حاورها : عيد عبد الحليم
الصفة التي تميزها أنها كاتبة دؤوبة ، تعكف دائماً على أعمالها من أجل أن تخرج في صورة جيدة ، تتميز بخصوصية الرؤية و انحيازها إلى الأبعاد الجمالية ، إنها الروائية و القاصة نجلاء علام .
تؤكد نجلاء أنها منذ طفولتها تعيش حالة من المغامرة يحدوها تساؤل دائم حول ماهية الأشياء التي تصادفها . عن مرحلة البدايات تقول : البداية جاءت في المرحلة الثانوية ، لم يكن عندي رهبة التعامل مع الأشياء فبدأت في مراسلة المجلات الأدبية وأنا في مرحلة الصبا وكذلك البرنامج الثقافى في الإذاعة المصرية ، في البداية أنت لا تغامر بشيء فاسمك لم يطرح وليس لك قاريء تنتظر وجهة نظره في كتاباتك ، لكن بعد ظهور المجموعة الأولى ” أفيال صغيرة لم تمت بعد ” والطبعة الأولى منها نفدت ورشحت للطبع مرة أخرى في مكتبة الأسرة .
الحياة والموت
توقفت بعد ذلك كي أحدد ملامح تجربتي لتكون هناك بصمة فيما أكتبه ولم اتعجل صدور الأعمال ، وحاولت في كل عمل أن يكون به تساؤل وغالبا العمل لا يجيب عن هذا التساؤل ، ففي “أفيال الصغيرة لم تمت بعد” كان التساؤل عن حالة الموت ، و في المجموعة الثانية ” روح تحوم آتية ” أدركت أن المشكلة ليست في الموت وإنما في الحياة ذاتها ، وبدأت اركز على معركة الإنسان في الطبقة المتوسطة حيث الحراك الاجتماعي الذي حوله إلى طبقة أدنى ، فأصبح حلمه العيش في حياة بها قدر من التوازن .
وتضيف نجلاء علام قائلة الكتابة كجراب الحاوى يضع كل منا يده فيه ويخرجه بشكل مختلف وقد خرجت يدي بالصورة البصرية والمزج بين السرد والوصف و بإحساس خاص بالزمن والمكان .
وأفضل مقولة قيلت عن كتاباتي إنها تناقش قضية قد تبدو بسيطة ولكن بإسلوب غير بسيط ، تجد دائما أن النجاح الحقيقي الذي أبذل فيه جهداً هو كيفية الكتابة ذاتها ، على مستوى اللغة وتعدد الأصوات والبناء الدرامي الذي تجده مختلفا من كل عمل إلى آخر ، ربما أشعر بأن هذا يُحمل الشخصية نفسها والقضية المطروحة داخل العمل دلالات مختلفة ، فلن تجد داخل كتاباتى مثقفاً يتشدق بافكار نظرية إنما أبطالي إذا جاز لي أن أسميهم أبطالاً هم المطحونون بين شقي رحى الأبدية الموت والحياة.
لا أستطيع أن أصف ما أكتبه بالسهولة رغم بساطته فليس كل بسيط سهلاً فالحرير الذي تلمسه باصبعك تجده منساباً بسيطاً ناعماً هو في الأصل مكون من تركيبة من الخيوط معقدة جداً ومحكمة كذلك الكتابة عندي .
وتضرب نجلاء علام مثالاً على ما ذهبت إليه بروايتها ” نصف عين ” فقد كتبتها بإسلوب التداعي الحر وليس بالترتيب الزمني المعتاد ، وتعدد الرواة داخل العمل ، فمن حق كل شخصية أن تساهم بلونها الخاص داخل اللوحة الرواية وتوازى بين الحياة العادية المرئية للشخصيات وبين الحياة الباطنة وفي الحقيقة ما تم في الرواية ليس سرداً لحياة عدة شخصيات ، وإنما هو انتخاب عدد من المشاهد الدالة في حياة كل شخصية بحيث تكون معبرة عنها .
قضية فلسفية :
عن رواياتها الأخيرة ” الخروج إلى النهار ” والتي تناقش قضية فلسفية حول علاقة الوجود الإنساني بالتحولات الزمنية تقول نجلاء علام : رواية الخروج إلى النهار حصلت على منحة المورد الثقافى ورغم صدورها حديثاً إلا أنها كتب عنها عشر دراسات ، هي رواية اعتبرها الكتابة التي أطمح إليها لأنها لا تتحدث عن إنسان مصري بسيط وانما عن وجود باكلمه وعن دور له على مستوي البشرية جميعها والأزمنة المتعددة من خلال أسئلة جوهرية مثل هل البشرية تستحق فرصة أكبر على هذه الأرض .
الرواية لها مراحل عدة وهي مركبة جداً لأنها ذات مساحة زمنية متسعة منذ آدم وقابيل وهابيل ودور الأنثى في هذا الحدث التأسيسي في بداية البشرية ، فالرواية تقوم على استولاد معانٍ مختلفة للبشرية منذ فجر التاريخ .
هذه أحداث قرأناها في كتب التاريخ لكننا سندرك بشرية هذه الشخصيات وتركيبتهم النفسية داخل أحداث الرواية وتضيف نجلاء علام قائلة بعد ثورة 25 يناير بدأت أراجع موقفي و أدركت أن الإنسان يستحق فرصة أخرى على الارض أحسست بأن الثورة لابد أن يكون لها دور في الرواية حيث تبدو كل الأحداث السابقة على البشرية وكأنها أحلام .
إذا كنا ننتظر لحظة فناء على الأرض هل الإنسان ما زال مخزنا بداخله هذا التراث ، الرواية تتكلم عن الإنسان الأخير على هذه الأرض ، حيث يتحول إلى شبه آلة انسان ممنهج ، هناك نظام لو يكسر هذا النظام سيكون جزءا رئيسيا من أحلام الثورة .
أدب الطفل :
ولأنها من أكثر كتاب جيلها اهتماماً بالكتابة للطفل تؤكد أن من يتصدى لهذا النوع من الكتابة لابد أن يمتلك قدرات خاصة ، وتضيف قائلة : أنا في الأساس كتبت مجموعتين قصصيتين وكتبت رواية نصف عين ، ولكن لظروف عملي في سلسلة كتاب قطر الندي في هيئة قصور الثقافة ، بدأت أبحث في الأعمال الأدبية الخاصة بالأطفال واكتشفت في النهاية أنه لا توجد مراجع لأدب الطفل ومجلات الأطفال فبدأت أجمع مجلات الأطفال التي صدرت منذ عام 1870 حتى عام 2000 بدأت من مجلة ” روضة المدارس ” التي أصدرها رفاعة الطهطاوي وكانت توزع في المدارس ، ثم أصدر مصطفى كامل مجلة ” التلميذ ” ، وواصلت البحث حتى انجزت دراسة مطولة صدرت في جزأين عن هيئة الكتاب . والذي حفزني للكتابة للطفل هم أولادي لأنى احسست بأن التجاوب معهم يزداد بشكل شفاهي عند حكي الحدوتة قبل النوم ، هذا دفعنى إلى الكتابة إليهم ، وجعلنى أعيش حالة مختلفة من البوح والحكي ، بدأت في التجريب داخل الكتابة للطفل ، حاولت أن أمزج بين الشكل التقليدي للكتابة التراثية وبين القضايا الجديدة التي يطرحها الواقع أفتح للطفل طاقة من الخيال والقدرة على التساؤل بامكانية حدوث الحكي المسرود في الحياة .
في الحقيقة أدب الأطفال بقدر ما هو ممتع بقدر ما هو صعب لأنك تخاطب كائناً ملولاً بطبيعته ، فإذا لم يكن لديك القدرة على التحكم في مشاعره وانفعالاته فمحكوم على كتاباتك بالفشل .
……………
* نُشر الحوار بمجلة ( الشروق ) الإماراتية ، العدد : 1117، سبتمبر 2013 .