مشهد الجوع بعد كل قصة حب فاشلة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أشعر بالجوع بعد كل قصة حب فاشلة

أشعر بالمرض بعد كل ابتسامة وداع

في اللغة، فإن تضاد الأشياء يقيم وزناً للمعنى ويؤكد عليه

وفي القصص، فان إجبار الشخصية على الإتيان بفعل لا يستقيم مع ملامحها

يدفع ملائكة الكتابة لأن تلعنك صباح مساء.

ولكن حين تضطرك حكايات الحب أن تبتسم وانت تودع إحداهن

فإنك تشفق على فراشها من الليلة الأولى عقب آخر مكالمة..

وملابسها بعد آخر لقاء ..

والحذاء الأخير الذي ارتدته وهي قادمة إليك تظن أن عتاباً وقبلة كفيلين

بتلوين صوتك بغير جفاء التأهب للقتل.

تشفق على هذا الحذاء المسكين الذي سيذوب من حرارة أقدامها التي كانت تريد السير باتجاهك

ودفعت أنت بها إلى اشارة مرور حمقاء قبل ناصية شارعها

فيظل بكاؤها مؤجلا لسنوات طويلة قبل أن تجتاز الأم والعشاء وفيلم روتانا كلاسيك باتجاه حجرتها

كي تسب دمك وماء أسلافك الذي أحضر شوكة مثلك إلى الوجود كي تفتت لذة العالم.

اشعر بالعطش عقب كل مرة أمسك فيها بكوب الماء الذي تطلبه إحداهن قبل أن تغادر

كي تؤجل أكثر اللقطات الميلودرامية في مشهد الفراق النمطي جدا

سواء شربت منه البطلة أو لم تشرب يظل هذا الكوب”راكور”حزين لا يتغير من فيلم لآخر

ومن بطلة لآخرى ..

كلهن يطلبن نفس الكوب : في المنزل- في الكافية – وحتى في السيارة مع استبداله بزجاجة مياة من اي كشك

ثم المونولوج الشهير (ياريت تكون ساقعة لأن ريقي ناشف)

سواء شربن أو لم يشربن

أظل أنا من يشعر بالعطش..

أضع يدي على وجهي كي أتأكد من ثبات الأنفعال على ملامحي

لقد قدمت هذه المشاهد من قبل عشرات المرات ببراعة ولم تعد عيناي تفلتان حطام الأسى أو تنبت الأزهار من ابتسامة الوداع الكئيبة التي تمرنت عليها منذ أول “شوت” انفصال في مسيرتي العاطفية.

كلهن يتركن الكوب في النهاية ممتلئ إلا قليلا..

أو يتركن الزجاجة في السيارة كأنهن يتركن أثرا ربما استدل به عليهن إذا ما :

“غيرت رأيك” أو “فكرت تاني” أو “راجعت نفسك” أو “حسيت” أو”خطرت على بالك” أو “افتكرتني” أو “لو حبيت تكلمني”أو “لو عزت حاجة” أو “طمني عليك” أو “ما تضايقش نفسك” أو “انا مش زعلانة بس صعبان عليا” أو “على فكرة مش هتحس بقيمة اللي بينا إلا بعد…”

يضاف ساعتها إلى الجوع والعطش والشعور بحبيبات ساخنة في الرئة مع كل تنفس بطيء تلك الرغبة في وجود موسيقى مالحة او مؤثر صوتي صادم ومفتعل كي يغطي في غباء مكساجي على هذه الجمل الخالدة والهامة جدا التي قد يظن المشاهد السطحي أنها نوع من التنفيس للشخصية المهجورة بينما هي اقرب في المخيلة الشعبية “للفلة”أو”غطاء الكازوزة”الذي يمنعها من الانفجار مع كم الرجات والهزات العنيفة التي تتعرض لها روح البطلة.

هذه الجمل في الحقيقة تخفي مستويات اخرى يعرفها النقاد اصحاب الخبرات الرومانسية في افساد حكايات الأفلام بتسخيفهم كل المشاعر الحزينة واعتبارها”ستريو تايب”لكنهم يخجلون من كتابتها في ريفيوهاتهم السريعة.

يكفي ان تعرف ان وراء كل جملة في حوار المشهد ثمة كلمة هي في الحقيقة أهم جزء من الذروة النفسية للبطلة :

لو غيرت رأيك.. يا غبي

فكرت تاني.. يا حيوان

راجعت نفسك.. يا كلب

حسيت يا.. بقرة

خطرت على بالك.. يا تافه

افتكرتني يا.. غلس

لو عزت حاجة.. يا معفن

طمني عليك..ربنا ياخدك

على فكرة مش هتحس بقيمة اللي بينا إلا بعد… ما تاخد خازوق ابن هرمة يطلع من قفاك

… ….

أشعر بالجوع بعد كل وجع

بالرغبة في النوم بأثر رجعي لشهور مضت

بوجود فارق درجة ما بين قوة ابصار العين اليمني و العين اليسرى يتسبب في حالة من الزغللة الروحية والرغبة في تبادل اغلاق العيون وفتحها بشكل هستيري لضبط الفوكس ورؤية الأشياء اما “نت” كامل أو “فلو” متسع..

ان فارق درجة واحدة في قوة الأبصار بين كلا العينين كفيل بأن يجعلك تشك في ذاتك وفي حكمك على الازهار والقطط والأفلام وكل ملائكة الحكايات والقبل الجميلة..

اشعر بالجوع والعطش ولكن (مين له نفس يعمل أي حاجة دلوقت)

أصب ما تبقى من كوب الماء الذي تركته في حوض المطبخ واغسله جيدا لازيل بصمات شفتيها عنه حتى ولو لم تشرب منه..

واعود إلى حيث كنت اجلس كي أتاكد أن اللقطة انتهت وأنني الان في مشهد أخر بدونها..

افتقد ساعتها كثيرا مونتيرا يعفيني من تشغل تراك الصوت المطلوب لهذه اللحظة والذي اضطر لأن أنهض كي اديره بنفسي من الاب توب مفسدا لحظة الأسى ودخول الكاميرا زووم بحجم يضيق تدريجيا على مكاني بينما يختفي الكرسي الذي كانت تجلس عليه من الكادر تماما لكي يكتمل التعبير البصري عن غيابها وخروجها من حياتي ..

اضغط زر التشغيل فيأتيني صوت المنشد في(فيد أن) متقطع :

انت لا تعلم اياك ولا تدري من أنت ولا كيف الوصول..

كيف تدري…..

لا تقل كيف استوى ….

فلعمري ليس ذا إلا ……

هو لا اين ولا كيف له وهو في كل النواح لا يزول..

تيترات

 ……………………………….

فصل من رواية زي حكايات الأحبة – قيد النشر

اقرأ أيضاً:

فصل آخر من الرواية: السماعة البلوتوث

فصل آخر من الرواية: زمن الأحذية المنسية

مقالات من نفس القسم