منصورة عز الدين: الرواية المصرية لم تتراجع

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاورها: عبدالله الزمّاي

منصورة عز الدين أحد الأسماء والتجارب اللافتة في سماء الرواية المصرية والعربية عموماً، غير أن لها أربع روايات، لها ثلاث مجموعات قصصية وترى أن العلاقة بين الرواية والقصة كالعلاقة بينها وبين الشعر وليس كما يشاع أن القصة رواية مؤجزة.. كان آخر رواياتها (أخيلة الظل) الصادرة عن دار التنوير، والتي كان لنا حولها الحوار التالي:

حاورها: عبدالله الزمّاي

منصورة عز الدين أحد الأسماء والتجارب اللافتة في سماء الرواية المصرية والعربية عموماً، غير أن لها أربع روايات، لها ثلاث مجموعات قصصية وترى أن العلاقة بين الرواية والقصة كالعلاقة بينها وبين الشعر وليس كما يشاع أن القصة رواية مؤجزة.. كان آخر رواياتها (أخيلة الظل) الصادرة عن دار التنوير، والتي كان لنا حولها الحوار التالي:

في روايتك «أخيلة الظل» رغبة جامحة وواضحة للتجريب، ما رأيك؟ وكيف ترين آفاق مثل هذا النوع من الكتابة؟

لا ينبع التجريب في الرواية من رغبة أو نية مسبقة، رأيي أن المضمون لا ينفصل عن الشكل في الرواية، كلاهما يكمل الآخر، غير أن المضمون في حالتي هو ما يحدد الشكل ويناديه، بل وأحياناً يفرضه عليّ. وعلى هذا فإن مضمون «أخيلة الظل» هو ما اختار شكلها وبنيتها، والعلاقة بين الشخصيات – حين كانت مجرد أفكار في رأسي – هي ما استدعى طريقة كتابتها على النحو الذي كُتِبت به.

لو لجأ الكاتب إلى التجريب لمجرد إشباع رغبته الشخصية دون الإنصات لمنطق النص وما تهمس به الشخصيات إليه لخرج العمل متكلفاً بدرجة غير محتملة. بدأت كتابة «أخيلة الظل» كلعبة ذاتية بيني وبين نفسي، ولم يكن النشر في بالي. كانت أشبه بسر حميم أو حلم يقظة أطلقت فيه العنان لخيالي دون تفكير في أي شيء خارج عملية الكتابة ذاتها. أي أنني بشكل ما كتبتها بمزاج الهواة وتحررهم من أسئلة تخص عبء التلقي وردود الأفعال.

أظن أن التجريب والمغامرة لا غنى عنهما لتطوير الفن الروائي، غير أنني لا أنظر للتجريب في حد ذاته كحكم قيمة. هناك أعمال تجريبية على مستوى الشكل، لكنها لا تقدم جديداً على مستوى الرؤية، وفي المقابل هناك أعمال بسيطة البنية ولا تزعم التجريب لكن تأثيرها على القارئ أشبه بالزلزال، إذ تدفعه لرؤية العالم من حوله بعين جديدة وطريقة مختلفة. على هذا لا يمكنني الحديث عن تيار بعينه أو نوع بعينه من الكتابة بشكل كلي، لأنني سأقع في فخ التعميم مهما حاولت ألّا أفعل. أفضل الحكم على كل رواية من داخلها، فحتى الكاتب الواحد يختلف مستوى أعماله حد التناقض أحياناً. من جهة أخرى أعتقد أن تصرف كاتب ما كأنه أتى بما لم يسبقه إليه غيره نوعاً من التبجح والصبيانية، فثربانتس مثلاً في «دون كيخوته» قدم درساً في معظم الألاعيب الفنية التي يتعامل معها من لم يقرؤوا روايته باعتبارها جديداً يخص عصرهم.

*من أين ولدت فكرة الرواية خصوصاً مشهد المقعد الخشبي والعودة له كل مرة؟

زرت براغ في ربيع 2011 للمشاركة في معرض براغ الدولي للكتاب، وتأثرت كثيراً بالمدينة وعمارتها وتاريخها، وعدت لزيارتها في 2015، وفي المرتين كان متحف كافكا من المحطات المهمة التي توقفت عندها في المدينة. في الزيارة الأولى نبعت فكرة الرواية، وخلال الزيارة الثانية كنت قد قاربت على الانتهاء من كتابتها، وتجولت في المدينة لتدقيق بعض التفاصيل الغائمة. غير أن الفكرة بشكلها القريب مما ورد في الرواية جاءتني في حلم بعد عودتي من الزيارة الأولى بفترة قصيرة، والطريف أنني كتبت تفاصيل الحلم وقتها على الفيسبوك، قبل أن أعود لتأمل إمكاناته الفنية وأبدأ في العمل على الاشتغال عليه. رافقتني الرواية من 2011 حتى يناير 2016، وكتبت أجزاءً أثناء اشتغالي على روايتي «جبل الزمرد»، ثم تفرغت لها تماماً بعدها.

بالنسبة للمقعد الخشبي، فهناك مقعدان في الرواية، وكلاهما نقطة ارتكاز للعمل. فكما أن مركزية القاهرة توازي مركزية براغ، فإن المقعد الرخامي في حديقة «الحرية» يوازي المقعد الخشبي في باحة متحف كافكا، واللجوء إلى الأخير تحديداً من فصل لآخر نبع من رغبتي في تقليل التشظي في العمل، وخلق بؤرة (ولو متوهمة) له. فثمة شخصيات متباعدة تنتمي لبلدان وأزمان مختلفة والواصل بينها فقط تخيلات الراوي/ة أو لعبة افتراضاته/ا، لذا رأيت أن العودة من وقت لآخر للحظة لقاء آدم بكاميليا وللمقعد الخشبي الذي جلسا عليه في باحة متحف كافكا قد يكون رابطاً مثالياً بين الفصول والأحداث.

*لم يتضح كثيراً أن الكاتب امرأة هل كنت واعية ذلك؟ أم أنت مخطئة؟

تعمدت عدم الكشف عن هوية من يدير لعبة الافتراضات المقدمة في الرواية: أهي أولجا؟ أم كاميليا؟ أو راوٍ خفي؟

أخفيت هوية الراوي لأنني رأيت – وقد أكون مخطئة – أن هذا يضيف إلى فنية العمل. هذا التهويم في ما يخص هوية الراوي ترتب عليه أن يُكتَب العمل بنبرة لا تكشف كثيراً عن جنس الكاتب. لكن بشكل عام لا أنشغل كثيراً بأن تدل كتابتي على أن كاتبتها امرأة، بل على العكس أحياناً ما أتعمد ألّا تدل على هذا، أو للدقة قد يكون الأمر عفوياً. الكتابة لا جنس لها، الأفضل تحليل النص من داخله وفي إطار فنياته الخاصة دون الاهتمام كثيراً بجنس كاتبه أو جنسيته أو سيرته الخاصة. الرواية التي أشتغل عليها حالياً راويها رجل، بل ورجل ذو رؤية ذكورية بدرجة ما، لذا عليّ ككاتبه أن أتقمصه وأرى العالم بعيونه هو ورؤيته..

*حدثينا عن عنوان الرواية كيف ولد، وكيف ترين أنه يعبر عن النص؟

لم يكن «أخيلة الظل» العنوان الأول للرواية، طوال فترة الكتابة كان في ذهني عنوان آخر تماماً، ثم تخليت عنه بعد اكتمال العمل، واحترت كثيراً في اختيار عنوان مناسب، حتى توصلت إلى «أخيلة الظل» من خلال إعادة قراءة الفصل المعنون بـ”فُلك بن منظور” أكثر من مرة. الرواية وثيقة الصلة بالظلال والأخيلة، كما أن تقنية كتابتها لها علاقة بالظلال والانعكاسات لذا رأيت أن هذا هو العنوان الأمثل، خاصة أن مفردة «خيال» بالعربية ثرية جداً في معانيها ودلالاتها بدرجة يصعب أن نجدها في لغة أخرى.

*تكتبين رواية قصيرة نوعاً ما لماذا؟ وكيف تنظرين إلى هذا النوع من الروايات؟

رواياتي الأربع تختلف في أحجامها، قد ينطبق حكمك فقط على «متاهة مريم» و”أخيلة الظل”، لكن بوجه عام لا أنشغل كثيراً بحجم الرواية ولا أحكم على عمل من خلال هذا المعيار، وأندهش حين أرى من يعطون للأمر أهمية كبيرة. أفضل الروايات في تاريخ الرواية أكانت روايات قصيرة جداً أم لسيت قصيرة فقط. المعيار الأول من وجهة نظري يجب أن يكون فنياً.

*تكتبين القصة بالإضافة إلى الرواية كيف ترين الفرق بينهما؟

لدي ثلاث مجموعات قصصية: «ضوء مهتز»، «نحو الجنون» وأخيراً «مأوى الغياب». ورأييّ أن القصة فن قائم بذاته، مقدار بعده عن الرواية يوازي مقدار بعد الشعر أو أي فن آخر، فالقصة ليست رواية موجزة كما قد يرى البعض، كما أنها ليست بالضرورة تكشف لنا لحظة بينما تقدم الرواية زمناً ممتداً، أو للدقة قد تفعل هذا، لكنها بينما تكشف هذه اللحظة ترينا زمناً ممتداً أو توضح لنا طرفاً من جوهر هذا الزمن، وتجعلنا نلمس عالماً بكامله. أتذكر هنا مقولة للكاتب النيجيري ابِن أوكري مفادها أن الكاتب الذي يخفق في تقديم عالم بكامله في قصة قصيرة لن يكون في إمكانه النجاح في تحقيق هذا في رواية ضخمة.

لكن بعيداً عن هذا، أتصور أن ميزة الرواية كفن أنها قادرة على استيعاب الأنواع الأدبية الأخرى بداخلها. في «أخيلة الظل» هناك فصلان يمكن قراءتهما كقصص منفصلة لا علاقة لها بالرواية مع أنهما داخلان في بنيتها بشكل لا يمكن فصمه، وفي كتابي الأحدث «مأوى الغياب» وهو متتالية قصصية اشتغلت على المسافة البينية بين القصة كفن والرواية كفن، إذ كان التحدي الأساسي أمامي كيف أكتب قصصاً تكمل بعضها بعضاً كما هو الحال في فصول الروايات ويمكن قراءتها كقصص منفصلة أيضاً.

*ما الذي أضافه لك عملك في الصحافة؟ أقصد أضاف لتجربتك في الكتابة؟

أظن أن الثقافة قد أفادتني على مستوى الدقة اللغوية، والوصول إلى درجة معينة من الحساسية اللغوية، هذا غير أنها علمتني العمل تحت ضغط، ودربتني على أن تكون الكتابة عملاً يومياً لا يخضع لتقلبات المزاج، وهذا مفيد جداً في حالتي لأنني شخصية كسولة بطبعي.

*الرواية المصرية لم تعد كما هي منذ عقود هل تتفقين أنها تراجعت؟ وكيف تقيمين حضورها اليوم؟

لا أفضل الكلام عن مشهد واسع وعام في عجالة، لكن باختصار الرواية المصرية لم تتراجع، على العكس أراها الآن في حالة ثراء وتنوع كبيرين. الجديد أن الرواية العربية لم تعد تقتصر على بلدان بعينها، ولم يعد هناك مجال لثنائية نمطية من قبيل المركز والأطراف.

بالنسبة لفكرة الحضور من عدمه، رأييّ أن الحضور لا علاقة له بالقيمة الأدبية والفنية فالأمران لا علاقة بينهما، أو للدقة قد تكون العلاقة عكسية في معظم الأحيان، بحيث يزداد الحضور في المشهد العام كلما قلت القيمة الفنية.

*ترجم لك عدد من الأعمال إلى لغات عدة حدثينا عن هذه التجربة وما الذي أضافته لك بوصفك روائية مصرية وعربية؟

تتمثل الإضافة في رأييّ في أن يُقرأ العمل في ثقافات بعيدة، يتعرف القراء فيها على عملك وحده دون معرفة سابقة بك في كثير من الأحيان. هناك حالات يُحكم عليك فيها طبعاً بناءً على جنسيتك والصور النمطية الشائعة عن الثقافة التي تنتمي إليها، لكن العمل الجيد يقاوم هذا ويقدم نفسه بعيداً عن الصور النمطية.

قد يسعدني مثلاً أن تنشر دار غربية كبرى رواية من رواياتي، لكن هناك أشياء أصغر قد ترضيني ككاتبة بدرجة أكبر، كأن تُنشر قصة من قصصي ضمن أنطولوجيا تضم قصصاً لأفضل كتاب القصص الغرائبية من دول مختلفة مثل: برونو شولتز، كافكا، إدجار آلان بو، فليسبرتو إرنانديث، يوكو أوجاوا وآخرين.

……………

*نقلا عن صحيفة “الرياض”

مقالات من نفس القسم