مُقاوِم

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

كريم عبد السلام

“مقاوِمُ”ُ يسأل البحرَ

تحت النجمة اللامعة

استقبل “مقاومُ” الموجاتِ 

باردةً ، متتابعةً ، لا تعرف اليأس

لم يتوارَ من “الدرونات” التى تمسح الشواطئ 

ولم يخش الحوريات التى تسحر الشباب بندائها فى الليل

وسأل البحر..

كيف أحيا يوماً بعد يوم وأمى أسيرةٌ ؟

كيف أتناول طعامى ودم أبى الشهيد لا يجف؟

أعمامى يقولون لى : ليس بعد، أنت ما زلت صبياً

أخوالى يقولون : دع المقاومة للكبار

لا نريد أن ينكسر ظهر أمك وهى فى الأِسْر

البحر أرسل موجاتٍ عاليةً: من ينادينى

– “مقاوم”

– = ما اسمكَ؟

– “مقاوم”

– =ما حلمك؟

– أقاوم حتى أحرر أمّى من الأَسْر

أقاوم حتى يجفَّ دمُ أبى

– =ماذا تنتظر؟

– قالوا لى…

– = لا تستمع لأحد ، اتبعْ قلبكَ

 واخترْ مصيركَ

قَدَرُكَ تصنعه بخطواتكَ، فيستجيب الكون..

 

وصمتَ البحرُ كأنما المياه سجادة سوداء

 و مقاومُ امتلأ قلبه بالمعرفة

***

 

“مُقاوِمُ” والأمرُ الواقع

“مقاومُ” سار شارداً وفى أذنيه كلامُ البحر وكلامُ أعمامه  

الأمرُ الواقع أن الاحتلالَ أقوى منا بكثير

الأمرُ الواقع أن الاحتلالَ يستطيع إبادتنا فى لحظات

الأمرُ الواقع أن العالمَ فاجرٌ وظالمٌ ومنحازٌ للعدو

الأمرُ الواقع أن دول العالم تمدّ الاحتلال بالسلاح والبشر والأموال وتقول: “اقتلوهم بسرعة وخلصونا من هذا الصداع”

الأمرُ الواقعُ أن كلَّ الأبواب مغلقة فى وجوهنا

الأمرُ الواقعُ أن علينا أن نحيا اليوم أو السنة أو اللحظات المتبقية فى أعمارنا وأن نموت فى أرضنا

الأمرُ الواقع يقول لا داعىَ لاستفزاز الشيطان المحتل ولا جدوى من مقاومته

…….

“مقاومُ” وقف فى مكانه :

كيف أهنأ بضحكة من قلبى وأمى تموت كلَّ يوم فى الأَسْر

كيف أشجع فريقى فى كرة القدم

كيف أستقبل العيد

الحياة التى يبيعونها لنا، أن نعيش كالبهائم، إلى أن يحين موعد الذبح

أن نرضى بالظلم ونقبل العبودية كأننا أصفار .. تراب .. هواء

أن يضعوا الأطواق فى أعناقنا مثل الكلاب

نحن ميتون بالأمرِ الواقع فلماذا لا ننفض عنا التراب

نحن غائبون بالأمر الواقع و إذا قلنا “لا” سنعود للوجود

نحن ضعفاء بالأمر الواقع، بالمقاومة لن نخسر إلا قيودنا

نحن مشوهون بالأمر الواقع، وصرختنا ستجبر العالم أن يرانا من جديد

نحن لا شئ بالأمر الواقع، و كفاحنا سيدفع الأمهات إلى إرضاع أطفالهن معنى الحياة

وأيقن “مقاومُ” أن الأمر الواقع مرفوض

وأن بداية الخلق إرادةُ للمستضعفين

سكين يفتح عين العالم حتى يرى

طلقة تثقب أذن العالم حتى يسمع

وأن ينتزع ما يريد

****

“مُقاوِمُ”ُ يتوكل على الله

 

“مقاومُ” صنع جناحين من جلد ثور وأعواد خيزران

وحمل فى حزامه مقلاعَه وملأ جيوبه بالحجارة

واستخرج بندقية أبيه الشهيد وقال للهواء: احملنى

فقال الهواء: سمعاً وطاعة،

لكن إلى أين أطير بك فى السابعة صباحًا

“كل البلاد وطنى”.. قال “مقاومُ”

وحمل الهواء “مقاوم” َحتى وجد دبابات ميركافا وجنود الاحتلال يتضاحكون فألقى “مقاوم”ُ حجارته فاستحالت إلى “سجّيل” وأحرقت الجنود والميركافات

وفرد “مقاومُ” جناحيه كالنسر حتى إذا وجد قطعان المستوطنين يقتعلون أشجار الزيتون المعمرة، فحصدهم وأنقذ أشجار الزيتون

ورأى مقاومُ طابوراً من عربات العدو المدرعة مقبلة باتجاه البلدة القديمة فهتف: “وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى” وسدد فاشتعلت المدرعات وكان صوت انفجارها موسيقياً للمحلقين فى الأعالى

ودار “مقاومُ” دورةً واسعةً حول المستوطنات الجنوبية ، فرأى جموعاً تحتفل وترقص وتشرب فهبط عليهم.. العين بالعين والأسرى بالأسرى، وساقهم أمامه حتى واراهم فى أنفاق الحياة

****

“مُقاوِمُ” والجنون

 

المستضعفون انتفضوا

الموتى بُعثوا من قبورهم

القضية قامت كالعنقاء من الرماد

كلمة فلسطين تتردد فى كل مكان

والجنونُ ركب الاحتلالَ

ضربوا من البر

 وضربوا من البحر

وضربوا من الجو 

قصفوا المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس

أطنانُ القنابل المحرمة وقعت على النائمين فى بيوتهم

قطعوا رقاب الأطفال وأجهزو على المرضى

قتلوا وقتلوا وقتلوا، حتى تعب القتل

أرادوا أن يضاعفوا القتل كيلا يسمحوا للضحايا بالصراخ

واستعصتْ روح المقاومة

وهدموا وهدموا وهدموا، حتى انتهى البنيان

أرادوا أن يهدموا الأمل فى استمرار الحياة،

فابتسم أصحاب الحق للأنقاض واعتبروها ضيوفَ المكان

قصفوا اللاجئين فى الخيام ، فاستظل الناجون بالأشجار

سمموا المياه ومنعوا الطعام، فتقاسم الجيرانُ كسرات الخبز وأوراق الأشجار

أرادوا أن يقولوا للمستضعفين: “إياكم أن تعرفوا قوتكم”

أرادوا أن يقولوا لأصحاب الحقوق: ” نحن وحوش.. والعالم خانع”

أرادوا أن يُرهبوا الساكنين فلا يهبوا

لكن أصحاب الحقوق تشبثوا بالأرض

والخائفون أدركوا أن الحياة تخيف الطغاةَ فنفضوا خوفهم.

***

“مُقاوِمُ” والمسافة صِفْر

 

ورأى “مقاوم”ُ أن جنونَ الاحتلال يردُّه اليقين

وأن جبنَ العدو تكسره الشجاعةُ

وأن حرص الشهداءُ على الموت أكبر من حرصَ الغاصبين على الحياة

اخترع ” مقاوم” المسافة صفر وحول نفسه شبحاً

قال للهواء أَخْفِنى وتقدم نحو دبابة العدو وألصق العبوة الناسفة

قال للشمس انشرى الظلال فى المكان، وزرع اللغم فى قلب المدرعة

قال “وجعلنا من بين أيديهم سداً” و رمى، فأسقطهم فى مواضعهم

قال “فهم لا يبصرون” وأطلق نحو الهيلكوبتر، فأنارت السماء قبل سقوطها

قال “فأغشيناهم” ودخل المبنى الذى يحتمون فيه فكانوا مغلوبين

وعرف العالم مَن “جولياتُ” بمقلاعه

ومن “دافيد” بطائراته وغواصاته ودباباته

وعرف العالم النهاية منذ الأزل..

أين ينتهى الطغيان

وكيف تنفجر الحرية

ومتى تتصل السعادةُ بالموت

***

“مُقاوِمُ” يستعين بالصبر

 

لماذا لم تشاورنا فى الأمر؟

لماذا غامرتَ باستفزاز الاحتلال؟

من يتحمل الدمار الشامل الذى لحق بنا؟

دماءُ آلاف الضحايا الأبرياء فى رقبتك

ماذا كسبنا من وراء مغامرتكَ، إلا الموتَ والخرابَ والتشريد من جديد

ألم ننصحك مراراً !

ألم نضع النقاطَ على حروفِكَ!

ألم نحذرك من وحشية العدو!

ماذا نفعل الآن فى الحصار والجوع والموت يحوم حول رؤوسنا؟

علامَ تراهن، والعالم ظالمٌ وفاجرٌ

 أخرسُ عن الحق وأعمى عن الجلادين ؟

 اصبروا..

لو استطعتُ لفديت كلَّ طفلٍ وامرأةٍ وشيخ

لو استطعتُ لمنعتُ الدمار بصدرى

لو استطعتُ لحقنتُ الدماءَ كلها بدمى

لكنَّ الوحشَ لا يميز بين الضحايا

ولا يفرق بين الدماء

اصبروا..

طريقُنا طويلةٌ وقد عدنا سيراً على الجمر

طريقُنا مظلمةٌ ولا يهدينا إلا اليقينُ فى قلوبنا

طريقُنا وعرةٌ ، نُعبّدها بدمائنا وأجسادنا،

فنكون وطنَنا، ووطنُنا يكون أجسادَنا وأرواحَنا ودماءَنا

اصبروا

حريتُنا ننتزعها، وثمنها الحزن والدموع والدم

ليس لها ثمنٌ آخر

ليس لنا طريقٌ بديلة

اصبروا..

وأطرق الأعمام والأخوال صامتين

***

“مُقاوِمُ” والبِشارة

 

“مقاوم” ُ نادى أعمامَه وأخوالَه وجيرانه وكل من سمع من أبناء شعبه

وعمل لهم مأدبةً  

كان الجمع كثيراً

وكان الجوع غالباً على الآلاف الحاضرين

ومقاومُ أحضر خمسة أرغفة وسمكتين وقال للحاضرين اجلسواً

سنفترش الأرضَ، أرضنا

ونأكل خبزاً وملحاً معاً

قال الأعمام هل تسخر منّا ؟

كيف تكفى الأرغفة الخمسة والسمكتان الحاضرين مع الجوع ؟

وتناول “مقاومُ” الخبز وحَمدَ الله على نعمته، وأعطى وأعطى وأعطى

وكلما أعطى خبزاً وسمكا لا ينقص بل يزيد ويربو

وجلس الحاضرون على الأرض وعلى الأنقاض المتناثرة وأكلوا حتى شبعوا

وفاض الخبز والسمك من الآلاف الحاضرين

والأعمام والأخوال بدورهم جلسوا وأكلوا حتى الشبع

عندئذ ، أعطى “مقاوم” وصيته:

أعلم يا إخوتى أن من بينكم من يسلّمنى للعدو قبل شروق الشمس

وأنا أقول له : أسرع فيما نويت أن تفعله

لأنَ دمى وروحى الآن فى دمائكم وأرواحكم

كلُّ طفلٍ وصبىٍّ وامرأةٍ ورجلٍ هو “مقاوم”

يا إخوتى ، ها أنا أستودعكم بشارتى

بينكم من ينكرنى مراراً

بينكم من يسلمنى للوحوش

بينكم من يبيعنى بثلاثين دولارا

وبينكم من يجلدنى ويتبرأ منّى

لكنى لست خائفاً من الوحوش

ولست ناقماً على من يسلّمنى

ولست غاضباً ممن يبيعنى أو يتبرأ منّى

لأن كثيرين يعلمون الآن ما يعلمه “مقاوم”

كثيرون يخطون مثلما أخطو

ويقفون عند المسافة صفر

ويحملون اليقين كاملا فى قلوبهم

ويعرفون أن الوطن فى أجسادنا

وأننا مزروعون فى جسد الوطن مثل أشجار الزيتون

سأمضى يا إخوتى

لكنّ الإرادةَ باقية

والحلم خفَّاق

وكل طفل يولد يرى الضياء الذى للحرية

و يعرف الثمن الغالى، ويدفعه راضياً محتسباً..

فى قلوبكم، احملوا وطنكم يا إخوتى

اجعلوه عالياً فوق الأَنَوَات

اجعلوه مقدساً فوق المصالح

اجعلوه الأنقى فوق الاستعراضات

اجعلوه الأغلى و نفوسَكم هينةً فى سبيله

اجعلوه الغاية وأيامَكم دروباً تؤدى إليه

اجعلوه الإجابة عن كل علامة استفهام

اجعلوه الجوهرَ فتعرفوا قيمةَ الأشياء وإن لمعتْ

اجعلوه الباقىَ لتروا زوالَ ما عداه

اجعلوه اللُّحمَة بين أيديكم فلا تتفرقوا

اجعلوه الأمانةَ ، واحملوها

احملوها بسعادة الواصلين

من جيل إلى جيل

………………….

*مجتزآت من كتاب شعرى مصور بعنوان ” نعم..أكتب فلسطين متجاهلا ما بعد الحداثة ” يصدر قريبا

** الصورة المرفقة ” القمر فلسطينى” .. عمل الشاعر

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 35
يتبعهم الغاوون
مرزوق الحلبي

قصيدتان