غزلان تواتي
ستمكثين في البيت وترعينه وتربي أطفالك وتتوقفين عن كل نشاطاتك وتكفين عن الكتابة (1927) قالها زوجها وهي في السابعة والعشرين من عمرها… تخلت عن الكتابة وأنجبت… كانت من النساء الأًوَل ممن نادين بحرية المرأة وحقها ومساواتها من الناحية الطبيعية والاجتماعية مع الرجل… نظيرة زين الدين (1908-1976) التي كتبت في عمرها العشرين كتاب “السفور والحجاب”، “الفتاة والشيخ” أغلقت باب تاريخها الفكري وراءها مبكرا جدا، لتكتفي بنومة هانئة في أحضان زوج لم يفهم يوما ما تقوم به، قاومت مجتمعا كاملا وتحدت بشجاعة شيوخ البلاد الإسلامية وأوّلهم والدها الشيخ، وفسرت القرآن في آياته المتعلقة بالنساء، ولم تستطع الوقوف بوجه رجل واحد هل هو الحب؟ لا أظن فتاريخها لم يذكر أي قصة حب في حياتها ولم يذكر سابق معرفة لها بزوجها إلا أيام الخطبة القصيرة جدا، هل هي التقاليد؟ ولكن التقاليد كانت هنا يوم كتبت الحجاب والسفور ويوم كتبت باقي كتبها لم يتغير المجتمع ونبتت له قيم جديدة بين ليلة وأخرى، هل هي المرأة بداخلها؟ لا ليست المرأة بداخلها إنما هي المرأة بداخل كل امرأة خائفة، المرأة داخل كل امرأة مترددة، المرأة التي تعتقد في بقاء العادات والتقاليد وتحرص على تثبيتها وبقائها ونقلها لغيرها من النساء، وتحرص على طلب المغفرة بعد كل استنشاقة هواء خارج الأطر التقليدية… امرأة تخلط بين حقها في أن تكون حرة، وبين حقها في أن تكون أما وتدفع هذا مقابل ذاك ولا تسأل، امرأة تخيَّر بين الزواج والحجاب فتختار الحجاب والزواج ليس خوفا من الله وتطبيقا لما تعتقد أنه شرعه إنما تنفيذا لرغبة الزوج الذي إن سئِل عن معنى ذلك لا يجد غالبا إجابات واضحة إلا المحافظة على الشّرف الممتزج بكلام غير مبرر عن الغيرة، المرأة التي تفضل البقاء مع زوج ظالم، جائر لا يحترمها ولا يرعى أي وجود لها وقد يعاملها بدونية متناهية على أن تطلق وتترك أرضه وسماءه ليس رغبة وحبا فيه لأن الحب والظلم والجور أمور لا تلتقي معا في كيان واحد، ولكن حماية للمجتمع من خطرها، هي تخاف المجتمع لأنه سيقول عنها فاجرة لمجرد طلاقها، ولأن المطلقة متوفرة جنسيا في مجتمعات تقدر الشرف وتربطه ربطا قسريا مع الجسد، بينما المجتمع نفسه لا يتذكر المطلق ولا يلومه ولا يعتب عليه ولا يفكر في جسده، ليس لأن الرجل أكثر فضيلة من المرأة، ولكن لأن الرجال في مجتمعات مماثلة أقل مسؤولية وأكثر سجنا من النساء. السِّلم الذي ينعمون به من وراء خنق النساء هو سلم مزور يدل على مدى عبوديتهم لتلك القيم وليس على قدر ومكانة أفضل، لأن جسد المرأة المتهم ليس متهما بالاستمناء إنما بالزنا والزنا لا تكون إلا بين طرفين رجل وامرأة –على الأرجح-…، المرأة التي إن عبرت عن رغبتها الجنسية تحاسب فوق الطاولة وتحتها، حالكن أيتها النساء العربيات المسلمات ليس أحسن مما كانت عليه النساء الأوروبيات في القرن التاسع عشر كان الرجل لا يعاشر زوجته إلا للإنجاب، وعندما يرغب بالجنس فإنه يتجه إلى بيوت الدعارة، وتمنع المرأة من التعبير عن رغبتها الجنسية وإذا عبرت فإنها تحاسب كما يحاسب لص أو قاتل… لم يكن صمت نظيرة إلا امتدادا لصمت جدتها، وصمتك الآن امتداد لصمتها وصمت جدتك وجدتي. كل النساء العربيات يصمتن لأسباب يعتقدن أنها قوية ولكن في الواقع لا وجود لسبب قوي وآخر ضعيف هناك صمت وفقط… قالت سيمون (1908-1986) في كتابها الجنس الثاني إننا لم نولد نساء بل أصبحنا كذلك، وقالت نظيرة في كتابها السفور والحجاب أن الحجاب حاجة مجتمع ولا تخص النساء في شيء… وبين أن نكون نساء بفعل اجتماعي ونتخلى عن كوننا من الإنسانية نشارك الرجل في كل تفاصيل الحياة والحقوق والواجبات والحرية ومفاهيم الفضيلة والشرف والعادات والتقاليد ولا نفعل إلا ما تمليه علينا ضمائرنا وخياراتنا هو معنى قول سيمون، وأن نطرد التقاليد البالية ونكف عن القول أن الأمور هكذا وليس بأيدينا شيء نفعله ونصمت، نلبس ونفكر، نحيا ونموت كما يريد الزوج أو الأخ أو الأب أو الجماعة فهذا فعل نظيرة-الذي خالف قولها- وكيف أن النساء اللائي سمعن قول ورأين فعل سيمون تحررن، وكيف أن نساءنا بعد أكثر من تسعين سنة من قول نظيرة وفعلها مازلن يقولن شيئا ويفعلن آخر.