نساء النقد الأدبي

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

لم تكتمل وجهة نظري في موضوع هذا المقال بعد، لكن تجمعت خيوط من أنسجة متفرقة لا أعلم كيف يمكنني أن أحيك منها وجهة نظر متماسكة منسجمة حول عنوان كبير مثل ذلك العنوان الذي يحمله هذا المقال. لكن على كل حال، إليكم هذه الخيوط !

خيط أول: سهير القلماوي الأم الرءوم وطه حسين الناقد القدوة!

سهير القلماوي(1911-1997) كانت أول تلميذة تلتحق بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً)، وأول أستاذة للأدب العربي بها، ورائدة دراسات ألف ليلة وليلة؛ تلك الريادة التي تكشف أن صلتها بطه حسين لم تكن صلة التابع المقلد وإنما صلة التلميذ المتأثر بمسار فكري مثّله طه حسين بترسيخه لفضيلة الاختلاف عن السائد سواء كان ذلك الاختلاف اختلافًا عما يُطرح من أفكار أو فيما ترسخ من تقاليد حتى لو كانت تلك التقاليد تقاليد الأكاديمية  المصرية التي اعتادت أن تفصل بين الأدب الرسمي والأدب الشعبي وتنظر نظرة استعلاء لألف ليلة وليلة باعتبارها “أدبا شعبيا”.

ومع ذلك لا يتم استحضار اسم سهير القلماوي في خطاب تلاميذها من النقاد والدارسين إلا باعتبارها حلقة وصل بينهم وبين الناقد القدوة طه حسين، وبصفتها أمًا اتسمت بالحنان والرعاية لأبنائها من الطلاب ومساعدتهم حتى شبّوا عن الطوق. هذ الصورة ذات دلالة على وفاء الأبناء نحو الأم سهير القلماوي، لكنها ذات دلالة أيضًا على سطوة حضور الناقد القدوة والمثقف التنويري الذي خط مسار النقد الأدبي الحديث؛ طه حسين، للدرجة التي أصبحت سنةً من سنن النقد الأدبي أن يكون حضور نساء النقد الأدبي في الخطاب المعاصر مرتبطًا بدور الأمومة الذي يلعبنه حين يتم تقدير إنجازهن النقدي، بل  ربما لا يبقى من إنجاز نقدي في الذاكرة  ينافس دور الأمومة الذي لعبنه في حياة أبنائهن من النقاد والدارسين!

بالضبط إنه مقلوب صورة الأستاذ الذي شاء القدر ان يكون أبًا لنقاد وليس ناقدًا قدوة يُحتذى به ويُسعى إليه ليُقتدى به عند الاتفاق معه أو عند الاختلاف معه!

مع الوضع في الاعتبار أن المنجز النقدي النسائي المكتوب بلغات أجنبية لم تتم رؤيته على نطاق واسع لنرى إن كان يمكن أن يؤثر في تغيير تلك السنة النقدية أم لا. فأسماء مثل فريال غزول وسيزا قاسم وماري ترير عبد المسيح وسامية محرز رغم أن منجزهن جزء من المشهد النقدي العالمي فإن ذلك لم يغير من أن تكون الأمومة السمة الأبرز عند استحضار الخطاب النقدي المعاصر لمنجز نساء النقد الأدبي. فالمتغير الأساس بين هذه الأسماء وبين سهير القلماوي أن السياق الجامعي لم يعد يسمح بعلاقات أمومة مكتملة فوجد المنجز النقدي لهؤلاء النساء من يلتفت إليه باعتباره منجزًا نقديًا فحسب في المشهد النقدي خارج العالم العربي، أما في عالمنا العربي فمع غياب علاقة الأمومة فقد فرضت المعاصرة صورًا أخرى لنساء النقد الأدبي نستوضحها في الخطوط التالية.

خيط ثان: امراة جميلة وناقدة؟! كيف؟

تكرر أن استمعت لعدة ملاحظات في جلسات نميمة بين النقاد كانت الناقدات بطلاتها. ولا أنكر أنني استمتعت بإحساسي بالانتماء –حتى لو كان لبعض الوقت- لمنظومة مريحة من الأفكار تتأسس على استنكار أن تكون امرأة جميلة تشتغل بمجال النقد الأدبي. فمرة يسوّغ الاستنكار نفسه بالخوف على الجمال من إرهاق النقد وثقل دمه، وأن الجمال الأنثوي يليق به إن كان يميل لأن يشغل وقته أو يزداد جمالاً على جمال، بأن يكتب شعرًا أو رواية، لكن ليس نقدًا !

لا يخفى أن التطور الطبيعي لهذا الاستنكار لا يخرج عن ثلاثة تأويلات؛

– الأول التشكيك في استحقاق أن تكون المرأة الجميلة ناقدة دون تقديم تنازلات طوعية أو دون إكراهات لها للحصول على الاعتراف بها ناقدة سواء كان ذلك داخل الجامعة أو خارجها! وهذا المسار التأويلي يشير لنماذج من النساء الناقدات جميلات مشكوك في إنجازهن النقدي إما لجهل به أو لتشويه له أو لنقد موضوعي له تطور في الثقافة السمعية لنميمة نقدية! لكن من المهم ملاحظة أن الجمال والأنوثة صارتا وفق هذا التأويل  وسيلة، وأن النقد صار هو الغاية! وهو ما يتناقض مع الاستنكار الأصلي الذي نرصد تأويلاته هنا!

 وقد يأتي أصحاب هذا التأويل على  ذكر المنجز النقدي لامراة جميلة فرضت بخطابها النقدي المميز حضورها وحافظت بقوة شخصيتها على المسافة الواجبة بين كونها ناقدة وكونها أنثى حرة في تصرفاتها ، وهذا يعد –من وجهة نظري-تدليلاً على أن هذه المرأة/ النموذج استثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها؛ أعنى تدليلاً على تورط مؤسسة النقد في ترسيخ سنة نقدية تؤطر الناقدة في إطار الأم المبجلة أو الأنثى المرغوب فيها لأنوثتها بغض النظر عن منجزها النقدي!

-الثاني عدم التشكيك في قدرات الناقدة “غير الجميلة” أو “العادية” أو “المسترجلة” التي تفرض حضورها ليس بإنتاج خطاب نقدي مفارق للسائد بقدر ما هو خطاب نقدي متماثل مع الخطاب النقدي السائد لدرجة التماهي بدءا من طريقة الأداء وصولاً للأفكار المنتجَة! الأمر الذي يعني أن مؤسسة النقد محت الأنثى الناقدة وأحلت محلها الناقدة المكافحة كفاح الرجال وليست المكافحة للرجال فضلاً عن أن تكون مكافحة لسنة نقدية تقرن النقد بالخشونة!

-الثالث الربط بين الناقدة ونصوص روائية وشعرية تعالج قضايا المرأة أو الربط بين الناقدة والخطاب النسوي من أجل تسكينها وتنميطها كصوت نقدي يحتاج له مجتمع الأدب لاكتمال التمثيل النوعي في الندوات والمؤتمرات. وهذا الربط يعني –من وجهة نظري- أن الناقدة الأنثى صارت أشبه بطبيبة النساء والولادة التي يبحث عنها المجتمع المحافظ حتى لو كانت أقل كفاءة، من أجل عدم كشف نسائه على الرجال من الأطباء!!

خيط ثالث: شاعر ذكوري وناقد شيخ منصر!

 

لا أكاد أتوقف عن الضحك كلما تذكرت خطابي النقدي بالأمس القريب حين كنت أمسك بشاعر أو روائي أشتم في نصوصه رائحة ذكورية فأصيح على طريقة عبد الله الغذامي :امسك شاعرًا ذكوريًا!

مقالات من نفس القسم