فى استهلال الكتاب، يتناول علاء خالد أهمية حماية الذاكرة، يقول:”فى فيلم “فهرنهايت 451″ للمخرج الفرنسي فرانسوا تريفو، المأخوذ عن رواية للكاتب الأمريكي راي براديري، يعرض قصة نظام شمولي فى الخمسينيات يقوم بحرق الكتب عند درجة 451، فتتم مقاومة هذا الوضع الحرج، لذاكرة الإنسان المهددة بالإبادة، بأن يقوم أبطال الفيلم بحفظ الكتب المهمة والجميلة من تراث الإنسانية، فى ذاكرتهم الشخصية، يقول علاء خالد:”عندما تنطق أمامي كلمة ذاكرة، أتحسس رأسي بحنان، أتخيل هذا المكان الصغير الذي يحوي كل هذه الذكريات والمذاقات والأحاسيس، هذا المكان المهدد دائما بالنسيان، أو المرض، ولكنه سيظل مكان التأويل المستمر للحياة.وجوه
بهذا الكتاب، يلعب علاء خالد نفس اللعبة، يقدم للإنسانية الذاكرة البديلة للمدينة كما عرفها، وكما عاشها، فالإسكندرية بالنسبة له، كما يقول فى أولي فصول الكتاب، هي المدينة التى يعيش ملتصقاً بها، والتى تعرف عليها بدون وسيط فى البداية، قبل أن يتدخل الأدب، ليكون هو الوسيط الثقافي، الذي بعث المدينة بالنسبة له فى ثوب جديد، يشير علاء خالد إلى أن الأدب يبحث دائما عن فردوس، عن كيان مثالي، ليتماهي مع نظرة مثالية، وهو ما عاشته الإسكندرية فى العشرينيات، والثلاثينيات، والإربعينيات، حيث كانت الفردوس المفقود، الذي مازلنا نبحث عنه حتى الآن. داريل، فورستر، وكفافيس، وأونجاريتي، وإدوار الخراط، كانوا جميعاً من وسعوا فضاء هذا الفردوس، حتى ابتلعنا، على حد وصف “علاء خالد” فى الكتاب، فهؤلاء الأدباء الكبار، هم من صنعوا أسطورة المدينة الموازية، يقول علاء خالد:”أصبح اسم الإسكندرية دليلاً على ثقافة كونية نادرة، ضاعت، مما جعلنا ننظر إلي الإسكندرية بعين أخري، عين عصرها الذهبي.
قارئ الكتاب، لن يجد فحسب فصولاً تروي قصص وسير الأماكن السكندرية، بل سيستمتع أيضاً بفصول كاملة، يقدم فيها علاء خالد، مشاهد من تاريخ مصر، المرتبط بالمدينة، سواء كان التاريخ السياسي، أو الفني، يقول علاء خالد:”عندما تم انتزاع السلطة من يد الإسكندرية بعد ثورة يوليو، والتى وهبها لها محمد علي ،شعر أهلها أن هناك ميراثاً قديما قد فقد، كالأعيان الذين يعيشون على ذكريات الماضي، والذين يشعرون بظلم فى قرارة أنفسهم، وأن المكان أصبح ضيقا على طموحهم، يقول علاء خالد:”فى الثمانينيات والتسعينيات، كان ليل الإسكندرية فقيراً ومظلما، تجلس مع أصدقائك على المقاهي، ولا تعرف مكانا آخر تذهب إليه، كنا أبناء جيل يبحث عن “مكان آخر”، ويقول فى موضع آخر:”نادي السينما فى أتلييه الإسكندرية كان له دور فى بث بعض الحيوية فى هذا الليل الممل، واستضافته مخرجي وممثلي القاهرة لعرض أفلامهم، وهو ما جعل أهلها يشاهدون هؤلاء النجوم عن قرب للمرة الأولي.
يطوف علاء خالد بقارئه فى منطقة وسط البلد، التي يصفها بالمنطقة المقدسة، نظرا لكونها “بعيدة عنا نحن الصغار، وكما أن الطفولة تحاول أن تجاور الرحم الذي خرجت منه، فهي أيضاً تستعذب الغربة والتيه، لتوسع من مكان هذا الرحم، يلفت علاء خالد فى كتابه إلى أن وسط البلد كانت مكان التيه المحسوب، يقول علاء خالد:”وسط البلد المركز الذي تدار فيه رؤوس الأموال عبر الشركات الكثيرة، كما أن الذهاب إليها كان رحلة بمعني الكلمة، بما تحمله الرحلة من انتقال نوعي من أجل البحث عن الشئ الثمين، والنادر فى الناس، أو المعروضات ، أو الأفلام.
ويعقد علاء خالد فى كتابه المقارنات، التى تجعل قارئه يشعر بالآسف على العهد الجميل الغابر، يقول فى موضع آخر:”أتذكر صورة لوالدي رحمه الله، أخذت له فى الأربعينيات، بينما يقف أمام واجهة إحدي المكتبات الأجنبية فى شارع سعد زغلول، وفى يده مجموعة من الكتب الإنجليزية، وعلي عينيه نظارة لها عدسات دائرية، ويرتدي بلدة كاملة، صورة لشاب فى العشرينيات، يريد أن يكون جزءاً أصيلاً من ثقافة المكان، أين هذا المكان الآن، كل عصر يعيش فى ظل عصر غائب عنه، هناك دوما عصر سابق يعيش تحت قشرة هذا العصر، وهناك عالم آخر يختفي تحت أسفلت الشوارع.