلها مباشرة للوزير:
– هل وفرت حكومة جلالة الملك وسيلة نقل مناسبة لكل الفتيات.. كيف يتوقع وزيرنا الأكبر أن تحضر الفتيات المقيمات فى ضواحى المدينة وفى الأرياف.. أم يتركهن يركبن الميكروباص أو التوك توك؟
كان الغضب قد بلغ من الوزير مبلغه، فصاح: سيدتى الأميرة المستقبلية.. الميكروباص والتوك توك هذه الحشرات المعدنية لا تستطيع أن تقترب من العاصمة الإدارية الجديدة.
التقطت سندريلا الخيط..
– حتى خطوط النقل العام، الأتوبيسات، المينى باص، المترو، لا تصل للعاصمة الجديدة.
لم يفهم الوزير ما ترمى إليه سندريلا، وخيّل إليه أنها تلف الحبل حول رقبتها لتشنق نفسها، ماذا تريد هذه البلهاء؟! هل تريد إعادة الحفل؟ الخاسر دائمًا من يشكك فى إجراءات وضوابط المسابقة، فما بالها وهى الفائزة تشكك فى ضمانات سلامة النتائج؟.
أربكت الابتسامة الغامضة، التى أضاءت فى عينى الوزير سندريلا وانتبهت.. إلى أين سيصل بها تفكيرها؟.. لكنها لم تستطع الصمت، أكملت وكأنها ليست طرفًا فى الأمر:
– كيف يضمن وزيرنا، وهو المسئول عن تنظيم هذا الحفل الملكى الذى يعتبر ركيزة أساسية فى أحداث عالم الأساطير، أن هذا الحفل كان متاحًا لكل الفتيات، وأن الانتخابات أتاحت لجميع المرشحات أن يقدمن برنامجهن الانتخابى.
كان الملك يتابع مشاكسات سندريلا ووزيره الأول، بل إنه كان يشجع كلا الطرفين بإماءة هنا، ونظرة استحسان هناك.. فحتى تلك اللحظة لم تكن سندريلا قد أصبحت رسميًا عضوًا فى العائلة المالكة، ومن ثَم فما يراه الملك لم يكن أكثر من صراع ديوك، تسلية تتم بمباركة الملك.. فلتتراقص حبات الكستناء على الفحم الملتهب، ولكن مستقرها فى النهاية سيكون فى معى الملك.