هوية الميثولوجيا والمعتقد الصوفي.. قراءة في رواية فلك الدراويش

فلك الدراويش
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. حسيب عبد الحميد 

رواية فلك الدراويش الصادرة عن دار غراب بمصر، هي نموذج لتأصيل الميثولوجيا؛ وقد بدأها الكاتب بسرد مشهد الولادة كتوثيق لبداية المهد؛ كأنه سيتلو على القارئ السفر الاول للحياة.

الرواية توضح الارتباط بين سردية المخطوط، وتتابع الأجيال لصوت الراوي، يبدأ التشكيل الهرمي في رواية فلك الدراويش، للكاتب المصري محمود حسانين، بفكرة تسلسل الهرم المقلوب، فتبدأ الرواية بطرح تسلسل لتتبع سيرة الجد، ولكن البناء السردي اعتمد بشدة على فكرة الهرم المقلوب، فبدأ الكاتب من القاعدة الواسعة، لعدد الأبناء والأحفاد وصولا لقمة الهرم في أخر الرواية، حيث العودة إلى مسقط رأس العائلة، الرفض لفكرة توريث للميول الفكرية، اعتمد الكاتب على التلاعب الرعوي، تخللت تلك الممارسات متن الرواية، فتشعر تارة بسطوة الفكرة التي تبناها الجد الأكبر كالراعي الأكبر، في حين حاول بعض أبناءه سلك نفس الطريق، ولكن الأب كان يعلم عدم استطاعة هذا الابن للتصدي لهذا الطريق، ولكن الكاتب وضع قول سيدنا الخضر لسيدنا موسى “انك لم تستطع معي صبرا” جعل الكاتب من خلال الراوي العليم والحفيد القارئ لسيرة الجد، فرمات معين يلتقيان في طرح الأفكار، في حين أن الكاتب اعتمد على مخزون الموروث الشعبي والديني في تقوية المراوغة حتى يستطع القارئ المعايشة في الأحداث حتى النخاع.

الموروث بين الماضي والحاضر:

عادات الشعوب تكمن في موروثها الشعبي، ومهما اختلفت من حضارة لأخرى، فلابد من وجود أصل لكل حكاية من حكايات الأقدمين،  ويعلم كل من يدرس فنون الحياة، بأن التراث هو عائلة كل بلد واصل نبته، وان اختلفت مظاهره أو تنوعت شعبيته، ولقد استخدم الكاتب الموروث الشعبي بلغة طيعة، فلم يحمل النص لغة عامية تفقده توازنه، كما استخدم الموروث الديني الصوفي، بلغة جزلة تجذبك بكل حيادية لسبر عوالم وجوانب جديدة في هذا العالم الصوفي، لعب العرض المراوغ  بين الموروث الشعبي والموروث الصوفي، على رسم خريطة واضحة المعالم، ليجذبك الكاتب إلى عوالم تلك الممارسات التي تخص خاصة الخاصة في كل أرض ومكان، وما ذكرنا هو مجاز لبعض التناول للحكايات التي استخدمها الكاتب، وهي بعض أمثلة بسيطة على حبكة الحكايات وقربها من الأسطورة، والتي تعتبر من أهم معطيات التراث التي يحتاجها الإنسان، ليتزود من المعرفة الحضارية التي مضت كالحضارة المصرية القديمة، والتي تعتبر أصل لكل أسطورة تبنتها السرديات الشفاهية في مصر على مر العصور، كما هو الحال مع أسطورة مقتل (ست) (لاوزوريس)، ومن هذا الاستلهام جاءت الحكايات في الرواية وكأنها محاكاة للماضي بكل طقسه، على واقع افتراضي في الحاضر، يتمثل في دفتي الكتاب.

عتبات النص:

بدأت العتبة الأولى في النص، بكون الحفيد يقرأ من مخطوط عثر عليه فجأة، في حين بدأت عتبة الفكرة، بجذب انتباه القارئ إلى نقطة بعث التاريخ، من خلال عنوان ضمني وضعه الكاتب في صدر الرواية “سيرة ومسيرة” ونستطع أن نتبين قوة استحضار التاريخ وقوة سطوة الموروث، حتى وإن كان من خلال سردية لسيرة عائلة ما، نجد الكاتب قد جعل من الرواية أكثر من فصل، وقد جعل من اغلبها عتبات لطرح جديد للموروث الصوفي أو الشعبي، وهذا ما دفع كثير من الكتاب إلى كتابة نصوص عن التاريخ الصوفي ولكنهم غالوا في عرضه، ولكننا في هذه الرواية نجد الكاتب يتناول الموروث الصوفي كما يتناول الموروث الشعبي،  فمن هذا المنطلق نجد الكثير من هذه الموروثات راسخة عند العامة، وبعض الخاصة وهذا ما يؤكده الكاتب، فيؤكد أن الثقافة الشعبية بخصائصها وإنتاجها وبما تحمله مضامينها، قادرة على المعايشة في أي زمن حتى وإن كانت من خلال محاكاة فرضها كاتب على الورق، فبإمكانها أن تثرى الوعي التاريخي للفرد، بما تعطيه من دراسة التاريخ الاجتماعي و الحضاري للمجتمع ككل.

العنوان وبعده الدلالي:

من خلال العنوان “فلك” نستطع استكشاف البعد الدلالي، لفكرة الشحن المتباين للأحداث، حيث سيعرض علينا الكاتب كل ما لا يمكن ان نتخيله في هذا الفلك، ولهذا كان ينتقل بنا م بين سرد اني وسرد متواتر من خلال مخطوط، وبين طرح متخايل لعوالم خفية، “الدراويش” دلالة اكثر وضوحا للمعتقد والموروث الصوفي، ولكن الكاتب جعل من الدراويش، ظهير قوي لفكرة ايدلوجية المعتقدات التي يتوارثها الأبناء والأحفاد، الرواية تطرح فكرة -الوطن- العائلة، بكل ما يتقاطع مع مسيرتهم من مراحل التكوين، حتى وصوله إلى مرحلة ما، هجرة الأبناء طموح بعضهم، الأحفاد وفكرة نسخ سيرة العائلة إلى العديد من الأجيال. 

…………………………………………………..

* كلية التربية_الحمدانية ـ بغداد

 

 

مقالات من نفس القسم