ورأيت وجهك يعتلي كل الشموس
حجبت وجهي وانكفأت أعاود الترتيل
في السفر القديم
“هل أنت غير عبارة كانت
تجرد جثتي دفء القميص
وراحة الغضب
ردي إلى براءة الزمن القديم
ومزقي ما لم يكن في الطين
من جسدي
وتمهلي
حتى أمل قدومك المكتوب
وانتظري
ووجدتني أتأمل الشمس الغريبة
كأن وجهك، أتأمل الأرض الغيبة كان
وجهك، فاحترقت وردني اللهب
المسافر ألف
كنت عندك
.
ترتيل:
وأنت في الشمس مليكة
وعرشك الأطفال والجوعى
وعرشك الشوارع العتيقة
وعرشك النهر، فمدي النهر بعضا
من دموعك
ارحمي جفافه القدسي
فأنت في الشمس مليكة
تفترشين الكون، لونك الطمي، ولونك
الدماء
وفيك كل ما اشتهيت، ولا دموع
تتسكن العيون
الحزن ملك للجميع
لا شفة تملك الفرحة، لا ابتسامة
في الفرح تضحكين للبكاء
ونهرك الحكيم يحمل الدموع، لا افتراق
بين دفقة الحزن ودفقة السعادة
فعبرك الكل يكون
وعبرك الأشياء تذهب
وعبرك الرب يطل كي يرى الأرض
فما يرى سواك والنهر ينام بين
فخذيك يئن أنه النزف
تنفلق اليذور
ينظرك الرب فيسمع الأنين
لا افتراق بين أنة القتل وأنة الولادة
هل جرحك النهر
أم أنت جرح الأرض، دائم
النزف ودائم الوجود
ينظرك الرب، وينظر النبيون
وتنظر الملائكة
لكنهم لا يحزنون.
.
في موقف القرب:
بكيت إذ رأيتك
فالحرف عاجز، فيكف يخبر عني
ردي إلى وجدك، ردي إلىّ آخر همك
واجعلي قلبك عندي لا عندك
فليس لي منك بد، وحاجتي كلها
عندك
فاطلبي مني الخبز والقيص
فإني أفرح، وجالسيني أسرك
ولا يسرك غيري، وانظري
إلىّ فإني ما أنظر إلا إليك
اسمعي مني
وافهمي عني
وانظريني
تعلمي أني
.
2
الأرض في زمن الجفاف تمد لي
كف السؤال
“عشقتني في المهد، كيف تغادر
الصدر الذي..”
ـ قتالة كل الصدور وخائنة
والبحر يأخذني إليه وينحني..
“الأرض، تفترس الذين تحبهم، فأهرب
إليّ. تعانق الموج السخي، ويشتهي الترحال
وسمعت صرخات الذين عشقتهمفتكسرت
أغصان قلبي وانتبه، وكان موج البحريأخذني ويدفعني إلى أعلى فانطلقت
معانقاً كل النجوم، وحدثتني الشمسس
فاحترقت دموعي كالبروق وأردعت
“قتالة كل الصدور وخائنة”.
.
يا بحر، واجعلني طليقاً، كبلتني الأرض
وانصرفت تعانق كل من ماتوا، وكنت
أشاهد الأجساد تزحف والرءوس تقاربت والأرض تفتح صدرها وتنام
كالأفعي فيزدحم الجميع
نظرت إليّ شهدية فسترت وجهي
كانت تنهنه من عذابات السعادة.
.
وتجسدت يا بحر أزمنة الجفاف بوجهها
قالت: كأنك لم تكن معي فتخجل أن تراني
قلت:الحروف تمردت، وقعدت أبكي
“هل يطالبني الحسين بثأره”
ورأيت دمعاً ساخناً بأتي من الغيم
الذي بللته، فأحاطني وقرأت كل
الطالبين الذين تمردوا
وقرأتُ:
“كل اللغات خؤونة
كل المحاريب الصديقة كذبتنا
كل السيوف توضات حين اللقاء
وسلمتنا”
وأحاطني دمي، وكان يراقص الطمي
المشقق، يعتلي كل الشجيرات الصغيرة.
.
ترتيل:
أيها الدم المسافر
أيها العائد بي من غربة البحر البعيدة
حدث الأنهار عني، واحك لي عنها
وبارك جثتس، إني رأيت الشجر
الظامئ يبكي
أيها الراحل يبني وجذور العشب
في الأرض العتيقة
ظمني للطمي نبتاً يتخلق
ورغفيفاً خالداً
دائم الترحال من حقل إلى بطن خواء
يا دما صار الردي بيني وبينه
كل ما فيك نزيف الشعراء
ولهيب الحرف فاقرأ
تسمع الأرض البعيدة
يعرف النهر
فيصحو.
.
ورأيت حبل مشيمتي يمتد لا أدري لأين
فالبحر يزخر باليتامي..
وأنا يتيم أقرأ الدلتا على كل الخراط
والخرائط ضللتني
والنيل يفرد ثوبه الفضفاض يدعوني إليه
مادا روافده الكليمة
وأنا ألوذ بحجره الأبوي منهزماً
“يا نيل كل مدائن التاريخ ألقتني
بها الأمواج، والمدن الغريبة مزقتني”
لم يعرف البحر الطريق إلى الوطن
لم يقرأ الأحباب في وجه الخرائط
ووجوه من أحببت في الأرض الغريبة
أنكرتني
كنت الحسين ولم تكن لي كربلاء أموتها
والرأس يؤلمني فمن يقصيه عن جسدي
ويحمله على رأس مدببة من الموج
لحوم حول سفائن الأحباب أسألها
هل يعرف الموج الطريق إلى الوطن
هل يقرأ الأحباب في وجه الخرائط
فوجوه من أحببت في الأرض
الغريبة أنكرتني
وتسارعت صوب الديار
وخلفتني
………………….
*نص من ديوان “لا تفارق اسمي” ـ كتاب أصوات ـ 1980