مقلوب المتنبي

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد عيد إبراهيم 

في حَلَبٍ، على خُطَى المتنَبِّيَ. امرأةٌ تدُلُّ على أعضَائِها،

وبيوتٌ لها وَجْهٌ مقدَّسٌ. بالقاعِ، باعَةُ حلوى ومستنقَعٌ ونِداءٌ

على ذُرَةٍ. عِمارةٌ تَلِجُ الفَضاءَ بزَخرفةٍ من راحَةٍ، قديمة.

 

بكاءٌ من قَضاءِ الله، وهَجْمَةُ النساءِ تُوجِسُ خِيفَةً من عَمودِ

المَلاكِ. المَلاكُ، مقلوبُ المتنبّي. لكنهُ، مهندسٌ زِراعيٌّ

يقرِضُ الشِّعرَ. يكتبُ المُحَرَّماتِ، قد يَسُبُّ يَزِيداً أو يلُوطُ

بكِلمَةٍ عن عُمَرٍ. هوَى قلبِهِ أن يَصُدَّ النساءَ، فهو مرِيضٌ،

يُصيبُهُ الحُبُّ بالجَلْطةِ. على رغمِ قَضِيبهِ الواضحِ. ويرَى مَهَمّتَهُ 

أن يشتِلَ اللّغةَ، بمناطِقِ الشكلِ الرمادِيّةِ.

  • ·

خلالَ النهارِ يُقَلِّب أسارِيرَهُ، وفي اللّيلِ يرفَعُ كأسَهُ.

شَغِّيلٌ، لكن في عُجَالَةٍ من أمرهِ. ويُعَكِّر مِزاجَه امرأةٌ نالَتهُ

وهو صغيرٌ. دَؤوبٌ على بَطنِهِ، دونَ لَذَّةٍ. ويُؤثِرُ حبوبَ

الأعشابِ. تَطبَعُهُ الطبيعةُ بالأمانِ. ويُمَطمِطُ في الكلامِ، وهو

ينكُشُ أنفَه: “مُحِيطُ قصيدتي هندَسِيٌّ، لكنهُ ليسَ عقلانياً”.

ويَسحَبُ كرسياً ثم يضحَكُ. سِيجارةٌ في يدهِ، دائماً مُطفَأةٌ 

“فهي تَحُتُّ تِمثالَ الجَسَدِ”. وذوقُهُ في الغِناءِ، الأربعينياتُ. 

سَرَحَ بقامَتِهِ، كَمَن في غابَةٍ. ثم يستَلُّ من أراجونَ

“أُخَطِّطُ لقَصِيدةٍ خَشِنَةٍ، أُريدُ بها لو أطلق النارَ على المَارّةِ.

وإن بينَهم أُمّي”.

  • ·

بِصَراحَةٍ، لا تُفِيدُ المُساوَماتُ. “مرةً سافَرتُ في إيطاليا،

وناقَشْتُ روفائيلَ، غيرَ الرسّامِ، أن آخُذَ سيّارَتَه. حَكَّ ذقنَهُ،

وماتَ من الأسَفِ. فَصَرَختُ: الكلبُ، لا يقطَعُ ذَيلَه”.

وهكذا، الشِعرُ. صَمَتَ قليلاً ثم حَدَّقَ بعدَ مَغزَىً “والنَّسرُ

لا ينزِلُ مَيدانَ العاهِراتِ”. أهليّةٌ ثقافيّة، يُعِيدُ بناءَ الافتِراضاتِ

بأسلوبٍ هَرَمِيٍّ، لكنهُ مقطوعٌ. حادٌّ صَوتُه، بمَقامٍ خَفِيضٍ.

حالةٌ شخصيّة. وبهلوانٌ في استِعادةِ سُلطَةِ الموضوعِ، بعدَ

انهيارِ الدِلالَةِ. عُنصُريٌّ، ضدَّ الأُصولِ لكن بمِقدارٍ. ويرَى نفسَه

سارِداً حَصْرِياً في زواجِ الشِعرِ بالفنونِ، وما بعدَ الحداثةِ

تَحتاجُ عَيناً ثالثة.

  • ·

أَنقِلُ عنهُ، هذا المقطَعَ:

“أنا أجمل من الشجرةِ،

بِعتُ الغامِضَ من لِساني

لقاءَ العَدَم. سَقَطَ القِناعُ،

وحُلمِي هناكَ يَشُقُّ الحَجَر”

وكانَ المَلاكُ، مقلوبُ المتنَبّي، يُقلِّبُ رأسَهُ في الفراغِ،

مما يدُلُّ على ضَجِيجِ دَمِه. فَمُهُ صارَ كالطُّحلُبِ، ثم وَشوَشَ

من عُمقِ حَنجَرتهِ “بالشِّعرِ فِتنَةٌ”. أما النادِلُ،

فقد فَطِنَ إلى شيءٍ جديدٍ. أنه يَصُبُّ البيرةَ في قِنّينةِ الأزهارِ  

مثلَ نيتشه، قبلَ أن يُحَطِّمَ الزجاجَ ويأكلَ الشَمعةَ.

… من الآنَ فصاعِداً، سَيُعرِّي الطاوِلَة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شاعر مصري 

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project