هو الآتي من متاهةٍ ، وأنا المُضْمَرُ فيها

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

لماذا تلتئمُ جروحُهُ سريعاً، رغم أن باقي الأعضاء أضعف من قَشَّة؟ جدتي كانت تقول إنهم نسوا في البحر خلاصَ ولادةِ أمي، لهذا تغمضُ عينيها كلما عَدَّت علينا العاصفةُ وترسمُ البيتَ غواصةً ولحمَنَا شِبَاكاً وتُغرِقُ كلَ جرحٍ في قلبِ الحوض ليسمو .. أما أنا فخلاصي دفنوهُ في الصحراءِ .. وكلما قامت الريحُ أو مَرَّت قافلةٌ شردت من تاريخها أو غنى حيوانٌ جارحٌ تنتفضُ أحداقي وينفتحَ الدمُ على العالم .. إلا هو، يَلِفُّ حولَ نفسهِ بعنفٍ، ويأكل أحزانَهُ .. ذلك الذي اهترأ جلدهُ وطارت رقبتهُ من كثرةِ الخنقِ بكفي المتشنجةِ، وامتصت ملامحه كَلاَّباتُ السيدةِ وأسنانُ العانسِ وأظافرُ المراهِقَةِ الملَّونةِ ..،

بالقَنْصِ .....

كلُ يومٍ أظنُهُ ماتَ أو التهمهُ النملُ  لكنهُ يفاجئني  وسطَ الكابوسِ  ويُرَبِّتُ عليَّ  ويبتسم  قائلاً لا تخف    ياصديقي  ليس لنا إلا بعضنا  فكيفَ أتركك يتيماً لا تقدر على صُنْعِ زوايا رطبةٍ و قائمةٍ .. ولا أحداثَ ملتبسةٍ تحيا بها عَبْري .... كان مقتحماً اليوم ... ثعباناً لفَّ حولَ مشاعرِها ...  ذكياً كأنهُ دوامة ٌ.. مسكيناً كأنهُ قرصانٌ خائبٌ ... أو حتى خائفاً طول الجهدِ من الابتلاعِ حتى أنه التفتَ وشهقَ مرتينِ ..... الخ الخ

.. ثم تحكي لنفسكَ ولأصدقائكَ بعدَ الثُمَالةِ ...

أعرفكَ عندما تَشْرُدُ ناظراً أمامكَ ترسمُ مستقبلنا يومَ تصيرُ سميناً فيغطيني الظلُّ دوماً  وعجوزاً تسحب مرونتي من ظِلِّكَ .. وكيف تحاول في نوباتكَ اقتلاعي وكيف ستبكي وتعاتبني وأنا أعودُ أُربِّتُ عليكَ وأبتسمُ مغمغماً لا تخف يا أخي ..

لم يكن لنا إلا بعضنا ..

البراعةُ : أن تعلمني دونَ جرحِ كبرياء .  كانت تَنْبُتُ لهُ أجنحةٌ بعد الهدهدة ِأو يزحف تحت حيطان المعتادين على العواصفِ .... كان ثورياً وكنتُ أزدادُ يقيناً بدوري كمراقبٍ منبهرٍ .. خطفَ مرةً سمكةً من فمِ صقرٍ وأطعمها لقِطَّةِ الطفلِ فيَّ  وبشكيراً من حبلِ غسيلِ أجملِ بناتِ الشارعِ وغَطَّى بها عُرْىِ الصامتينَ وأنا أصفِّقُ جذلاً متجاهلاً كَوْن دوري لم يتعد ترتيبَ وجبةٍ ساخنةٍ لهُ وإسباغَ الغطاءِ على   حوافِهِ ..

.. كي لا يطولهُ الهواءُ الماكرُ

فيخدشَ حنينَهُ ....

صاحبي هذا طيِّبٌ كوالدهِ وجدِّهِ .. هو الوحشُ وأنا الضئيلُ لكنهُ يحبني دون عُقَدٍ وأحسُّ أحياناً أنهُ يخشاني وكلما أفوتُ عليهِ وأَدَّعِي المرضَ أو الغيابَ يجزع بصدقٍ وتزيدُ ضرباتُ قلبهِ مما يجعل الدم يَضطَّربُ في البحيرةِ فأرفع نظري لذكرياتِهِ

وأشرُعُ في إحصاءِ الرَعَشاتِ ...

أحضرتُ كتاباً  ومررتهُ على الصفحات ليشُمَّ الدنيا فكان ينتفض عند عباراتٍ بعَيْنِها ويُغنيِّ عند الصورِ. تَعلَّم حبيبي القراءة وأُغْرم بألبرتو مورافيا وهنري ميللر وباطاي وطلبَ زيارتهم في غرفهم واقترحَ أن تكونَ الكتبُ على شكلِ عمودٍ حوله راياتٍ .. وضحكنا من جهةِ القلبِ .. يُشاهِدُ الأفلامَ ويذوقَ الموسيقى ويتسلى بالقفز بين غُرزِ الشِبَاك ويُعَلِّق صور الأفيالِ في الغرفة وأَحبَّ التاريخَ حقاً ... يرقصُ كلما شافَ كهفاً في عُمْقِ المشهدِ وينتشي كلما دفنوا الجثمانَ .. إذا استسلمتُ للنوم هل سيتسحَّبُ ويلتفُّ حول عُنُقي ؟  لن أغضبهُ بعد اليوم ولن أبني ذاكرةً توازي ذاكرتهُ المُندَّاة .. لن أبتسمَ لأي دغلٍ كثيفٍ إلا إذا هدأت رعدتُهُ .. بهذا أكونُ المخلصَ والمستحقَ الحقيقيَّ،

للدفءِ لَمَّا يَشُقَّنَا ..،

ويلوحُ......

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project