وبينهما .. أكثر من حديقة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 26
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

احترت كثيرًا في اختيار المدخل المناسب لهذه المقالة ، فعلى الرغم من أن موضوعها الأساس هو الديوان المشترك (وبيننا حديقة)  للشاعرتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف الصادر في القاهرة ٢٠١٧ عن دار روافد للنشر، إلا أنها لا تهدف إلى قراءة نقدية للديوان بقدر ما تهدف إلى إعادة قراءته بعين أوسع إن صح التعبير، يأتي ذلك الغرض بالأصل كرد فعل تجاه بعض القراءات التي ومن دون اتفاق قامت بحصر الديوان/الحديقة في مفهوم الأمومة والذي أراه حصرًا في غير موضعه ربما حدث لأسباب لها علاقة بتوقيت صدوره وبظروف خارجية أكثر مما هي أصيلة في متن الديوان ، في رأيي أن الأمومة في الديوان على أهميتها إلا أنها استخدمت من قبل الشاعرتان كعتبة أساسية أو كقاعدة انطلاق للاشتباك مع هواجس ومخاوف ومشاهد وإنفعالات أكبر وأوسع من هواجس الأمومة ، ولا أَجِد طريقة أكثر وضوحًا ومباشرةً للتدليل على هذه الفكرة سوى الرجوع إلى الديوان الذي جاء في شكل رسائل متبادلة بالتعاقب بين الشاعرتين ، في إحدى الرسائل من ساره إلى مروه تقول :

الأشياء لا تحدث يا مروة
الزمن يتضاءل حولي
ليشبه بالوناً شهد احتفالات وأفراحا
تشرب من الموسيقى
رقص على أنغام الأغنيات

لكنه الآن ..ملقى في ركن الغرفة
فارغاً تماماً وحيداً يتسول بعض الأحداث ليكون
لينافس الأزمنة الأخرى
زمني
وحيد مقفر
بلا حياة على ضفافه
كنيسة مهجورة
بلا مصلين
الآلهة لا تكون آلهة
إلا إذا عبدناها
كذلك الزمن يامروة
لا يكون زمناً إلا إذا حوى بعض الأحداث
لو سجلت تواريخه
في كراسات الحصص
زمني يا مروة
شيخ بلا ذاكرة
يهرم .. يهرم.. يهرم
ثم يغيب

.

في رسالة أخرى من مروه إلى ساره تقول :

أيهما أقسى الذكرى أم النسيان؟ الخيال الذي يذبح صاحبه
أم الواقع الذي يَئدُهُ على مهل؟

فائض من العفة أم قليلٌ من الخطيئة لتحلية الوقت؟

درويش الطريقة أم عابر بقلبٍ خفيف؟

وحدةٌ أكبر من معرفتك

أم ونس بثقل المحبة؟

غول الوقت أم منجل الموت؟

هول الصدق أم مغبة الكذب؟

تعرفين يا ساره
الحكمة لا تأتي بالإجابات

بل بطوفان من الأسئلة .

لو أن قارئًا ما قرأ أيًّا من الرسالتين السابقتين بعيدًا عن الديوان ، كيف يمكنه الربط بينهما وبين الأمومة أو بمعنى أدق هل يصح خنق نصوص تتفاعل مع العالم والحزن والشيخوخة والزمن والخطيئة ومخاوف التقدم في العمر و…….هل يصح تجاهل كل هذا من أجل رؤية أضيق؟!

بالطبع تعمدت اختيار نصين بعيدين كل البعد عن ذكر الأمومة والديوان ملئ بنصوص كهذه ونصوص أخرى يتم ذكر أو الإشارة للأمومة عرضًا بها ، كما أن بعض النصوص تكون الأمومة بالفعل موضوعها الأساس، هنا يجب التأكيد أن الهدف من المقالة ليس نفي الأمومة كهاجس أو رافد من أهم روافد الكتابة في هذه الحالة بقدر ما هو التأكيد على الاعتراض الأساس هنا وهو حصرها كموضوع وحيد للديوان،

قبل الختام وعملًا بمبدأ (أوصيكم ونفسي) سأحاول سريعًا الإشارة إلى إحدى النقاط التي أراها لافتة في الديوان ، وسأكتفي هنا تجنبًا للإطالة بالحديث عن الاستفادة المتبادلة والتطور الكبير للشاعرتين على مستوى اللغة ، فالديوان الذي وبالمصادفة يعتبر العمل الثالث في مسيرة كل شاعرة ، يسهل لأي متابع للشاعرتين أن يلاحظ كيف حققتا وربما بدون وعي منهما معادلة صعبة ، وأعني هنا بالمعادلة الصعبة أنه يصح القول أن كلًا منهما حافظت على جملتها وطبعها الشعري المميز فيمكنك أن تعرف حتى لو حذفت الاسم من أول النص إن كان هذا النص لمروة أم لسارة رغم هذا يمكنك أيضًا أن تلاحظ بعض التغيرات الإيجابية المتبادلة في لغة كلًا منهما ، بطريقة أخرى يمكن القول أن ساره استفادت من لغة مروة الجزلة وخيالها المميز مثلما استفادت مروة من سلاسة وجرأة اللغة عند سارة

في الأخير بقي أن نقول أن هذه محاولة أولية للتفاعل مع ديوان لم يأخذ حقه بعد في التعاطي معه، فهو إن صح كونه ابنًا للأمومة إلا أن ليس مجهول النسب بل ربما له العديد من الآباء يستحقون الرؤية بعين واسعة.

مقالات من نفس القسم