هكذا تكلَّم عبدالله أو الوصايا العـشر

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 عبد الرحمن تمّام 

 

  

واردٌ أن أزيل التراب عن نافذتي هذه الليلة

وأصلي تحت سماء مختونة

ليُفتَح فمي

إذ ربما أصفك كما أراك

دون حاجة لكلام الشعراء المنقوع في أحواض صدري الهَرِم

 

 

 .

واردٌ أن أتسلى

فأقشر أغنية مثلاً

لا لشيء إلا لأدفع عربة الوقت

بينما تغطين في نومكِ على سرير بعيد

أو أرقص حتى أطأ النجوم بقدميّ كالحصى،

وأرى العالم من الأعالي وردةً سوداء، تصّاعد من جنباتها الأدخنة

 

واردٌ أن أترنَّح بين غرف البيت الواسع

باصقاً على كافة الفلاسفة

وخاصةً أولئك الذين ثرثروا بشأن الفائضين: فائض القيمة وفائض المعنى

ثم أردد اسمك الحنّان إلى أن تسقط تفاحة النهار

كل شيء وارد

إذا توسَّد رجل مثلي فخذ امرأة بخِفّة العبير

وتركتـْه بعدها _لقمةً سائغةً_ لظـلال جـارحـة وذكــريــات!

 

**

  

لطالما تلفَّتُ إلى صوتكِ

وهو يعصر عناقيد الأبدية قُدامي بيدين عارفتين

وعينيك اللتين أشعلتا حطب القلب الأخضر فـ (كان ماء)

وشَّعركِ المُنْسَدِل كـأنه ليل بأوتار

أيظل عِطْركِ في حقل روحي نَوْرَجاً،

تجرّه كَمَنْجَتان

ولا أشهق بكِ ـ يا زيتونتي ورغيفي ـ فـــيبيتَ للعالمين فرحٌ وحصاد؟!

 

**

سـأُذكر أنني غفوتُ يوماً في فراشي من دبيب الحمى

ولمّا أفقتُ

وجدتكِ عند رأسي عاريةً وجامحةً مثل حكمة قديمة

ترفعين الأغطية الرثّة

وتمسحين بالغيم المَدْحِيّ، المُلوَّن هذا الجسد الواهن

لِمَ قلتِ ساعتها:

لن أهبك لَوْحَيَّ إلا في نور ساطع

ولِمَ هرعتُ أنا لأُحضر شموساً وأقماراً

كنتُ أُدجّنها خلْسةً مع دجاجات أمي فوق سطح المنزل

أظنني قبل أن أنحرها ـ أي الشموس والأقمار ـ وأنوش اليأس بعصاي

رأيتُ ما لا عينٌ رأت

كانت السُرَّة سماوات من لجج، استرق عبدالله على أبوابها السمع

وطيور ما بين حشيشة البئر والعنق

تغدو بطانا وتعود خماصا!

وأحرف كأنها البروق الآبِدة تتخاصم تارةً عند العرش

و تارةً تتصالح

وغبشة تحت الإبطين يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار

حينئذ تلقيتُ نهديكِ بكلتا يديَّ وقرأتُ:

 

1_ أنا حليلتُك التي أخرجتك من أرض العبودية. لا تكن لك جنّات

من نخيل وأعناب أخرى أمامي لأن حليلتك امرأة غَيور.

2_ اصنع تماثيلَ منحوتة وصوراً وراقبني كيف أتجلى.

3_ لا تنطق باسمي باطلاً.

4_اذكر يوم السابع عشر من أيلول لتُقَدسّه ففيه أريتك المعارج

وكشفت لك عن حقيقة المُلْـكِ ولم يك بيني وبينك حجاب.

5_ أَكْرِمْ أبَاك وأُمُّك لأنهما رَبَّـيـَاك لي.

6_ لا تقتل حَوَاسَّك كي تراني فـذلك جوهر المكابدة.

7_ لا تَـزْنِ بأشباهي لأنك إن فعلت فسوف تقبض آنذاك من الأثر.

8_ اسرق من ملكوتي ما شئت فسرقة العاشق مُناولة.

9_ إياك وشهادة الزور على أعتابي المُسيَّجة بالنارنج واللوتس

فإنها زفرة تورث الندم.

10_ العقل جار القلب فلا تجعل قلبك يشتهي امرأته ولا عبده ولا أمَتَه

ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما له.

 

لماذا إذن

كلما قام عبدالله يدعوكِ ـ أيتها الحمامة في محاجئ الصخر ـ

كادوا يكونون عليه لبدا؟!

 

**

 

هأنذا

أدور في الطرقات والسكك منذ أربعين شَرَكاً،

أفتش عنكِ وأسأل المُجتازين:

هل شُفتم سيدةً مَرَّتْ من هنا

في كفّها حبات توت بَرّيّ

وخلفها تثب الموسيقا قطعاناً كأنها أيائل حمراء؟

ترتدي فستاناً زاهياً

ومن رقبتها تتدلى سلسلة،

يدوزن الشيخ ” إمام” عُوده المنجرح في نهايتها

ويصدح هاشّاً لأفق وَرْدِيّ، عَاتٍ:

(البحر بيضحك ليه)

..

حبيبتي _يا خَلْقُ_ طاهرة كالندى

عذبة كالينابيع

ومشرقة مثل فجر مُدَجَّج بالضوء والأعراس

آهٍ، لو غاض ماؤها وهي بجواري مرةً واحدةً

لدوّنتُ أسفاري ـ وقتئذ ـ واتَّـأدْتُ!

 

**

 

تعالي يا عِزِّي وتُرْسِي

يا مَنْ كان خَصْرك كـــحقول الأيارو

وشفتاك غابتَيْ حليب وعسل مُصَفَّى

يا كاملتي!

فقد تهشَّمت سَوَاقِي الروح من التِّيه ولم يعد جسدي ينام على رجاء

دلّيني.. أية أرض تلك التي وعدتِ بها الآباء والأسلاف؟!

الأرض التي تسع البشر والريح والعصافير والأنهر والأشجار والصحاري

والبحور الصخَّابة، الطَّامة والألف والياء وما بينهما من مدائنَ ومقامات

الأرض التي تشبه حنجرةً خضراءَ لشاعرٍ آنس وحشة الخلود

أتكون هذي؟!

أتكون هذي؟!

 

فـــإلام أقف شائهاً فوق قمة جبل عالٍ

أرقبها بعينين دامعتين،

وحيداً ، بائساً، أعزلَ

 

 

 

ومثل طائر ضرير حاول أن يرتق خرق المدى بجناحيه

أ

س

ق

ط

ـ مَدْحوراً ـ هكذا ولا أغني؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعر مصري
من ديوان “طريق لا يُشبه الترومبيت” يصدر قريبًا عن دار هُنّ

مقالات من نفس القسم

تشكيل
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

بسمة

عارف عبد الرحمن
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

قصائد

فتحي مهذب
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

نصوص