صالح رحيم
- احتفاء متأخر بتقاعد طائر شاب
أنا رجل مغرم بالسير والتواريخ
ومغرم بالخلاصة النهائية لطائر عاش كثيراً
وتقاعد اليوم..
منعزلاً كان،
يعيش في الأفق
ومتواضعاً يبني عشه على الأرض،
ولا يطير كثيراً
فقد كان زاهداً..
كانت تظنه الطيور الاخرى أبلهاً
إلا أنه كان طائراً حكيماً
لما تقاعد:
صار يتضخم أمام الذين يرونه صغيراً
ويتلاشى أمام من يصغرون أمامه
زرته اليومَ بعينين مغلقتين
وبمنقاره فتح عينيَّ
وقال:
لرجل مغرم بالسير والتواريخ
لرجل يحتفي بتقاعد طائر عاش كثيراً
أهمس بهذا السر ……..
- فزاعة
رأيتُ اليوم فزاعةً أنثى
فقلتُ لصاحب الأرض
كم أنت نبيل!
فهذه ليست فزاعة
هذه امرأة
ترحب بالطيور:
انظر وراءك هذا الحشد !
- نشيد الملح
تشرب الملحَ نخلةٌ في صحراء السماوة
وترفس التربة بجذورها كي تصعد إلى الأعلى
.
نخلةٌ ستعيش مئات السنين
لا لأنها صامدة في وجه الملح
بل، لأنها ببساطةٍ: نخلة
.
من الملحِ صبَّ اللهُ السماوةَ،
أيامَ الخلق، ومن المِلحِ صار العطشُ
في هذه البقعة شهرة الماء
وحتى الماء نفسه من الملحِ -ملح السماوة-
صار مزوداً بالكبرياء
إذ ليس من طبيعته ان يكون عسلاً
ولا من طبيعته ان يكون ماءً فحسب
.
حتى شفاه الحبيبات عند التقبيل
في السماوة هن مالحات
.
كان آخر ما عرفته قبل أن أولدَ بلحظات
أن الملح حديث النشوء
وكنتُ النخلة الأولى
ولما لم اطق البقاء هناك
تمرد الكائن الذي بين جنبي
فترجل عن صهوة ذله
وراح يسير عاريا في اعماق الظلام..
- دخان
ثمة من لا يراني
مضطجعاً في تنور،
يتصاعد من قلبي:
دخان الأشياء………
- ظمأ
أنا أيضاً
رميتُ الدلو في البئر
فامتلأ بالذهب،
رميته مرة أخرى،
فعاد إليَّ بالذهب من جديد
فرميته أيضاً،
كان الفرق يا إلهي
أنني عطشانٌ
يرى الذهبَ حجارة
عطشانٌ يريد أن يشرب الماء
لا أن يتوضأ..
- لا تنفخ مبكراً يا إسرافيل
لا تنفخ مبكراً يا إسرافيل
في مطلع فجر القيامة
سأبقى نائماً
لا أريد أن يوقظني أحد،
جسمي متعبٌ جداً
وزوجتي تقدر ذلك
ولن توقظني أبداً
فهي تخاف..
تعرفُ زوجتي أنني رجلٌ عصبيٌّ
فيما يتعلق بالنوم،
تعرفني رجلاً
يقضي ليله سهرانَ
ونهاره نائم،
تعرفني رجلاً يفضل الظهيرة على الصباح،
رجلٌ لا يريد أن يوقضه أحد
في مطلع فجر القيامة،
لذا لا تنفخ مبكراً
يا إسرافيل
انتظره حتى يفيق..
فقد يظنكَ
زوجته
ويصفعك.
……………………..
*شاعر من العراق