نوستالجيا

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

سعد الجبورى

ويذوبُ وجهي دمعة

ومُيَمِمِا صوبَ التفاصيلِ البعيدةِ

للسقوطِ الحرِ

للأموات نثراً

صورةً لحجابِ أمي

وهي تدعو

قبلاتيَ التفعيلة

البيتَ الأخير.. كخيمةٍ للنازحين

وتموتُ في شَفتي القصيدةُ

أرنو

وتلفظني الجريدةَ

تَقيئني الأخبار

صورُ البغاةِ السارقين الله جهراً

لأنهم سرقوا العراق

فكم وليٍّ ..

كم نبيٍّ بعدُ يُقتَل..

كم فقير..

لغيرِ وجهِ الله.. لم يضحك

فَربُّكَ يعشق الضحكاتِ بالطينِ المحوّطِ بالخيام

وربُّك..

يا (محمديَ) الصغير..

يُحبنا

ويُحبُّ أن تبقى فقيرا..

لا تقترب منهم

- فديتك بي أنا -

هم يأكلون لحومَ أطفال بمائدة الأمير

****

هذا إنا

ويذوبُ وجهي

في انعكاسات المرايا والدموع

وتُشرقين

كشهقتي بمواسمِ البردِ اللذيذ

ككوبِ شايٍ

تشرقين

ولا أعود

أموت في الزمنِ الحزين

بكلِّ يومٍ مرتين

وتَعجبين

 - أتُحبها من غير سكر؟

 - قهوتي انت

.. فَيا (عسليّتي..)

تستغربين !؟

*****

هذا أنا..

وأذوبُ كلّي

في انكسار الروح من ضرْبِ الدفوف

هلّا فتحتَ البابَ

يا شيخ الطريقةَ

للجياع؟

هلّا فتحت الباب..

للشمسِ – لو تسمح –

فسمرتي كرهت صباحات الغياب

هلّا فتحت الباب يا شيخي

لربِّكْ..

أدخلهُ قلبَكْ..

لا يصحّ بأنْ يظلَّ الله في المنفى بعيدا

لا يصحّ بانْ يوَقّفهُ زبانيةُ الجحيم على الطريق

- من اين تأتي يا صديق؟

- من العراق؟

- أيّ العراقِ قصدتَ ..

- قصدتُ أني من العراق الكلّ..

- شيعيٌّ إذن؟

- لا

- سنيُ؟

- لا

- صبّي؟

- لا

- نصرانيُ ملعونٌ

- اقول لكم عراااااااااااق

الله..

يا شيخ المشايخ في الحدود..

ادخله قلبكَ..

والعراق..

****

هذا أنا

وأهيم في ملكوتهِ..

ويظلُّ اقربِ من وتين

يطيرُ بي

– في الليل تحديدا –

مع كأسي

ودخاني

الى (الجسرِ العتيق)

ويمنحني جناحاً..

كي تصافحني النوارس

أعودُ طفلاً

أقتني قلماً وممحاةً

لابتزَّ المدارس

أشاركُ الطلاب في صولاتهم بعد الدوام

أغامزُ الفتيات

أشتري من (جاسم البقّال) علكاً نافذَ النعناع

لأخفي عن أبي ضوعَ السجائر

هو يبيعها لي خفيةً ..

ويبْسمُ كلَّ ما مرَّ بنا بالباب ..

يغمزُ

(لا تخاف

.. أبوك طيّب ..

فلا تخاف 

وكبرتُ

حتى نسيت جاسم)

ولذا أخاف

****

هذا أنا

وأذوبُ حبا

في انحسار الثوب

في ضحكِ العذارى

في نسمات دجلةَ وهي تملأني اشتياق

وأذوب كُرها

فصّ ملحً.. في قدور الموت

كي يحلو المذاق

وأذوب عشقا في اهتزاز السعف

في التمر الغريب هناك مثلي

في ازدحام الشارع المجهولِ

فيهِ أنا

ورسمي

في لسانِ النسوةِ السكران

لو يهمسنَ بإسمي

(سَعْدٌ)

بسكونِ العين

والتنوينُ دمعٌ

كلما احتجت العناق

في عطورِ (الشيشةِ)

الدرب المعبأ بالملوكِ الفاطميينَ الأوائل

في الشاي البخيل بلونه المعلول

بالتيجان

في تيهيَ دوماً

في درابين (الحسينِ)

في الموصل الحدباء.. في (عوجاتها)

حتماً سأعرف وجهتي

حتى وان سملوا عيوني

أو حملتُ صليبي

نحو تلّ (النبي يونس)

فهناك قد صُلب المسيح

وهناك أيضا

يُقتل (الحلّاج) يومياً ..

وقالت جدتي :

(الحلّاج)

قد فقأوا عيونَهُ في (دقّة الشوّاف)

ففاضَ نوْر

أحمَوا في محاجرهِ السِياخ

فسمَّوا الدربِ الموصّلَ بينهما

بـ(راس الكوْر)

وأعود يأكلني الطريقُ إلى المدينة

أسيرُ في الوجهاتِ

تبلَعُني الشوارع

وانطقاءاتِ السكينة

ويَرنّ صوتٌ

في المقهى الذي أعتاد الجلوس على مناضد أمنياتي

(إوعو تحلّو المراكب

واللهِ يا ناس ما راكب

إلا ومعايه عدوية)

وأصيح حزناً بالسفينة

( يامعيبر

إلك ساعة ذهب

عبرني يا معيبر)

ويندمجان أغنيةً حزينة

****

ألوان المدينة وهي قاحلةٌ

وفي روحي المدينةُ .. تستفيق

في شِحّةِ المطرِ الرماديّ الكئيب

ذاك ألذي أخشاهُ

أو تخشاهُ منشرة الملابس

في تعاريش الكنائس

في عذراء أخرى

سمراء ..

ليست مثل عذراءِ العراق

****

أظلُّ وحدي ..

والجميع هنا معي

والكلُّ يصرخ بالغنا

هذا أنا

وأشير.. أرفع هامتي..

وألعن مُورثاتِ الطول.. في (ختمة)

وألعن صوتي ألما انْبح إلا الآن

والكلّ يصرخ بالغنا

هذا أنا

وأشير

تبلعني المدينة

تستفيق كآبتي

ويمرُّ حنجرتي المذاق

هذا أنا

في التيه وحدي

أين (يوشع)

والصبايا السمر

والنهر / المراق

هذا أنا

هذا أنا

والاحتراق

هذا أنا

وأذوب شوقا للعراق

ــــــــــــــــــــــــــ

سعد الجبورى – شاعر – العراق

اللوحة للفنانة: كاملة بسيونى

ـــــــــــــــــــــــــ

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم