عبد العزيز دياب
اتفقت أريكة تفوح منها رائحة الزمن مع صاحب بيت على تبادل الأدوار: أن تكون الأريكة هي صاحب البيت، ويكون صاحب البيت هو الأريكة بكل فخامتها وخشبها المتين.
بعد دراسة الموقف بكل جوانبه من كلا الطرفين، تم هذا الاتفاق بالحديقة بعد مماحكات كثيرة في ضحى يوم سبت في أواخر فصل الربيع، كان في حضور شجرة زنزلخت وارفة تتمتع بالحكمة بين أشجار الحديقة. الوثيقة التي كَتَبَتْها كانت سردية رائعة تضمن لكل ذي حق حقه، مكثت ترقب الأحداث عن كثب ولم تغادر مكانها.
صاحب البيت كعادته كان خبيثاً، وقفته يحتضن مَجْ الناسكافيه بالشرفة لم تكن بريئة، أو وليدة الصدفة. في اللحظة التي تصدح فيها موسيقي برنامج “كلمتين وبس” يمارس طقساً صباحياً، ينتظره بكل شغف، لمشاهدة مدام “سوسن” الجميلة المشرقة، صديقة زوجته وهي تدلف إلى الحديقة، توغل في فضائها الرحب. بحركة مسرحية تمسح الأريكة بكفها البضة من ورق الشجر والغبار، تحط بجسدها الدافئ الطري، إلى أن تأتى صديقتها، زوجة صاحب البيت، يلتقيان بكل حب بأحضان سخية وقبلات، ضحكات مرحة أكثر سحراً من تغريد البلابل. من حديقة البيت تبدأ الجولة اليومية إلى شوارع وسط البلد، والكافيهات.
تهامست شجرة الزنزلخت مع شجرة الرمان بالحديقة عن نزوات صاحب البيت: طاولة محجوزة باسمه في حانة “الأبيض” بالحي القديم. تهش من يحاول الاقتراب أو الجلوس، كل ليلة له ثلاثة نساء: الأولى بيضاء تفيض حسنا وبهاء ودلعاً، والثانية سمراء شهية هيفاء طيبة الملامح، صاخبة وناعمة ومعطاءة، الثالثة صفراء في قعر عينيها إغراءً وشهوة. كذلك قالت شجرة الزنزلخت هو دنيء لا يشبع من النساء أبدا، بعد أن يخرج من الحانة في الثلث الأخير من الليل يطوف بالحدائق بحثاً عن نساء الليل المتشردات.
قبع صاحب البيت حسب الاتفاق الذي وثّقَته شجرة الزنزلخت في الحديقة على هيئة أريكة تستند إلى جذع شجرة، ينتظر أن تأتى المرأة بكل أنوثتها تلحس كعادتها بلسان أحمر رشيق قرطاس أيس كريم وتحط على أريكته.
انتظرتها أريكته من الثامنة صباحاً إلى الثانية عشرة ظهراً، لحظه السيء لم تأت المرأة الفواحة بالحسن في أول يوم قام فيه بدور أريكة. زوجته كثيرة الشجار، ربما تشاجرت معها، يعرف طباع زوجته، تتشاجر مع ذباب وجهها. خصامها فاجر إذا كانا تخاصما، ربما سافرت المرأة، أو سُجِنَتْ أو حتى ماتت كما تموت النساء الجميلات.
الرجل/الأريكة كانت أريكته تتمتع بإغراء كبير، جاء كلب مشاكس وثلاث قطط حطوا على أريكته، كيف تمضي الأمور؟ بدل أن تحط عليه المرأة بمقعدتها السخية، يحط كلب؟!
تململ الرجل/الأريكة لينفض الكلب، كل محاولاته باءت بالفشل. أضف إلى ذلك أن الكلب كان يحب سماع الحكايات، والقطط كانت تجيد الحكي. لم يبرحوا ظهر الأريكة/الرجل، تبادلت القطط الحكايات. الكلب كان يستمع بشغف ويطلب المزيد، جاءت خادمة خَدُومَة مرهفة الحس كانت تتابع المشهد بكل تفاصيله، بأريحية بالغة وضعت طعاماً أمامهم على الأريكة وكان ذلك شيئاً طيباً.
استاء الرجل/الأريكة، شعر بالندم عندما عَمَلَتها بقصد أو بدون قصد أحدي القطط وبالت على ظهره، كان لبولها رائحة لا تطاق. هذا فيما كانت الأريكة التي صارت صاحب بيت ترمح طولا وعرضاً بالحديقة، تمتعت برشاقة وخفة حقيقية، وفي المساء صعدت إلى شرفة البيت تشارك زوجته رقصة غجرية.
الموسيقي كانت شرسة، مقطوعات من موسيقى الجاز، وموسيقى الروك، وأغاني المهرجانات، ومعزوفات رقصات الزار. الضحكات سخية أيقظت الكلب والقطط الثلاث وانفرطت الحكايات، تململ الرجل/الأريكة، انفجرت نونوات وهوهوات، وصار الضجيج لا يحتمل…
بلغ الندم بالرجل/الأريكة منتهاه، أمضى ما تبقى من الليل يتفاوض بحضور شجرة الزنزلخت أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه مع أريكة اتخذت مكانه.