مشاغلٌ يوميَّة!

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مرزوق الحلبي

أوظّب شجرَ الليمونِ وأعتَني بالقواريرِ،

بمهاراتٍ نقَلْتَها عَن شقيقتي،

كنتُ ساعدَها الأيمن في إدارةِ

جنّةِ القواريرِ والزرِّيعةِ في بيتِ طفولتِنا

كانت أمِّي تَرقِيني وأنَا أحْمِلُ أكبرَ القَواريرِ

ولَا تزالُ رُقّيتهَا مَعِي

 

أنَظّفُ أصَابِعِي مِنَ الحِبرِ

أفرُكُهَا ..

وَأفركُها مُستَعينًا بِكلِّ سائلٍ مُتاح

مثلَمَا كُنتُ أفْعَلُ لأنَزَعَ عَنْهَا دبغَ

الجُوزَ البلديِّ المَفقُوشِ

بَحثًا عَنْ قُلوبِهِ البيْضَاءَ!

 

أنْتقِي مُفرداتٍ أنِيقَةً

تُناسبُ عيدَ مِيلادِ صديقةٍ

أوْ زَفافَ صَديقٍ،

مِثْلَمَا كُنتُ أنْتَقِي أكْبَرَ أكْوازِ الصَنَوْبَرِ

لابْنةِ الجِيرانِ الَّتي تَهيَّأ لِي

أنَّها تُحبّنِي!

 

أهْتَمُّ عندَ كيِّ القُمصانِ

بخَطِّ الأكْمامِ،

أعَالِجُها عَلى مَهلٍ

مِثلَمَا كُنتُ أفْعَلُ عِندَ تَغْليفِ كُتُبِي

بأَغْلَفةٍ تُرابيةِ الَّلونِ طلبتها مُعلِّمتِي مُنَى!

 

أعدّ ما بقيَ من ساعاتٍ

بينَ أصابِعي

استعدادًا لتوزيعها بالعدلِ في ذاكَ اليومِ

مِثلمَا كُنتُ أعدّ مَا فِي كَمْشةِ الكُراتِ البَلُّوريَّةِ

استعدادًا لمُنازَلَةِ أوْلادٍ تَسلَّلُوا إلَى حَارَتِنَا

لِلَّعبِ

 

أبدّلُ المصابيحَ

باحثًا عَنْ أكثرِهَا نورًا

وأطولها عُمراً

مثلما كنتُ أبحثُ عنْ شَمْعةٍ مُثلَى

لقَناديلِ لَياليِ العُشرِ

 

أقْطُفُ أكْوازَ الرُّمانِ بشَغَفٍ ظاهرٍ

عَن شَجراتٍ زرَعْتُها بيدِيّ

مثلما كان وأنَا ألتقطُ

الًّلوزَ الأخضرَ مِن شَجراتِ الجِيران

 

أحاولُ سَرِقَةَ فَرَحِ أغْنِيةِ الصَّباحِ

لأَبدَأَ بِه يومِي

مِثلما كُنتُ أنْقلُ

صَابُونةَ الرَّاعِي

من التلّة القريبةِ إلَى حَدِيقَتِنا

 

أتلَهَّى بِرَكْلِ الوَقْتِ نَاحيةَ الجِّدارِ

وأْنتظرُ بسعادةٍ دَوِيَّ ارتِطامِهِ

مِثْلَمَا كانَ عنْدَمَا

رمَيْتُ الزُّجاجاتِ الفارغةَ نَاحيةَ الصُّخورِ مُنتظرًا

صوتَ تشظِّيها

 

أُدَارِي فَرحي باقتناءِ كتابٍ

وأشمّ عِطرَ الحِبرِ والورقِ الصَّقيلِ

مثلَما فَعَلتُ حينَ أحضرَ لِي والدِي

نُسخةً مِن “المُنجدِ”

مِنْ مكتبَةِ جِنينْ

لَا تزالُ إلَى يسارِ مَكتَبِي

 

أحَاولُ أنْ أفْهمَ، لِماذَا يلْتَقِطُونَ صُورَهُمِ الشخْصيةِ

علَى خلفيةٍ مِنْ رُفوفِ الكُتبِ

مِثلَما حَاوَلتُ ولَم أنْجحَ

فِي فَهمِ سببِ التِقاطِ بعضِنَا صورَ البَعضِ

وأيْدِينَا عَلَى خَاصراتِنا

فِي وقفةِ التَّحدِّي!

 

أخوضُ فِي أرضِ لُغةِ الغَريبِ

أُطاردُ فِكرةً أرّقَتْنِي

مِثلَما كُنتُ أطَاردُ الفَراشَ

فِي حقلٍ قريبٍ،

أحبِسُهُ فِي زُجاجةٍ

ثمَّ أطْلِقُ سراحَهُ فِي نِهايَةِ النَّهارِ!

 

أمْتَنعُ عنْ قِراءةِ

مأ أرسلُوه لِي،

وأهرُبُ مِنَ مُكالماتِهِمْ، وفَتْحِ البريدِ

مثلَمَا كُنتُ أهْرُبُ مِنْ

صوتِ أمِّي وهِيَ تَنُوحُ.

 

أبحثُ عن لحظةِ شعرٍ،

لأهتفَ لَهَا مِنْ كُلِّ قَلْبِي

مِثْلَمَا كُنتُ أبْحَثُ عَنْ شقائِقِ النِّعمانِ

أوِ النَّرجسِ البريِّ

وأرْكُضُ نَحوَهَا كأَنِّي لاقيتُ ربِّي

 

أجْلِسُ إلَى طَاوِلَتِي،

أذرُو أكْوامَ الكَلامِ

غيرَ قادرٍ علَى إخفاءِ مُتْعتِي،

كَمَا كُنتُ أفْعَلُ عَلَى البيْدَرِ،

أدْرسُ ثمَّ أذرُو،

أدْرسُ ثُمَّ أذرُو.

 

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم