بقلم: محمد عبد المنعم
انشغل الرأي العام في دمياط، بشأن ثقافي قديم ومستجد، هو هدم مبنى المسرح القومي بمدينة دمياط، والامتناع عن إعادة بنائه أو استغلاله في غرضه الأصلي وهو العروض الفنية والمسرحية، وقد رأيت أن أطلع الرأي العام على تاريخ المسرح في دمياط لإضاءة ما خفي من أمر هذا المسرح خصوصا، وقضية المسرح عموما.
عندما توليت أمر الثقافة في دمياط في خريف عام 1971 كان لا يوجد مسارح بدمياط إلا مسرح مجلس المدينة وكان يطلق عليه ( المسرح القومي ) أنشئ في منتصف الستينيات علي أرض ملاصقة لمبني مجلس المدينة الحالي شهد نشاطا مسرحيا وفنيا متميزا واستضاف كبار المخرجين المسرحيين في مصر مثل نبيل الألفي وجلال الشرقاوي ونبيل وعبد الحفيظ التطاوي ومحمود شركس وعباس أحمد وغيرهم تعرض مبناه مع مرور الزمن لمشاكل معمارية في غيبة من الصيانة والمتابعة مما أدي إلي اضطرار مجلس المدينة في نهاية الأمر إلي التخلص منه بهدمه وإزالة أنقاضه عام 2011 تقريبا وتركت أرضه خرابة حتي الآن غير مستغلة في مدخل المدينة وبالقرب من مبني ديوان المحافظة ولم تكن هناك نية لإعادة بنائه كما كان طبقا لقانون الإسكان فيما يتعلق بدور السينما والمسرح الذى يلزم ملاكهم في حالة الهدم أن يعيد بنائهم كما كانوا وقد شكونا إلي العديد من المحافظين لإنقاذ الأرض وإعادة بناء المسرح القومي علي أرضه طبقا للقانون ولكنهم رفضوا وماطلوا بدءا من الدكتور إسماعيل عبد الحميد طه والدكتورة منال جرجس المحافظ حاليا والتي شرعت في إقامة أكشاك علي تلك الأرض التي سينقل إليها العاملون بديوان عام المحافظة كما سمعنا فترة هدم مبني المحافظة وإعادة بنائه من جديد لأنه صادر له قرار إزالة وللأسف كانت حجة إسماعيل طه أنه يكفينا مسرح قصر الثقافة وأنه يحتاج الأرض لإقامة مشروع مهم عليها ونقل ولم ير هذا المشروع النور أما الدكتورة منال فقد كان ردها ان المسرح لم يعد له جمهور فلماذا نبنيه! ،
لقد ظلت هذه الأرض خرابة مهدرة، شون بها مجلس المدينة بعض مخلفات الإشغالات التي يزيلها، فيبدو أن ذلك هو الاستغلال الأمثل لها.
والمعروف أن معظم المحافظات التي كان بها نشاط مسرحي أو فنون شعبية علي قلتها كانت تلك الأنشطة فيها تابعة للمحافظات نفسها وهي التي تنفق عليها وتديرها وكانت فرقا متميزة ولكن نشاطها كان قاصرا علي عواصم المحافظات في مسارحها الخاصة بها وكانت الثقافة الجماهيرية في الغالب تدعم هذه الفرق في العامين الأخيرين قبل تولي سعد وهبة رئاسة الثقافة الجماهيرية بالمخرجين وبعض التقنيات مثل البروجكتورات وكان مواكبا لهذه الفترة ظهور كتاب كبار للمسرح مثل توفيق الحكيم وميخائيل رومان ومحمود دياب ولم يكن جيل الشباب من الكتاب قد تبلور بعد وصاحبهم جيل من المخرجين الكبار مثل سعد أردش ونبيل بدران وكرم مطاوع وجلال الشرقاوي ونبيل الألفي وحسن عبد السلام وعلي الغندور وغيرهم وفي دمياط كان الوضع مختلفا بعض الشيء فكانت لها فرقة مسرحية وأخرى للفنون الشعبية تابعين للمحافظة تبعية كاملة ولهما مجلس إدارة وكانت الثقافة الجماهيرية ممثلة فيه بمديرها ولم يكن له أي صلاحيات تجاه هذه الفرق ولمع علي خشبة المسرح القومي بدمياط نجوم محليين كان منهم عبد الكريم عبد الباقي ونبيل عمر ومحمد ناصف والسيد مسحه ومعاطي حبة وحمدي تحفة وغيرهم وفي الفنون الشعبية لمعت وجوه كان لها تأثيرها في الحياة الفنية في دمياط ومنهم الملحن العبقري وفيق بيصار وأحمد شبكة ومحمود أمين ومصطفي السنباري ومحمد محفوظ والسيد الغطاس وغيرهم كثيرون. لا تسعفني الذاكرة لذكرهم جميعا.
أما في قصر الثقافة فلم يكن هناك اهتمام مباشر بأن يكون له فرقة مسرحية أو أن يقوم بالدور المفروض أن يقوم به بشكل أكبر في فرقة المحافظة مكتفيا بدور الوسيط أحيانا في مصاحبة بعض العروض خارج المحافظة فكثيرا ما قمت وأنا أخصائي ثقافي بمصاحبة فرقة دمياط للفنون الشعبية إلي القاهرة في رمضان للعرض في سرادق الثقافة الجماهيرية بالحسين أو في مسابقة التليفزيون حيث حصلت فرقة دمياط في منتصف الستينات علي كأس التليفزيون في أحد أعوام تلك المسابقة متقدمة علي فرق كبيرة كانت تشارك في تلك المسابقة ومنها فرقة البحيرة الأقدم والأشهر وفرقة الشرقية التي ذاع صيتها فيما بعد أما النشاط المسرحي في مركز الثقافة والاستعلامات حثي أوائل السبعينيات فكان قاصرا علي محاولات متواضعة جدا بقيادة الراحل جمال البسيوني كمخرج ومؤلف ومصمم ومنفذ ديكور لأعمال مدرسية صغيرة تقدم في صالة مركز الثقافة بعمارة السمبسكاني في المقر الذى يشغله حاليا حزب الأحرار أمام مبني السنترال القديم فكان من الغريب أن يقوم جمال البسيوني باختيار النص ويجري البروفات ويصمم الديكور وينفذه بيده حتى الأحذية كان يفصلها علي يديه ويخيطها ثم يقوم بعمل المكياج للمثلين بنفسه أيضا وكانت هناك محاولات أخرى جادة من بعض الفنانين في دمياط لتقديم أعمال مسرحية بجهودهم الذاتية وكان علي رأسها فرقة المسرح العمالي بقيادة حلمي سراج والتي كانت تقدم عروضها علي مسرح مدرسة الزراعة في غيط النصارى وفرقة الإستاد الرياضي بقيادة أحمد جبر وفرقة أخرى في الساحة الشعبية بقيادة نادر شحاتة ومعه رضا حسني وسارعت فرقة المسرح العمالي الأكثر إنتاجا ونضجا بالعمل في إطار قصر الثقافة سعيا للعثور علي كيان رسمي يقدمها فاحتضنتها وقدمت أعمالها التي استطاعت هذه الفرقة أن تقدم كثيرا منها في مختلف المواقع بالقرى والمدن.
بمرور الأيام تدهورت أحوال فرق المحافظة للمسرح والفنون الشعبية وازدهرت فرقة الثقافة المسرحية ومع تدهور تلك الفرق وانصراف المحافظة عن الاهتمام بحالها تدهور أيضا المسرح القومي وساءت أحواله وصار كمكان مطمعا لبعض المصالح الباحثة لنفسها علي مقر مثل السجلات العسكرية والتنمية الصناعية وغيرها ومع تدهور حال المبني وانعدام الصيانة له أصبح يمثل خطرا داهما وصدرت له قرارات إزالة وبعد أحداث ما يسمي بثورة يناير لقي أحد رؤساء المدن في نفسه الجرأة فأزال المبني حتى سطح الأرض ونقل أنقاضه إلي حيث لا نعلم ثم طمع المسئولون بمجلس المدينة في جزء من الأرض فأقاموا عليه مبني شائها يزيد مبني مجلس المدينة قبحا علي قبح واستمرت باقي ارض المسرح القومي بدمياط تنعي حالها وخرابها فلا هو أعيد بناؤه ولا تلك الأرض أعيد استخدامها فيما ينفع المجتمع مما حدا بالبعض إلي التفكير في الاستيلاء علي تلك الأرض التي تقدر بملايين الجنيهات بزعم أنهم أصحاب تلك الأرض فهل يجد ملف المسرح القومي بدمياط والذى أهدر في زمن الانفلات الأمني والأخلاقي من يعيد النظر فيه وينقذ أرضه من ناهبي أرض الدولة وبالقانون؟
…………………….
*رئيس إقليم شرق الدلتا الثقافي سابقا