نُبل المهزوم في نص “كخطأ فادح” للشاعر طارق هاشم

tareq hashem
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

بولص آدم

 “نبل المهزوم: تلاقي الوجدان والمرارة في الشعر العربي الحديث والعالمي”

في الشعر العربي، كما في تجارب عالمية، يبرز ما يمكن تسميته ب “نبل المهزوم”؛ ذلك التقاء المرهف الوجداني بالقسوة المجازية التي تعبر عن هزيمة إنسانية صامتة لكنها عميقة. هذا النمط الشعري، الذي لا يهرب من مأساة الهزيمة، بل يحتضنها، يعكس واقعًا قاسيًا، سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي أو السياسي، ويمنح الهزيمة بعدًا إنسانيًا وجماليًا لا يقلل من قيمتها، بل يرفعها.

نشاهد هذا النبل في شعراء مثل بدر شاكر السياب، الذي رسم بألم وأمل صورة الإنسان بين الحلم والواقع في عراق ممزق، ويأتي مروان ياسين الدليمي ليكمل هذا النهج بحس مرهف يصور الألم الوطني والشخصي عبر صور قاسية لكنها تحمل عمقًا إنسانيًا، كما هو الحال في الكثير من قصائده التي توثق الهزيمة بأسلوب صادق لا يطلب الشفقة، بل التعبير الحقيقي.

على المستوى العالمي، نجد تجليات هذا المزيج في أعمال تي. إس. إليوت في “الأرض الخراب”، حيث الخراب والضعف يعكسان مأساة الإنسان المعاصر بصمت نبيل، وفي شعر سيرجي يسينين الذي جمع بين المرارة والحنان في وداعه لعالم قاس.

هذا الجمع بين المرهف والقاس، والضعف والنبل، يشكل في جوهره ملامح لو جاز لي هُنا توصيفه ب”نبل المهزوم” في الشعر، ويأتي نص “كخطأ فادح” للشاعر طارق هاشم كأحد التجليات المعاصرة البارزة لهذا الأسلوب الشعري الذي يحاكي واقعنا بحذافيره.

 نبل المهزوم في نص “كخطأ فادح”

في هذا النص، تتحول الهزيمة إلى حالة إنسانية صامتة تعبّر عن عجز المحب في عالم تنهشه الرقابة والقهر، حيث لم تعد كلمات الحب كما كانت، بل أصبحت مشحونة بالخوف والاضطهاد:

“كيف لي أن أحبك

كيف لي أن أمرر حروف يدي

حرفًا حرفًا

في مدائن جسمك

دون أن أشعر بالخوف

بالرعشة التي اغتالت مواعيدك”

هذا المشهد الشعري يُجسد قلق الحب في زمن القهر، إذ يصبح التعبير عن العاطفة مخاطرة، واليد التي تمرر الحروف خائفة متوترة، وكأنها تخط خطيئة عظيمة. ثم تتعاظم الصدمة عبر مجازات قاسية تعكس واقع الانكسار:

“كيف يمكنني أن أسحبك إلى أرض قاحلة

وأفردك على الأرض

كرغيف ضائع

خرج من البيت

كي يبحث عن جائع

فأكتشف أن الجوع صار مدينة”

هنا يصبح الجوع ليس فقط احتياجًا جسديًا، بل كيانًا عمرانيًا يتغذى على الإنسان، والصحراء التي تُفرد فيها المحبوبة تعبير عن الفراغ والخذلان والدمار. ويصل النص ذروته في تشبيه الحب بالسرطان:

“هاجمنا الحب يا جميلة

كما يهاجم السرطان فوضى المناعة”

وهذا تصوير صادم، حيث يتحول الحب من ملجأ إلى عدو، من بلسم إلى مرض قاتل. ومع كل هذه القسوة في الصور، ينبض النص بنبل المهزوم الذي يحتضن الهزيمة بكرامة ومرهفة:

“أنا المهزوم يا ليلى

هل فكرت يومًا أن تحبي مهزوما؟”

هذه العبارة تحمل الاعتراف بصمت وفقدان القوة، لكنها تظل تحمل ثقلًا إنسانيًا جميلاً، إذ يطلب الشاعر من محبوبته أن تفهم واقع الهزيمة الذي يعيش فيه، دون لوم أو قسوة. ويتجلى هذا النبل أكثر حين يعترف بعجزه عن حمايتها في عالم محاصر بالبطش:

“فسامحيني

إذا لم آخذك في حضني

فالطائرات تحلق فوق عناقنا

والهزيمة كيد بلا رحمة

تعرف الطريق إلى بيتنا الصغير”

القصيدة هنا ليست فقط قصة حب، بل شهادة إنسانية على عصر قاسٍ يقتل حتى أبسط مشاعر الحنان، ويغتال العناق في سماء يملؤها الخوف.

في ضوء هذا التحليل، يصبح “كخطأ فادح” نصًا عميقًا يحمل نبل الهزيمة، متماهياً مع تجارب شعراء كبار، لكنه يعبر بصدق خاص عن واقعنا المعاصر، في تمازج مثير بين الحلم والقسوة، المرهف والعنيف، الحب والهزيمة.

 

اقرأ أيضاً:

“كخطأ فادح”.. قصيدة لطارق هاشم

كخطأ فادح

مقالات من نفس القسم