هانى عبد المريد: الرقيب في عالمنا مثله فى “أنا العالم” يحاربنا ويحاول فرد سطوته على خيالنا

الروائي هاني عبد المريد: كيرياليسون ليست دينيَّة ولا تدعو إلى الطائفيَّة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاورته: سمر نور

لا يقف الروائي هانى عبد المريد عند محطة بعينها، طموحه أكبر من تكرار اللعبة ذاتها، المتعة فى تلك المحطات التى لم نخطها من قبل، بعد ثلاث مجموعات قصصية وثلاث روايات، ثبت فيها صاحب "كيرياليسون " قدمه فى عالم الكتابة بقوة، يقودنا إلى تجربة موطىء قدم جديد، فكما بنى عالمه الروائي بين أنقاض عالم الزبالين فى روايته "كيرياليسون"، بكل قبحه ووجعه، مستغلا تجربته حيث عمل فى منطقة يقطنها جامعى القمامة لعدة سنوات، ليطوع شخوصه النابعة من الواقع  لسطوة خياله، أتجه فى روايته الجديدة "أنا العالم" الصادرة عن دار نشر كتب خان إلى صياغة عالم شاب يعيش وحيدا، يكتب القصص، ويحكى عن أساطير عائلته، ويخلط بين الواقع والخيال، واقع تاريخ عائلته وحياته السابقة، وخيال الكتابة التى يمارسها، تحيط به شخصيات بعضها واقعى والآخر خيالى، لا يمكنك الوثوق فى الخط الفاصل بين العالمين، فالشخصيات فى كل الأحوال  يحكمها خيال الكاتب كشخصية روائية داخل العمل "يوسف" والكاتب مؤلف الرواية.

يحكى عبد المريد عن تجربته فى تلك الرواية، ورؤيته حول كتابته قائلا:

أنا في الحقيقة أحب الكتابة التي تمزج الواقع بالخيال، حاولت أن أقدم هذا في "أنا العالم"، أرى أنها كتابة أكثر واقعية من الكتابة التي تعتمد على المنطق، لا بد للرواية أن تخلق منطقها، وأن تقنعني به كقارئ، في روايتى الأخيرة تعاملت ككاتب أكثر خبرة يكتب روايته الثالثة، بعد "عمود رخامي في منتصف الحلبة"، "كيرياليسون"، تعاملت بهدوء أكثر وبنفس أطول، حتى أنني كنت أكتب كشوف خارج الرواية، كشف يحوي ما تحبه ريم "الفتاة التى يحبها البطل"، وكشف يحوى ما تكرهه، كشف يحوى صفاتها، وكنت أعقد جلسات أراها وهى تمشي، أسمع ضحكتها، أتخيل كيف ستكون وهى تأكل وهى تنام، ، كان هناك ما يشبه هذا مع عبد الجليل "الأب"، والجدة... لذلك أقول إن ما لم تضمه الرواية، أكثر بكثير مما سجل بها.

حاورته: سمر نور

لا يقف الروائي هانى عبد المريد عند محطة بعينها، طموحه أكبر من تكرار اللعبة ذاتها، المتعة فى تلك المحطات التى لم نخطها من قبل، بعد ثلاث مجموعات قصصية وثلاث روايات، ثبت فيها صاحب “كيرياليسون ” قدمه فى عالم الكتابة بقوة، يقودنا إلى تجربة موطىء قدم جديد، فكما بنى عالمه الروائي بين أنقاض عالم الزبالين فى روايته “كيرياليسون”، بكل قبحه ووجعه، مستغلا تجربته حيث عمل فى منطقة يقطنها جامعى القمامة لعدة سنوات، ليطوع شخوصه النابعة من الواقع  لسطوة خياله، أتجه فى روايته الجديدة “أنا العالم” الصادرة عن دار نشر كتب خان إلى صياغة عالم شاب يعيش وحيدا، يكتب القصص، ويحكى عن أساطير عائلته، ويخلط بين الواقع والخيال، واقع تاريخ عائلته وحياته السابقة، وخيال الكتابة التى يمارسها، تحيط به شخصيات بعضها واقعى والآخر خيالى، لا يمكنك الوثوق فى الخط الفاصل بين العالمين، فالشخصيات فى كل الأحوال  يحكمها خيال الكاتب كشخصية روائية داخل العمل “يوسف” والكاتب مؤلف الرواية.

يحكى عبد المريد عن تجربته فى تلك الرواية، ورؤيته حول كتابته قائلا:

أنا في الحقيقة أحب الكتابة التي تمزج الواقع بالخيال، حاولت أن أقدم هذا في “أنا العالم”، أرى أنها كتابة أكثر واقعية من الكتابة التي تعتمد على المنطق، لا بد للرواية أن تخلق منطقها، وأن تقنعني به كقارئ، في روايتى الأخيرة تعاملت ككاتب أكثر خبرة يكتب روايته الثالثة، بعد “عمود رخامي في منتصف الحلبة”، “كيرياليسون”، تعاملت بهدوء أكثر وبنفس أطول، حتى أنني كنت أكتب كشوف خارج الرواية، كشف يحوي ما تحبه ريم “الفتاة التى يحبها البطل”، وكشف يحوى ما تكرهه، كشف يحوى صفاتها، وكنت أعقد جلسات أراها وهى تمشي، أسمع ضحكتها، أتخيل كيف ستكون وهى تأكل وهى تنام، ، كان هناك ما يشبه هذا مع عبد الجليل “الأب”، والجدة… لذلك أقول إن ما لم تضمه الرواية، أكثر بكثير مما سجل بها.

– هل يمكن اعتبار “أنا العالم” انسلاخًا عن عالم الواقعية “القذرة”كما عبر البعض عن تناول عالم المهمشين؟ 

أعترف باختلاف “أنا العالم”عن “كيرياليسون”، وبالطبع يسعدني هذا الاختلاف الذي يلمسه القارئ من الوهلة الأولى على كافة المستويات، ولكن بناء رواية “كيرياليسون” قام على  الفانتازيا في الأساس، الولد الوحيد في مكان يلقى له شرابه وطعامه، ولم يتبين لنا حتى آخر الرواية، ما هذا المكان، ولماذا وجد فيه، أشير أيضًا إلى الجنوح للأسطورة فى الجزء الخاص بالطين، والكائنات التي تنشأ فيه، واحتفالهم بيوم الطين… إلى آخره، ما أود التأكيد عليه أننى أضيق بالواقع، وأجنح دومًا تجاه الأسطورة، أو الفانتازيا، فكما في حياتنا نضيق بالواقع وبثقله، أضيق بالواقع أيضًا في الكتابة، وأجنح للخيال.. ملجأي الآمن. الخيال هو نقطة قوة الكاتب، وهو نقطة ضعف الديكتاتور، الذي يخشى الخيال لأنه غير محدد غير واضح المعالم “ملوش مسكه”، رجل الدين المتعصب، و الديكتاتور، كلاهما لديه ثوابت، يستطيع قياسها، الخيال يهدم ما سبق، ويسلبهم معايير تقييمك. الخيال هو ما يجعلك تطير وتجوب كل الأراضي وأنت في محبسك، الخيال داخل تلافيف مخك، لن يستشعره ويستمتع به سواك.

– هل يمكن القول بأن عالم العشوائيات لم يعد مغريا للكتابة كما كان منذ بداية الألفينيات؟ وهل العودة إلى الذات، والتعبير عن وحدة الانسان في العالم، وهى الموضوع الأساسي لكتاب التسعينات، صارت هى الأكثر إلحاحا؟

عالم العشوائيات طوال الوقت مغري بالنسبة لي، وبه الشخصيات الانسانية الأكثر ثراءً، والأجدر للالتفات إليها، والتعبير عنها، وحتمًا سأعود مرة أخرى لهذا العالم، ولكن المهم الطريقة وليس الطريق، أوضح أيضًا أنني حين كتبت “كيرياليسون”، لم أبتعد عن كتابة الذات.

يدخل “الرقيب” إلى النص كشخصية روائية نسجها عبد المريد  فى رواية “أنا العالم” ليفكك منطق الرواية الأسطوري فى كثير من الأحيان، ويضعك أمام الواقع بل ويحيل البطل إلى متهم، كأنه يشرح ما وراء الخيال، وهو مايعلق عليه عبد المريد قائلا:  أتوقف هنا عند الجزء الثاني من الرواية، الذي وصفتيه بأنه الجزء الشارح لأساطير الجزء الأول، بالعكس لم يكن الأمر بهذا الشكل، لم يكن هناك تفسير، لم أصرح مثلا بأن النعناع هو الحشيش، ولم أفسر أو أبرر المشهد الأسطوري لزوجة العم كما تقولين، أنا دومًا في مثل هذه الأمور، كنت أعرض بعض التأويلات، ولكنى أتركك في النهاية دون أي إملاءات، ودون إحقاق حقيقة، الرواية صارت في منطقة البين بين، وتركت للمتلقي اختيار انحيازه، تركت له إكمال ما بها من نقص. لم يكن الرقيب أبدًا من خارج نسيج العمل، بالعكس هو محور رئيسي في الرواية يدور حول الكتابة، والكتابة عن الكتابة، يوسف عبد الجليل فى الأساس كاتب قصة مبتدئ، له طموحاته وتحدياته، حتى أسطورة العائلة تدور منذ البداية حول الكتابة،  ولكن يمكن القول بأنه التسلط والقهر، في مقابل الحرية، شخصية الرقيب هي فتح لباب الفانتازيا وليس الواقع، الرقيب يود محاسبة يوسف، عما أقترفه في حق شخصيات قصته، يود محاسبته على تحكمه في مصائرهم، بالعكس أنا أحببت شخصية الرقيب، أحببته بحركته السريعة المتوترة، طريقة نفثه الهواء في أطراف أصابعه، أراه أعطى حيوية أكبر للرواية.

يبدو العنوان كاشفًا عن طبيعة صراع البطل الذى يسعى فى وحدته إلى إعادة بناء العالم عبر عالم مواز خلقه خياله، وعاش فيه، كأنه حقيقته، وهو ما يتحدث عنه عبد المريد: إعادة بناء العالم، ليس تصوري، أنا أرى إنه تصور الفن، الفن يعيد بناء العالم، الموسيقى والتشكيل والسينما والرواية، كل هذه الفنون تقدم عالما موازيا، يدعونا إلى دخوله، والعيش فيه، وارتضائه كبديل، والرضا بقوانينه حتى النهاية، العالم الموازي موجود في كل ما كتبت، العالم الموازي هو اختياري أنا في الأساس، لأنه بديل الجنون، حين أمسك برواية، أو أستمع لمقطوعة موسيقى، أخلق عالما بديلا أعيشه، “أفصل” تمامًا عن عالمي، لأعود أكثر استعدادًا لتقبله، فى كيرياليسون، كانت جوليا تعمل فى فرز القمامة وفى آخر اليوم تستحم وتتعطر وترتدى عباءتها السوداء وتعيش لحظات، تنفصل فيها عن حقيقتها، وتحلم بالزواج ممن ينتشلها من واقعها، في “أنا العالم” كان الأمر مختلفا لأن بنية الرواية قامت على خلق العالم الموازي، عالم طيع في يد يوسف، عالم يسكنه الكاتب وريم والنعناع والبيت الكبير، والرجل المظلة الذي يحميه، ولكن المفاجأة أنه حتى العالم الذى شيده يوسف، جاء فجأة من يكدر صفوه، وهو ظهور الرقيب، وكأن الرقيب في عالمنا يحاربنا ويحاول فرد سطوته حتى على خيالنا، وعلى العوالم التي نشيدها دخل عقولنا.

عودة إلى الملف

 

 

مقالات من نفس القسم