يسري نصر الله مخرج يؤمن ان للسينما فعل الرصاص لهذا فهو دائما يقاتل الكثير من آفاتنا بأفلام تنتمي الينا قبل ان تنتمي اليه ورغم انه قدم ملحمة سينمائية عن تاريخ القضية الفلسطينية في فيلم ” باب الشمس ” الذي اخفي فيه القطعة الحرة الباقية من فلسطين الا انه اتهم بالتطبيع مع العدو الصهيوني لمشاركته بفيلمه الأخير ” احكي يا شهرزاد ” في مهرجان تورنتو السينمائي الذي اقام تظاهرة للاحتفال بمدينة تل أبيب وهو الأمر الذي أثير قبل سفره للمهرجان ولكن نصر الله أصر علي المشاركة مما اثار الكثير من الجدل والعديد من الأسئلة التي يجيب عنها يسري نصر الله في هذا الحوار
* مشاركة فيلم احكي يا شهرزاد في مهرجان تورنتو اثارت جدلا يحتاج إلي توضيح فهل كانت المشاركة نوعا من التطبيع كما يزعم البعض أم تحد للهيمنة الإسرائيلية علي مهرجانات السينما العالمية؟
– قبل الحديث عن المشاركة في مهرجان تورنتو يجب ان نوضح السبب وراء هذه المشاركة فالمهرجان السينمائي الكبير أقام احتفالية بمدينة تل أبيب ضمن إحدى وعشرين احتفالية وتظاهرة تضمنها وقد قررت الذهاب الي كندا لمحاربة هذه الاحتفالية وتخريبها ونجحت في هذا مع المخرج الفلسطيني ايليا سليمان الذي تعرض لهجوم مماثل وانتقادات لا لشيء الا لكونه من عرب 48 واعتقد ان النتيجة النهائية كانت في صالحنا لا في صالح اسرائيل لأننا لم نذهب لنبارك الاحتفالية ولكن ذهبنا لكشف الوجه الاكثر قبحا لإسرائيل وانتصرنا في معركة تورنتو
* وكيف قمتم بتخريب احتفالية اسرائيل بمئوية تل ابيب في مهرجان تورنتو؟
– كان هناك اتفاق مسبق مع المخرج ايليا سليمان علي عدم ترك ساحة المهرجانات السينمائية لاسرائيل التي تبث سمومها من خلال أفلام موجهة تعمل علي تزييف الحقيقة وإظهار إسرائيل مبرأة من كل خطأ وهو ما قمنا به بالفعل من خلال اقامة مؤتمر ضخم للتضامن مع فلسطين شاركنا فيه وحاول الوفد الاسرائيلي التدخل لتخريبه ولكنهم فشلوا في ذلك بعد حضور نحو ستمائة من المثقفين والسينمائيين والشخصيات العامة وتضامنهم مع فلسطين ضد عنصرية إسرائيل وهو ما دفع الوفد الإسرائيلي لإقامة مظاهرة أمام مقر المؤتمر للتشويش علي ما طرح من أراء لم تكن في صالح إسرائيل واتهمتنا سيدة إسرائيلية بمعاداة السامية وعدم التعامل مع قضية فلسطين بنفس المنظور الذي يتعامل به العالم مع قضية الهنود الحمر او مع التفرقة العنصرية بين البيض والسود في امريكا وكان ردنا ان هذا كان يحدث منذ ثلاثة قرون وتم الاعتذار عنه وانتهت عنصرية الدولة ولكن ونحن نتحدث الان هناك ارواح تزهق وبيوت تهدم وشعب يباد علي ارض فلسطين وهناك تجاهل لكل المواثيق والاعراف والقوانين الدولية
* ولكن ما يقال الان هو كيف نكون أصحاب قضية ونشارك في مهرجان بعد ان طالبت اصوات غربية بمقاطعته لاحتفاله بعاصمة اسرائيل؟
– لم تكن هناك اي عريضة تطالب بمقاطعة المهرجان ولكن ما نشر كان خطأ في تفسير العريضة التي اعلن عنها يوم 29 أغسطس ووقعت عليها في اليوم التالي وكانت تتضمن اعتراضا علي الاحتفال بمدينة تل ابيب ومطالبة المهرجان بالغاء هذه الاحتفالية ولم يكن فيها أي إشارة لمقاطعة المهرجان وأنا امتلك العديد من المخاطبات التي تثبت ذلك كما ان الفلسطينيين طالبونا بالذهاب إلي تورنتو
* وكيف تفسر الهجوم عليك إذا كان موقفك من التطبيع ثابتا ولماذا لم تعلن خطتك قبل الذهاب الي تورنتو ؟
– الهجوم يعبر عن فهم خاطئ للموضوع وقد أعلنت موقفي في البداية بالإضافة للمخرج احمد عبد الله الذي كان من المقرر ان يشارك بفيلم ” هليوبوليس ” واكدت انني لن اترك المهرجان لاسرائيل وهو ما قمت به بالفعل ولكن احمد عبد الله لم يسافر لان منتج الفيلم قام بسحبه من المهرجان ولكني نجحت مع ايليا سليمان في ايقاف عملية تجميل وجه اسرائيل بمطالبة المهرجان بالكشف عن مصدر تمويل تظاهرة تل ابيب وبعد محاولات انكار عديدة تم الاعتراف بان التظاهرة مدفوعة الاجر وان اسرائيل هي مصدر تمويل الاحتفالية باعتراف عمدة تل ابيب نفسه وبهذا اظهرنا الدمامل الخبيثة في الوجه الصهيوني الذي يسعي لخداع العالم
* ولكن اللوبي الصهيوني قوي للغاية بدليل اسقاطه لوزير الثقافة في انتخابات اليونسكو فهل تعتقد ان مقارعة اسرائيل في المحافل الدولية قد تجدي نفعاً؟
– يجب ان نعلم اننا أصبحنا الطرف الاقوي في الصراع ويمكننا الهجوم باستخدام الأسلحة الثقافية لاننا نمتلكها ويجب ان نقول للعالم أننا أصحاب فن وثقافة لا أصحاب قنابل وقد شاركنا في مهرجان تورنتو وانتصرنا في المعركة التي اخترنا دخولها وقبلها شاركت ثلاثة افلام مصرية دفعة واحدة في مهرجان فينسيا ونحن نمتلك هذا العام احد عشر فيلما تستطيع المنافسة في المهرجانات الدولية فلماذا نترك الساحة لإسرائيل واسقاط فاروق حسني يعني ان اسرائيل خائفة ويجب ان نعمل علي زيادة هذا الخوف من المد الثقافي العربي لا ان نستكين ونستسلم
* وما رأيك في نتائج انتخابات منظمة اليونسكو وخسارة فاروق حسني؟
– انا سعيد بدخول فاروق حسني انتخابات اليونسكو رغم عدم حصوله علي المنصب لانه امتلك شجاعة المواجهة ولم يجلس في بيته بحجة ان اللوبي الصهيوني سيطيح به والتجربة التي خاضها كانت مهمة لمصر لأنها كشفت عن أهمية إفريقيا ودولها بالنسبة لنا وقد قرأت كافة التحفظات علي فاروق حسني ولا اعتقد انه معادٍ للسامية ولكن اري انه يتعامل مع القضية من منظور وطني ولكني لا أوافقه علي تصريحاته بحرق الكتب الاسرائيلية
* اذا تركنا تورنتو وتحدثنا عن فيلم احكى يا شهرزاد والتعاون مع الكاتب وحيد حامد سنجد غرابة فى تأخر هذا التعاون رغم الاعوام الكثيرة التى اكدت على تميزكما ووجودكما جنبا الى جنب فى مجال السينما ؟
ـ وحيد حامد كاتب كبير وموهوب وانا احب افلامه كثيرا وهو ما اتضح فى علاقتى بالنص فى فيلم “احكى يا شهرزاد” وعدم تعاملنا من قبل راجع لضرورة بناء الثقة اولا قبل ان نقدم عملا مشتركا بالاضافة لكونى افضل كتابة افلامى وما لفت نظرى فى سيناريو ” احكى يا شهرزاد” انه لا يقدم شخصياته كضحايا ولكنه يقدم شخصيات قويه تعيد بناء نفسها انسانيا كلما سقطت كما ان السيناريو لا يسير فى خط واحد ولكنه يضم العديد من الخطوط وهو ما يعبر عن الحياة التى يراها البعض بصورة خاطئة معتقدين ان اقرب مسافة بين نقطتين هى الخط المستقيم .
* وهل لهذا التعاون تأثير على ايرادات الشباك التى لا تعترف بها سينما يسرى نصر الله ؟
ـ ليس صحيحا انى اقدم افلاما غير تجارية او منفصله عن شباك التذاكر لان افلام مثل “المدينه” او “باب الشمس” او “مرسيدس” افلام تجارية وما زالت تباع وتحقق ارباح حتى الان وقد يكون العمل فى “احكى يا شهرزاد” مختلفا لانى لاول مره اقدم عملا خارج بيتى وبعيداً عن عائلتى فى شركة افلام مصر العالمية وشعرت فى البداية بهيبه من التعامل مع السوق ولكن التعامل مع وحيد حامد وكامل ابو على اشعرنى انى امتلك عائلة جديدة وهذا النجاح تتويج للتعاون بيننا .
* فيلم احكى يا شهرزاد يقدمك كمخرج ويقدم وحيد حامد كمؤلف فى ثياب جديده على كلا منكما فهل هناك اتفاق مسبق على تحقيق هذا الشكل من خلال الفيلم ؟
ـ اعتقد ان كل فيلم قدمته مختلف عن الفيلم الذى يسبقه او الفيلم الذى يليه لان الفيلم هو الذى يفرض اسلوب اخراجه واذا كان الايقاع يتغير داخل المشهد الواحد فالفنان يتغير من عمل لأخر والشاعرية تأتى من خلال الاحساس بالشخصيات والايقاع وهو ما توفر فى الفيلم ولكن ما استطيع ان اقطع به اننى ووحيد حامد لم نشعر بغربة عن الفيلم ولم اخن وحيد حامد فى تعاملى مع نصه كما لم اخن نفسى وقدمت ما وجهة نظرى بشكل يرضينى دون ان اغير جملة حوار واحدة فى نص وحيد حامد وهو ما فرضته على نفسى لان النص يفتح نفسه امامك ويطرح معانى كثيرة ولم يكن هناك ما يبرر العبث بنص وحيد حامد الذى احترمه كثيرا وقد لا يمكن التعبير عن الحب ولكن هناك دلائل على الحب وهو ما عبرت عنه لوحيد حامد من خلال فيلم “احكى يا شهرزاد”
* يرى البعض ان يسرى نصر الله يخشى العمل مع النجوم لهذا يلجأ كثيرا للوجوه الجديدة فما رأيك فيما هو منسوب اليك ؟
ـ العمل مع الممثل اهم ركن فى صنعة المخرج فالاحساس بالممثل والمشهد والمكان يعبر عن قدرات المخرج خصوصا ادارة الممثل لانه مهم كوسيط ينقل رؤية وفكر المخرج واختيارى للممثلين الذين قدمتهم فى “احكى يا شهرزاد” اخترتهم على هذا الاساس واعتمادى على الوجوه الجديدة فى كثير من الاعمال لا يعنى خوفى من التعامل مع النجوم ولكن الوجوه الجديدة كثيرا ما تفاجئنى واذا كان الممثل لا يمتلك الموهبه او الخيال فلن اعتمد عليه وعلى الرغم من اعتمادى على الوجوه الجديدة الا ان منى زكى كانت اول ترشيح ولكن شخصية حسن الرداد كانت لشخص عمرة خمسين عاما ولكن فى حوار مع مروان حامد لفت نظرى الى ان شخصية الصحفى الانتهازى لا تصلح لشخص فى الخمسين من عمره لانه اذا بلغ هذا هذه السن فمن حقه ان يرشح لرئاسة تحرير جريدته كتدرج طبيعى فى العمل الوظيفى ولكن هناك شباب طموح يحاول الصعود بشتى الطرق وهو ما فتح عينى على طريق جديد اكثر حداثة عن المألوف فى السينما وبالنسبه للممثلات فقد شاهدت ثلاثون ممثلة حتى اختار من بينهم ثلاثة ممثلات .
* ولكن هناك الكثير من مشاهد العنف التى افشى الممثلين كواليسها فهل صحيح انك كنت تجرب المشاهد قبل اداء الممثلين لها ؟
ـ الممثلون كثيراً ما يكونوا خائفين من امور كثيره مثل المكياج الذى كان يضعه عزت ابراهيم الذى قدم شخصية تاجر المخدرات وكان خائفا من تأثير المكياج على بشرته فطلبت من الماكير تجريب المادة المستخدمه على وجهى اولا حتى لا اترك اى اثر للخوف او الدلع كما جربت الجاروف الذى ضربت به رحاب الجمل محمد رمضان خوفا عليه من الاصابه وبالفعل كان فى الجاروف عيوبا وقمنا باصلاحها قبل تنفيذ المشهد وما اقوم به ليس بطولة ولكن تجربة المشهد تفيد المخرج فى دراسة وفهم المشهد وفى مشاهد الاكشن بشكل خاص لا مجال للارتجال ويجب ان يكون المشهد مدروس حرصا على الممثل وفريق العمل .
* وهل ترى ان الهجوم على الفيلم فيه استهداف لشخص منى زكى ام لك ولوحيد حامد ايضا ؟
ـ الهجوم الذى تعرض له الفيلم لا يعبر عن استهداف شخصى ولكنه عداء للفن الذى يراه البعض محرما والاعلام يتعامل مع الامر كخبر لطيف بل ويروج له بشتى الطرق بدلا من اتخاذ موقف حيادى واذا لم يكن هناك الكثير من العداء للمرأة ما كنا قدمنا هذا الفيلم والهجوم على الفيلم يرتبط بانحيازة لقضايا المرأة وهو ما تم تغليفه بالدين لتمرير الاهانات والعداء للفن والاتهامات بالكفر على الانترنت وهو ما يتم الترويج له بترسانة ثقافية ضحلة وجاهلة تتعامل بعنجهية وتسمح لنفسها بالوصايه على المجتمع
* وهل ترى ان النظام يقف وراء هذه الترسانه ؟
ـ وصاية الجهل والتخلف على المجتمع مستمدة من وصاية النظام لانهما يكملا بعضهما البعض وعلى مدى ستين عاما من السمع والطاعه تربى داخل كل شخص رقيب على الاخرين قبل ان يكون رقيبا على نفسه ولكننا نراهن على امور اخرى وارى اننا ربحنا الرهان بعد نجاح الفيلم لاننا لسنا مرضى لنتعامل مع الجمهور كحيوانات نحاول اثارة غرائزها وانا لا احب فى السينما التعالى على المتفرج او التعامل معه كطفل متخلف ذهنيا ولكننا نتعامل مع الانسان ونحاول تأكيد انه بنى ادم قبل ان يكون رقيبا فالانسان اقوى من الرقابة والسلطة الذكورية التى لا ارى ان الفيلم اظهرها فى صورة القاهر والمقهور فشخصية حسن الرداد خائفه طوال الوقت وشخصية حسين الامام مقهورة بعقليتها المحدودة فمن يقهر الاخر شخص خائف جدا من فقد السلطة ومحاولات ممارسة القهر على الاخرين محاوله للحفاظ على السلطة والمجتمع يربى الرجل على انه متحكم ومتسلط وهذه هى نقطة ضعفه ومقتله الحقيقى لان هذا الهاجس يشعره دائما بالرعب من فقد هذه السلطة فيفقدة هذا الرعب من يحب نتيجة ممارساته اللا انسانية وتاريخ كل الانظمة الدكتاتورية يؤكد ان قيام هذه الانظمة كان على اساس من حب الناس لها ولكنها انتهت كأنظمة بوليسية وفقدت شرعيتها بفقدها لحب الناس
وكيف ترى واقع المرأة فى المجتمع المصرى وهل هناك ثمة تغير قد يحدث من وجهة نظرك ؟
ـ الواقع يؤكد انك تعيش فى مجتمع فيه اكثر من 70% من النساء تعول اسرها وهو ما يجب ان يترتب عليه تغير فى قوانين العلاقه بين الرجل والمرأة واعتبارها كشريك لا كعاله عليه كما ان منظومة القيم يجب ان تتغير للحد من موجة العنف الموجودة فى المجتمع لان العنف الاسرى ارتفعت حدته وحالة القلق من العشوائيات التى نعيشها وحالة قلق الاغنياء من الفقراء بدأت الافلام تعكسها وكثيرا اموت من الضحك لاننا نسمع منذ ثلاثين عاما عن ليبراليه اقتصادية ولكننا لم نطبقها يوما ما والان بعد معاناة امريكا فى الازمة العالمية علينا ان نفكر فى طرق اخرى لنلحق بما فقدناه ولا نبقى فى المؤخرة والعنف انعكاس لما يحدث فى مصر وقد شاهدت افلاما مثل ابراهيم الابيض والفرح واعجبانى ولكن هناك اشياء فيهما اقلقتنى جداً لان هناك مراره شديدة وعدم قدرة على الفرح وانا ضد اعتبار ابراهيم الابيض فيلم دموى لان فيلمى به دماء اكثر منه واهمية هذا الفيلم انه لا يتعامل مع العشوائيات بنظرة متعالية ويقدم دلالات اجتماعية من الواقع .