ورغم هذا
ربما لأسبابٍ تتعلق بالطفولة
لطالما فرحت بانهزام الأسود
………….
هناك في مواجهة الشرفة
بجوار مطعم الفول
أحب ذلك المحل ذا النقوش الغريبة
تلك التماثيل
صور الأم والرضيع والرجل ذي اللحية
أحب صاحبه ذا اللكنة اليونانية
اسمه صعب النطق ذا الجرس الموسيقي
لم يكن فقط انبهاراً بكلبه الكبير
ولا بدروس الشطرنج المبكرة
يبيع زجاجاتٍ ملونة عديدة
لماذا يغلق طوال الشهر إذاً
لو كان يمارس عمله الآن
ربما نجحت محاولتي قليلاً
……………..
أكثر من مقهى في الشارع
وحده ذلك قبل ناصية الحارة
لماذا يغلق نصف بابه؟
……………..
يأتي الصياح من هناك
ينافس صوت عبد الباسط الآتي من عدة جهات
يبدو أن شجارا ما سيحدث
بالنسبة لي
هذا أيضاً أمر جيد
سينتبه جدي الآن
سيختفي فارق السن المهول
سنشاهد المعركة معاً
بشغف طفلين
…………..
يندفع من المقهى بقوة قطار
إلى محل الفاكهة المقابل
يسحب سيفاً مخبأ بالسندرة
يضيع صوت عبد الباسط
يغلبه صرير أبواب الصاج التي تتسابق بالإغلاق
يهرول المارة
يختلط عدد الأكياس بعدد الجرحى
يمتزج الأحمر اللزج بالأصفر والأسود
كما لو أن رساماً سيرياليا قد لون الشارع
يقف عند نهاية الشارع الخالي تماما
يقول أحدهم
(كنسهم كنس وقفل الشارع )
رغم هذا تلمع عينه وهو يتمتم
لا تبدو كلمعة عين من انتصر !
……………
أفرح لانتصاراته المتتالية
ليست هذه المرة الأولى
مرة طاردهم بطاسة الزيت المغلي
تلك التي اختطفها بيدين عاريتين من أمام المطعم
مرة تكالبوا عليه
ظننا أنه هرب حين صعد إحدى البنايات
قبل أن يفرحوا بانتصارهم الزائف
انفجرت أنبوبة الغاز الساقطة بينهم
اصفر الحي كله
بين هروبهم وسعالنا
وحده كان يضحك
ورغم هذا
تلك اللمعة لا تختفي
………………
أحبه
لا قرابة بيننا
لا كلمات متبادلة
فقط
ابتسامات متواطئة
…………..
ربما أعرف سر تلك اللمعة
الأوغاد هناك عند الناصية
لم يكترثوا لصراخ الطفل
ولا تشبثه بالقروش القليلة
لم يكتفوا بهذا
ضحكوا كثيراً
على صوت صراخه الآتي من النافذة
كانت الأم توبخه
أضعت نقود الجاز
كيف سأطهو الآن
وماذا سيأكل إخوتك!
……………
ثلاثون عاماً أو يزيد
أرتجف كلما رأيت لمعة مشابهة
عبد الناصر/ سعاد حسني/ جيفارا/ بن لادن/ مونيكا بيلوتشي
ثلاثون عاماً أو يزيد
الأوغاد عند الناصية
أعرف الفرق الآن بين التمر والليمون
لم يعد الأسود ما أكرهه
أعرف أن الكلب مات
وأن كرياكو مريض
ملصقات انتخابية شوهت النقوش
أُغلق محل الخمر بقرار من المحافظ
المفطرون في المقهى لا يكترثون بغلق نصف الباب
ثمة مقرئ خليجي لا أعرف اسمه
صعد برجاً ما مكان محل الفاكهة
لا سيوف في السندرة
يقولون إن جدي رحل
أمي لم ترسلني يوماً لشراء الجاز
كثير من الأوغاد في الشارع
انظري جيداً
أنا في الشرفة
عطشي أشد من عطش جدي
بابتسامة متواطئة
ولمعة عين
لا تفارقني!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من ديوان (من شرفة الأجداد) صـادر مؤخرًا عن دار روافد