يركل جرح الاستبداد بـ”حذاء فلليني” ويدميه من جديد

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 82
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ميساء الشيخ حسين

أن تجد نفسك مقيدا في افعوانية ضخمة، تتحرك صعود وهبوطا، بسرعة تارة وببطء مريب مرة اخرى، ذلك شبيه تماما بما سيحصل لك عندما تكون سوريا يقرأ رواية وحيد طويلة “حذاء فللييني”.

عندما تكون سوريا, فإنك مع الجمل الأولى التي تقرؤها من الرواية، تنغمس بقسوة في عوالم تظن أنك قد تركتها خلفك، تعتقد انك قد نجوت بمغادرتك الحدود.. ولكن حوارات مطيع(بطل الرواية) تجرجرك الى الزوايا المظلمة في الذاكرة، وتطلق في أذنيك أصواتا ظننت أنك قد نسيتها أو أنها صمتت للأبد، تنفضك حواراته حتى النخاع، وتخرج خبايا نفسك وآلامك التي دفنتها بعناية.

ثنائية الجلاد والضحية التي كانت العمود الفقري للرواية لم تكن مقتصرة على بلد بعينه او فترة سياسية محددة، وبحسب الرواية فإنها السمة الاساسية لكل البلاد التي ترزح تحت الحكم العسكري، ولكن وحيد طويلة لعبارات سورية شائعة ارتبطت بشكل السياسة الداخلية في العقود الاخيرة، بالاضافة الى ظهور ملامح سوريا في المكان والاحداث ووصف الاشخاص جعل سوريا مكان احداث الرواية على الرغم من تشابه الاجواء مع تونس وغيرها في بعض الاحيان.

الحدث الرئيسي في الرواية كان وصول الجلاد محطما ملتوي العنق الى عيادة احد ضحاياه ليصبح تحت رحمته، في مشهدية تحاكي اسلوب فللييني تقديم الحدث بشكل سوريالي، وطبعا ولا يحصل ما نتمناه ونتوقعه بالعادة في موقف كهذا ،للتشفي من الاستبداد الجاثم على حياتنا، بل يبقى الجلاد جلادا رغم عجزه، ويبقى الضحية ضحية رغم امتلاكه امكانية اتخاذ القرار ، يبقى ممسوسا بمحاولة الترفع عن الانتقام بطريقة مذهلة، ويظل يدور في فلك التسامح والترفع بشكل صادم ، ويصارع الرغبة الطاغية بالانتقام بحوارات واستعارات جوفاء … ويتحول الامر الى لعبة مؤلمة: بين ضحية ناجية تحمل تشوهات في الروح والجسد والصوت ، تتحرك برغبة الانتقام ويكبحها الخوف والضعف من طرف ، وبين جلاد فاقد لكل القوة والسلطة ، مستلق على مساحة محدده لا يملك من كيانه السابق الا الصلف والتكبر

تلك الثنائية، الجلاد والضحية، يعرضها وحيد طويلة بسياق يهزك من الداخل ليذكرك بأنك انت نفسك ضحية حقاً، وأنه لم يتح لك أن تمتلك وقوفا أمام جلادك لتختار أن تعاقبه أو تتركه، ولتذكرك أيضاً انك لم تفكر في إعداد نفسك لهذه اللحظة.

يقدم وحيد طويلة روايته في سخرية مؤلمة، يسخر من الم الضحية ومن انكسار الجلاد، ويسخر من بؤس المنظومة العسكرية التي تحول المنخرطين فيها الى جلادين عنينين ولاعقي احذية للرتب الاعلى ، يحكمون شعوبا صاغرة، غارقة في الخوف والذل، تقدم الشكر والتبجيل، لآلهة عسكرية من ذوي الكعوب العالية ، ويتفرع المشهد ليضيء على الصراعات الجانبية في مجتمع تلك الالهة تقدم فيها النساء والاعراض قرابين في محاريب الاستبداد.

لماذا سوريا؟ ربما لأنها المثال الحي الذي مازال طازجاً، في نظر الكاتب المبدع، على ما أراده من تشريح لحالة الطغيان للسلطة والانتهاك الساحق للانسان تحت الكعوب العالية.

أو ربما لأن الكاتب يعشق الشام وغوطتها وبيوتها العتيقة وحواريها العابقة بالحب والأسرار، يراها وردة غضة تعرضت للاغتصاب أمام أعين الجميع دون أن تمتد إليها أي يد من أيدي عشاقها بالحماية، كما عانت جارة “مطيع” من انتظارها للحب الحقيقي والسند الصادق، فيما هي واقعة في أتون معركة صماء ضارية بينه وبين أبيه

لم تفز بأي منهما، فيما تمتع بها ضباط ورجال أعمال ومتسلقون تافهون مؤقتون.

لم تبرئ الرواية الطغاة الاخرين في الأنظمة المشابهة، حيثما وجد الضحية لابد أن يكون هناك جلاد، أنها تتحدث عن الظلم كدين يعتنقه الطغاة حتى لو كانوا في الصين، ويمارسونه على الضعفاء الذين يحكمونهم.

النساء في الرواية منتهكات وهن الوسيلة التي ينتقم بها الطغاة، ويهدد بها المستبدون، وهن ايضا وسيلة الاحتفال بانتصاراتهم الدموية، وهن ساحة حروبهم الملوثة، انهن مخلوقات بدون اسماء، مفعول بهن ولسن فاعلات ابداً، وحتى ان حسبت احداهن انها تقرراو تفعل فانها تقدم نفسها قربانا جديدا لطاغية آخر.

يأبى وحيد طويلة الا ان يودعنا بلمساته الساخرة، يفتح باباُ من ابواب الحلم ويخرج، ويتركك تتساءل: هل كانت الحكاية حقيقة أم حلما؟

ولا يجيب عليك إلا جرحك الذي عاد ينزف من جديد.

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم