هىء .. هىء ..هاااهاا

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

قصة : محمد حسين بكر *

القابلة علا صراخها مع أنات أمى وهى تخرجنى إلى الدنيا وجف ينبوع الحياة فى الصدر الضعيف وفتكت الحمى بأمى ورفضت أثداء خالاتى وعماتى

وتعوذ الجميع منى لإننى لم أصرخ مثل كل وليد خرج من رحم أمه بل ضحكت

ضحكت هكذا هىء هىء هىء هاها ماتت امى ولم ينبت الفول أسفل صينية الابريق ولم تحمنى أمى

ماتت بعد ليال ثلاث

وبحثوا نعم كل رجال العائلة بحثوا عن لبن لى وبما أن أبى قد بحث كثيرا عن " لبن العصفور " رغم تيقنه من كون العصافير بلا أثداء حتى نصحته القابلة " بلبن الحمير " ؟!

نعم لبن حمير الذى ارتضيته غذاء لى أصاب الوجوم الجميع والحيرة حتى عندما حاولت خالتى ثقب أذنى لتضع فيها فردة حلق ذهبية خشية الحسد تمتم أبى بالسخط

من سيحسد فال الشوؤم هذا

 

أكل أمه !!

قيدنى خالى عند مفتش الصحة

لأن فى يوم سبوعى .. لم يعد أبى يتمتم بل ماات ؟

كان الجميع يأخذون حيطتهم منى عقب معرفتهم بقصتى إلا أبى ” جواد ” كان يستبشر بى خيرا ويردد على الدوام ” إنه شيخ !” ” ولد مبارك “

حتى جاء ذلك اليوم الذى أتمت فيه الرضاعة و ” فطمونى ” على الخبز الاسمر فتقيأت وبكيت ثم أحضروا مرة أخرى ” لبن الحمير ” فاستسغته وضحكت نعم ضحكت هكذا هىء هىء هاها ؟

وكان ذهابى للكتاب لدى الشيخ محمود العشرى

نعم من العشرة والعاشرة وليس من العدد عشرة عرفت الألف والفرق الرهيب بينه وبين كوز الذرة بعد مشقة وتعلمت الهجائية وكانت الحروف تحيرنى كيف تهبط لأسفل ولا تذهب لأعلى فعلمت أن بداخل الحروف ذلا لا أتبينه وعندما بدأت أحفظ الأيات كان الشيخ العشرى يزدرى ملامح وجهى ويجعل الصبية الصغار

يسخرون من خصلات شعرى البنية التى نبتت كذيل حمار بمؤخرة عنقى وكلما رفعت عقيرتى بالفاتحة زجرنى ساخطا إن لأنكر الاصوات ” لصوت الحمير

فأضحك هكذا

هىء هىء هاها.

وأعود الى الطريق المترب مارا بالترعة فألقى حملى من الأسفار التى لا أفقه فيها

شيئا وأخلع جلبابى لأسبح فى الترعة بينما النسوة يرمقوننى عاريا ضاحكات

مذعورا أحيانا

” والله ما عاد بصغار هذا الولد “

فأحدق فى عيونهن التى لا يملؤها غير التراب وأضحك هكذا هىءهىءهاها؟!

لم أكن غبيا كما تظن زوجة خالى نعم لم أكن “شارب من لبن حمير وغبى ” لا كنت أعلم أين تخبىء ” البتاو ” و” المش ” فالتهمة بدوره ولا أهتم بصراخها يا أبى عليك فعلا شارب من لبن بهائم ؟! لم يكن ذلك يؤلمنى بل كان يجلدنى ويؤرقنى

لولا خالى .. الذى كنت أعود له فى المساء لأجلس جانبه على الحصيرة فيداعب الخصلات البنية الواقفة كفرشاة النقاش وأرى الدمع فى عينيه .. كان خالى يعاملنى كحمار.. جحش صغير ” وأنانية ” زوجته دائما تلكزنى وترفسنى بقدمها .. بمنتهى القسوة ؟!

ومما زاد الطين بله ذلك الاسم الغريب الذى اختاره لى خالى ” جواد ” “طولون ” ما معنى هذا ” طولون ” عندما سألته وقد التهيت شفتاى من أكل المش ولسعة الطماطم تؤلمنى

 

ما معنى ” طولون ” والدموع فى عينى تعجب قائلا ” ده مولانا .. يا بهيم .أنت تطول تبقى ” طولون ” بالطبع كلمة بهيم من فم خالى جواد كانت غيرت كلمة بهيم من فم الشيخ العشرى ومن فم خالتى أو زوجة خالى ” دائمة التعب “اختبرت السماء خالى جواد بعدم الانجاب فكنت له بمثابة ولده صحيح أن الخال والد ولولا حرصة على علامى لتركنى الى جوار الحائط الطينى لداره وما أعادنى ثانية للكتاب

مللت من سخرية الصبية والسنتهم السليطة

فكنت أثناء طريقى الى الكتاب اعرج الى الحقول فأجر المحراث وأنقل الحطب مع الفلاحين الذين أحبونى ربما لجهدى الذى يضاهى مجهود الحمير وكانوا يتركون أمامى الاطعمة الفقيرة

ويربتون على كتفى بل يصل الحد بهم الى مداعبة الشعيرات البنية النافرة فى مؤخرة عنقى وكأننى ” حصاوى ” لا إنسان ؟؟ فأكتفى بالضحك هكذا هىء هىءهاها؟!

استحسن الشيخ العشري عدم ذهابي ” للكتاب ” ” شوف له شغلانه يا جواد ده بهيم

حمااااروالله حماااار صغير ” غضب منى خالى لهذا السبب ونمت فى الحظيرة مع الغنم والبط والاوز وحمارته البيضاء ” شقاوة التى لم يصبها الذعر لرؤيتى

فعرفت لأول مرة فى حياتي أروع ليلة فى حياتى مازلت قادرا على سرد ما حدث فيها نعم ليلة رائعة

هىء هىء هاها

كل ما كنت أعلمه عن ” طولون ” أنه مولانا ..؟؟

وعندما حاولت أن أعرف هل معلومات مولانا الشيخ العشرى لا تتعدى هذا أم أنه يفيق فى المعلومات خالى ” جواد ” فيستحق لقب شيخ بحق وحقيقي حتى أخبرني عن ” طولون ” ما أجده مفخرة لى أن أحمل لقب مولانا

” وأين أنت يا بهيم الله فى حقل ” جراوة ” من طولون .. السلطان صاحب المقام والدولة .. أنت حمار .. والله حمار صغير ..!! لا أكثر ولا أقل .. ولو كان فى عصرنا الحالى طولون المعظم لأودعك يا ناس ؟!

أصابنى الملل من الهروب من كتاب الشيخ العشرى

أصابنى الضيق من كلمات السب التى تنطلق مثل البارود من فم زوجة خالى ولم تعد ” شقاوة ” تغدق على بالحنان بعد أن رزقها الله بجحش وعندما شتمتنى زوجة خالى قذفتها بالطوب

وصرخت فيها ” على الأقل الحمير بتخلف ” وصرخت زوجة خالى بينما أنا أرفع جلبابى وأهرول ضاحكا هكذا

هىء هىء هاها ؟!

وأختبأت هناك فى حقول ” الجراوة ” ورأيتها تسير حافية على التراب تعفره وخالى يقول لها :

أما قليل الأدب وحمار صحيح .. حصاوى والله لأعلقه فى الفلكه النهارده

ماتزعليش يا ” محروسة ” بينما أنا أضحك هىء هىء هاها .

فجأة سمعت دوق وسط الحقول

كانوا الغجر .. نعم الغجر .. الذين حذرنى منهم خالى .. ” أتعلم وإلا تبقى نورى

وحرامى من الغجر ” .

نعم كانت المراجيح الحديدية والخيام يدقونها وسط حقول ” جابر اللبان ” وتقدمت نحوهم .. ببطء شديد وجدتنى أحمل معهم وجدتنى أحمل معهم وأعمل معهم ..

لم يؤذوني بل كانوا يعاملونني لأول مرة كإنسان نعم مثلما عاملتني “شقاوة ” حمارة

خالى ” جواد ” البيضاء أثناء تلك الليلة التى حبسونى فيها بالحظيرة لم يعيروا خصلات شعرى البنية النافرة النابتة بمؤخرة عنقى أدنى اهتمام

كانوا يضاحكونني حتى أخذنى النعاس واستيقظت فى الليل على صوت طبل وزمر .وأهالي البلد كلهم فى مولد الغجر

يدقون الطبول وينقرون الدفوف كانت تجلس الى جوار امرأة فى منتصف عمرها

وقد تحصنت بالحنة وكانت تبتسم لى ثم أخذتنى معها وقد خلعت عنى جلبابى البالى وغمزتنى بكوعها فى صدرى عندما رأتنى بعد خلع الجلباب مثلما ولدتنى أمى وتعجبت من فحولتى ووضعت على جسدى العارى عباءة زيتية ووضعت فوق رأسى شيئا يشبه مشنة الدقيق وأخذتنى وسط دائرة من الناس فأخذ أهالى القرية يصفقون تبينت وسط الحضور خالى والشيخ العشرى و” محروسة ” وحتى شقاوة حمارة خالى كانت مربوطة فى غصن شجرة إلى جوار الدكة التى تجلس عليها ” محروسة ” وأخذت المرأة تغنى .

يا قطر الندى

يا قطر الندى .. يا حب خماروية .. وفرحة ” أبن طولون ” طولون .. نعم طولون

سمعت خالى جواد يتمتم وسط الحضور يخلق من الشبه اربعين

فضحكت هكذا هىء هىء هاها.وعندما فك الغجر خيامهم

وسار رحالهم .. كنت أجر العربات معهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتب مصري راحل

مقالات من نفس القسم