أنـي
لأرى فـي حـلـمـي مـالـم يـره الأعـمـى :
يـالـقـمـيـصـهـا ، لـم يـعـد فـيـه مـتـسـعٌ . الـحـمـامـاتُ كـبـرنَ ، أقـولُ لـهـا :
دعِ الـكـلاب تـنـبـح ورائـي ، لا أريـد أن أضـرَ حـجـارة الـطـريـقْ.
فـقـطْ ،
أريـدُ أن أُعـَبـدَ الـهـواء بـشـعـركِ الـطـويـلْ .
فـي الـظـلـمـة أسـمـعُ حـفـيـف يـدٍ يـنـحـت شـكـل نـهـديـهـا .
مـن هـنـاك ، قـلـتُ ؟
فـزعـتْ ، فـأرتـطـمـت سـرتـهـا بـغـيـمـةٍ ،
تـسـاقـطـت الـنـجـوم ضـوءاً مـشـعـاً ومـلـيـئـاً بـالـمـعـانـي الـغـامـضـة .
ضـجـةٌ وتـدافـعٌ وراء الـبـاب ،
ــ مـاذا يـحـدث ؟
ــ حـبـرٌ يـريـد الـدخـولَ ، لـكـن جـنـاحـيـه لا يـتـسـعـهـمـا الـفـضـاءْ .
فـي الـعـام الـفـائـت ،
رأيـت رأسـي يـتـدحـرج بـيـن الـسـطـور ، وكـان الـسـيـف لـغـويـاً.
كـان الـشـجـريـتـدفـق مـن فـمـي . فـيـمـا كـان دمـي
مـشـغـولاً بـتـنـظـيـف خـفـيـه مـن الـغـبـارْ .
أيـهـا الـلـغـوي ،
مـتـى سـتـعـيـد الـحـيـاة لـلـوقـت الـمـيـت فـي سـاعـة الـبـيـت ؟ .
أمـشـي وأدخـن الـكـلام ،
إنـتـهـى الـكـلام ومـازلـت أدخـنُ ،
قـال الـلـغـوي :
إتـبـعـوهُ ، تـلـك آثـار أقـدامـه عـلـى الـحـبـر ،
إنـي أراه يـسـوي عـصـاه نـجـمـة تـسـتـدل بـهـا الـمـراكـب ،
عـلـيـكـم بـعـصـاه . إكـسـروهـا .
الـوضـوح غـمـوض آخـرَ ،
يـدٌ تـلـم ثـوب الـريـح وتـنـضـده ، وأخـرى تـتـوغـل حـامـلـة
الـفـانـوس ، لـتـتـفـحـص نـقـصـان الـدم فـي جـسـد الـكـلـمـة .
واطـيءٌ سـقـف الـلـغـة ،
نـاولـيـنـي كـرسـي الـمـعـنـى ، أريـد أن أصـعـد عـلـيـه
لأدفـع الـسـقـف قـلـيـلاً إلـى الأعـلـى ،
أحـاولُ ، يـتـدفـق الـبـحـر مـن فـم الـقـصـيـدة ، يـالـهـذا
الأزرق الـذي يـشـبـه وشـم يـد أمـي .
نـومٌ يـتـعـرى فـي الـمـرايـا .
ضـع فـي الـكـسـاء جـنـاح الـطـيـر ، لـتـسـاعـد الـورقـة عـلـى الـطـيـران ،
غـمـوضٌ آخـرَ ،
كـمـثـل ثـلـج يـلـقـنُ الـجـحـيـمَ سـرالأشـتـعـالْ .
يـا إلـهـي ،
لـمـاذا فـي الـشـعـرأتـذكـرُ كـل شـيءٍ
وأنـسـى نـفـسـي .
خـذي رأسـي ،
أريـدُ أن أنـامَ ،
الـمـطـرُ كـثـيـفٌ ،
نـشـفـيـهِ مـن الـغـيـومْ.
لـيـس فـي الـشـعـرعـفـة لـشـيء ،
الـشـعـرُ تـمـريـنٌ عـلـى إقـتـطـاف الـنـار مـن
يـد الـطـبـيـعـة .
الـشـعـر . إنـتـبـهـي ،
الـحـلـيـب الـسـاخـن يـسـيـحُ فـي الـمـرايـا ، دلـيـه عـلـى الـطـريـقْ .
الـكـلابُ تـنـبـحُ ،
يـالـرواق الـحـلـم الـطـويـل ،
لا أريـدُ الـمـكـوث فـي الـمـرايـا بـإنـتـظـار آخـر الـقـطـارات ،
الـطـريـقُ شـيـخٌ ضـريـرٌ ،
أخـافُ أن آخـذه مـن يـده ولا أصـلُ .
أيــهـا الـشـعـر، ضـع الـسـكـيـنَ بـيـدي ،
أريـدُ أن أذبـحَ الـوقـت الـفـائـض .
أمـوتُ فـي لـغـةٍ ،
تـنـضـجُ الـكـعـكـةَ ولا تـأكـل مـنهـا .
فـي الـمـرايـا مـدخـنـة ،
كـلـمـا رأت
الـقـصـيـد تـقـول
لـفـتـاهـا :
إمـلأنـي بـحـضـورك ،
يـتـكـاثـرُ الـدخـانْ.
الـبـعـد الـثـانـي
سـاعـة الـمـقـهـى تـشـيـرُ إلـى الـثـالـثـة ،
عـيـنـي عـلـى الـبـاب ،
ويـدي تـطـارد الـكـلاب الـمـخـتـبـأة فـي الـمـرايـا .
تـسـألـنـي عـامـلـة الـمـقـهـى : مـاذا تـشـربُ ؟
أقـولُ لـهـا :
الـمـاضـي الـجـمـيـل سـيـدتـي .
تـتـفـحـصُ الـحـمـامـتـيـن وتـطـعـمـهـمـا بـقـايـا يـدي .
أقـول لـلـغـة :
تـعـالـي أحـيـك مـن ثـوبـك حـبـلاً يـربـط قـدمـي
الـسـمـاء بـالأرض .
وحـيـدة تـتـشـكـل الـمـرايـا ،
مـن دونـمـا يـدٍ ،
تـعـلـق الـمـنـعـطـف وردة فـي قـمـيـصـهـا .
أيـهـا الـلـغـوي ،
ظـلٌ مـيـت تـحـت قـمـيـصـك ،
تـعـال نـواريـه الـتـرابَ قـبـلَ أن تـفـوحَ رائـحـتـه .
كـم سـتـحـتـاجـيـن أيـتـهـا الـلـغـة مـن الـوقـت ،
لـتـنـظـفـي أسـنـانـك مـن الـلـحـوم الـفـاسـدة ؟ .
كـلامٌ ،
يـلـدُ قـطـاراً يـضـجُ بـالـراكـبـيـنَ ،
ومـا مـن مـحـطـةٍ تـمـسـحُ بـقـمـيـصـهـا الـغـبـارَعـن عـويـنـات الـطـريـقْ.
إخـتـلـطَ الأمـرُ ،
أشـعـرٌ هـذا ،
أم غـيـمـة تـقـتـطـفُ الـعـنـبَ مـن
شـجـرة الـسـمـاءْ ؟ .
لا ،
هـذه نـبـؤةٌ ،
أقـل مـا يـقـال عـنـهـا ،
حـفـيـف ظـل يـمـرُ خـاطـفـاً ، وعـلـى كـتـفـه يـحـمـلُ
جـثـة الـمـكـانْ .
فـي الـمـرايـا ،
نـهـدان يـتـعـثـران بـحـصـى الـظـلام ،
نـصـلا ضـوءٍ ،
يـشـقـان الـقـمـيـص ويـصـعـدان نـحـو فـمـي .
تـسـألـنـي عـامـلـة الـمـقـهـى :
كـيـف إسـتـطـعـت
أن تـنـضج الـرغـيـف وتـنـورالـعـائـلـة
مـلـيءٌ بـالـنـبـاحْ ؟
أقـول لـهـا :
عـزلـةٌ ، ثـم عـزلـة ،
ثـم بـسـتـانـي يـشـطـبُ الـرطـبَ مـن مـقـتـنـيـات الـسـلالْ .
الـبـعـد الـثـالـث
حـقـائـب الـهـواء مـلـيـئـة بـمـكـائـد الـهـدهـد ،
ولـيـس هـنـاك مـلـمـح واضـحٌ لـمـقـاصـده ،
ولا أثـرٌ لـجـنـاحـيـه عـلـى سـواد الـمـصـابـيـح .
الـكـلام زجـاج مـتـشـظٍ ،
يـرادُ مـنـكَ أن تـلـصـقَ أجـزاءهُ ، لـتـعـيـد إلـيـهِ
هـيـأة الـطـيـر .
ثـلـجٌ يـوصـي أبـنـاءه :
دفـئـوا أقـدامـكـم ، بـعـد قـلـيـلٍ سـيـوقـد الـشـاعـرالـنـار فـي
دم الـقـصـيـدة .
بـعـد قـلـيـلٍ ، يـعـيـد لـلـضـوء الـمـيـت حـضـورهُ
فـي تـوهـج الـمـصـابـيـح .
تـتـكـاثـرالـطـرقـات ومـامـن أحـد يـصـل .
قـالـت عـامـلـة الـمـقـهـى :
فـي الـمـزهـريـة طـيـرٌ ، كـلـمـا رآنـي يـحـط عـلـى نـهـديَّ ويـرتـشـفـهـمـا .
قـلـتُ لـهـا :
أبـي كـان طـيـراً مـن حـبـرٍ ،
كـلـمـا رأى جـسـداً يـحـط عـلـيـه ويـشـرب الـبـيـاض .
قـالـت وهـي تـمـرر يـدهـا فـوق يـدي :
أوتـشـبـهُ أبـاكَ ؟
قـلـتُ :
الـشـعـر فـرسٌ فـي زجـاجـةٍ ، الـزجـاجـة فـي وردةٍ ، الـوردة
فـي نـقـطـةِ حـبـرٍ ، الـحـبـر فـي مـكـان مـوحـشٍ ،
لا تـدنـوهُ ،
غـيـر يـدٍ تـعـرفُ كـيـفَ تـروضـه .
قـالـت :
مـن أيـن جـئـتَ بـهـذا ؟ .
قـلـتُ :
أبـي عـلـمـنـي ، أن أُطـيـّْرَ حـمـام الـقـصـائـد عـلـى سـطـوح الـورقٍ ،
بـعـد أن أسـوي لـهـا أجـنـحـة مـن الـحـبـر .
حـجـرٌ تـمـتـلأ رئـتـيـّْه بـتـقـاذفـه مـن يـدٍ لأخـرى ،
حـتـى يـكـاد أن يـخـتـنـق بـالـرمـاة .
أيـتـهـا الـسـاعـة الـرمـلـيـة :
أعـيـدي عـقـارب الـمـوجـة إلـى الـشـاطـيء .
لـنـسـأل الـلـغـوي :
عـن مـحـبـرتـه الـعـالـقـة بـيـن ألأحـراشْ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*شاعر عراقي يقيم في استراليا
خاص الكتابة