د.خالد عاشور
ثانياً: قراءة جديدة:
لا ينفصل المقترح الذى نقدمه هنا حول مراحل الإبداع عند نجيب محفوظ عن جهود نقاده فى هذه المسألة، والتى سبقت الإشارة إليها فى الحلقات السابقة؛ إذ يُكمل هذا المقترح مناطق الفراغ فى أطروحاتهم السالفة، ويُبقى على مواطن الاتفاق فيها.
أرى ابتداءً أن لفظ “المرحلة” يبدو أقرب لما نتحدث عنه هنا من ألفاظ أخرى مثل “المنظومة” كما اقترح فاروق عبدالقادر. فالمرحلة فى تعريفها اللغوى هى: “قدر محدد من الشىء”، وهى: “مسافة يقطعها المسافر”([1]). وهذا هو المعنى المقصود إبداعياً عند الكاتب.
فالمراحل التى نتحدث عنها هى مسافات قطعها فى رحلته الإبداعية، وهى قدر محدد من هذه الرحلة انتقل بعده إلى قدر آخر منها. وهو معنى لا يوحى بالانفصال بل بالاتصال؛ اتصال الشىء ببعضه عبر مراحله المختلفة. فالمرحلة الإبداعية بهذا المعنى تمثل شوطاً يقطعه الكاتب. وهو شوط له بداية، وله نهاية، وله هدف. وهو شوط غير منفصل عن سابقه أو لاحقه، وإنما هو جزء منه. ولقد تحدث نقاد نجيب محفوظ ـ فى هذا الإطار ـ عما يمكن أن نسميه “تراسل المراحل”. ففضلاً عما فى المرحلة الواحدة من خيوط تشابه وتوافق تتعلق بكل مكونات العمل الأدبى؛ فإن هذه الخيوط تتصل لنلمسها فى صور أخرى عبر المراحل المختلفة لإبداع الكاتب.
لقد تحدث نقاد نجيب محفوظ مثلاً عن كمال عبدالجواد على أنه البذرة الخضراء التى أثمرت الشخصيات القلقة الباحثة عن الحقيقة فى روايات ما بعد الثلاثية، مثل سعيد مهران وعمر الحمزاوى وصابر وعيسى الدباغ. كما تحدثوا عن الطريقين اللذين يمثلهما أحمد وعبدالمنعم شوكت فى نهاية الثلاثية، طريق العلم والدين باعتبار ذلك هو قضية المرحلة التالية بدءاً من “أولاد حارتنا”([2]).
وتحدث نقاده أيضاً عن بعض قصص مجموعة “همس الجنون” باعتبارها بذوراً لروايات أخرى فى مراحل تالية؛ فقصة “القىء” نظر إليها البعض على أنها صورة مصغرة لقصة محجوب عبدالدايم فى “القاهرة الجديدة”، وبطل قصة “فترة من الشباب” يُذكرنا بحب كمال لعايدة فى الثلاثية، كما ينفعل بطل قصة “أحزان الطفولة” بموت أبيه انفعالاً مقارباً لانفعال حسنين فى نفس الموقف([3]) . كما أن شخصية عبدالرحمن أفندى فى قصة “حياة للغير” نظر إليها البعض الآخر على أنها صورة مطابقة لأحمد عاكف فى “خان الخليلى”([4]).
إضافة لما رآه البعض الثالث من أن رسم شخصية خوفو فى “عبث الأقدار” يتكرر بصور أخرى فى رسم شخصيات الجبلاوى فى “أولاد حارتنا”، والرحيمى فى “الطريق”، وزعبلاوى فى “دنيا الله”([5]). بل إن البعض نظر إلى النماذج الأولى لشخصية عثمان بيومى بطل “حضرة المحترم” فى محجوب عبدالدايم فى “القاهرة الجديدة”، وحسين الضاوى بطل قصة “كلمة فى الليل” من مجموعة “دنيا الله”([6]). وغير بعيد عن هذا من نظر إلى “الحرافيش” على أنها إعادة صياغة لـ”أولاد حارتنا”([7]).
ذلك هو ما نقصده بـ”تراسل المراحل” أو كما سماه محمد حسن عبدالله “الأفكار المهاجرة” من رواية إلى أخرى أو مرحلة إلى أخرى. وليست الأفكار فقط هى التى تهاجر بل الأساليب الفنية والتقنيات الروائية كذلك كما رأينا، مما يعضد فكرة الاتصال وعدم الانفصال التى يقتضيها تقسيم أعمال نجيب محفوظ إلى مراحل إبداعية.
ولا تُخل دراسة مراحل الإبداع على هذا النحو بالاستقلالية التى يتمتع بها كل عمل من أعمال الكاتب على حدة. ومثل ذلك كمثل الإخوة من عائلة واحدة يجمع بينهم انتماؤهم لأصل واحد، ومن ثم تشابههم فى كثير من السمات النفسية والجسدية، وهو أمر لا ينفى إطلاقاً تفرد كل شخصية منهم بسماته الخاصة وتكوينه المستقل.
وهذا ما ينسحب على أعمال الكاتب فى ضوء هذا المبدأ البحثى؛ فـ”بداية ونهاية” مثلاً تبدو أقرب إلى الثلاثية من “اللص والكلاب”. و”الشحاذ” تنتسب إلى “الطريق” أكثر من انتسابها إلى “القاهرة الجديدة”. وهى صلات لا تنقض تفرد كل رواية من هذه الروايات بسماتها الفنية التى تكفل لها استقلالاً عما قبلها وما بعدها إذا شئنا أن ندرسها على هذا النحو.
أما مراحل الإبداع عند نجيب محفوظ كما نقترحها فهى:
المرحلة الأولى: (مرحلة الثلاثية)
وتبدأ برواية “عبث الأقدار” 1939، وتنتهى بـ”الثلاثية” 1957. وتضم بترتيب النشر: “رادوبيس” 1943، “كفاح طيبة” 1944، “خان الخليلى” 1945، “القاهرة الجديدة” 1946، “زقاق المدق” 1947، “السراب” 1949، “بداية ونهاية” 1951.
المرحلة الثانية: (مرحلة أولاد حارتنا)
وتبدأ برواية “أولاد حارتنا” 1959، وتنهى بـ”ميرامار” 1967. وتضم بترتيب النشر: “اللص والكلاب” 1961، “السمان والخريف” 1962، “الطريق” 1964، “الشحاذ” 1965، “ثرثرة فوق النيل” 1966.
المرحلة الثالثة: (مرحلة الحرافيش)
وتبدأ بـ”المرايا” 1971، وتنتهى بملحمة “الحرافيش” 1977. وتضم: “الحب تحت المطر” 1973، “الكرنك” 1974، “حكايات حارتنا” 1975، “قلب الليل” 1975، “حضرة المحترم” 1975.
المرحلة الرابعة: (المرحلة الناقصة)
وتبدأ برواية “عصر الحب” 1980، وتنتهى برواية “قشتمر” 1988. وتضم: “أفراح القبة” 1981، “ليالى ألف ليلة” 1982، “الباقى من الزمن ساعة” 1982، “أمام العرش” 1983، “رحلة ابن فطومة” 1983، “العائش فى الحقيقة” 1985، “يوم قتل الزعيم” 1985، “حديث الصباح والمساء” 1987.
يستند التقسيم المقترح أولاً إلى ما أتصوره من ضرورة استبعاد تلك العناوين المتضاربة التى أطلقها نقاد نجيب محفوظ على مراحل إبداعه، لأنها فى الحقيقة عناوين تربك القارئ أكثر مما تهديه، وهى من ناحية أخرى تؤدى بنا إلى “تغريب النصوص الأدبية” كما قال جابر عصفور. يقول:
“أفلا يعنى تسليمنا بوجود كل هذه المصطلحات، وإطلاقها على أعمال نجيب محفوظ، أن أدبه يقع بين اثنتين: فوضى أنظمة متنافرة، فتنفى عن أعماله القيمة، فى جانب من جوانبها، لأنها ستفقد عنصر التلاحم؛ أو أن نجيب محفوظ يرى العالم كما يراه الواقعيون (النقديون ـ التسجيليون) والطبيعيون والوجوديون والعبثيون، فتنفى عن عقله السلامة”([8]).
ويصبح من الأجدى ـ بديلاً عن هذه العناوين ـ أن نتحدث عن السمات الفنية المميزة لكل مرحلة، والتى أفاض النقاد فى الحديث عنها، ومر بنا شىء منها فى ثنايا الدراسة. ولقد أطلقت عنواناً لكل مرحلة، لا يعبر ـ كما فعل النقاد ـ عن اتجاه فنى أو مدرسة أدبية، وإنما يعبر عن العمل الأدبى الذى مثل قمة المرحلة فنياً. فكانت محطاتُ الإبداع عند نجيب محفوظ، ومعالمه الفنية التى خرجت منها بقية أعماله وعادت إليها، هى “الثلاثية”، “أولاد حارتنا”، “الحرافيش”، ثم المرحلة الأخيرة التى لم تكتمل.
ويستند هذا التقسيم ثانياً إلى معطيات “علم نفس الإبداع” وما قدمه من نظريات شارحة لسيكلوجية المبدع وعملية الإبداع ذاتها، وقد مر بنا شىء منها فى المنهج النفسى؛ فلا بأس من أن نستعين بها هنا. لأن إنجاز عمل واحد يستوى مع إنجاز مرحلة إبداعية واحدة من الناحية السيكلوجية؛ فكلاهما يمثل طوراً إبداعياً أوحالة إبداعية يمر بها المبدع.
يقول علماء نفس الإبداع إن المبدع يمر خلال إبداعه بمراحل متعددة منها ما يطلقون عليه: “الاستعداد والتجهيز” وهو ما يتعلق بالالتفات إلى العمل المبدع والمشكلات المتعلقة به، وجمع شتات جزئياته. ومنها “الاختمار” أو “الإغلاق” أو “الكف” ويعنى التوقف عن مواصلة الإبداع فترة، يأتى بعدها “الإشراق” أى مواصلة العمل بغزارة، ثم “التوقف الأخير” حينما يحس المبدع أن ليس بجعبته شىء يقال([9]). وقد يسمى هذا التوقف: “هبوط المنحنى” وهو أمر يشبه هروب الإلهام عند الشاعر أو تصلب اليد عند الفنان التشكيلى. فالإبداع نوع من أنواع السلوك الإنسانى يمكن تطبيق منحنى الجهد والتعب عليه فى إطار وحدات زمانية مختلفة، قد تكون ساعة أو شهر أو سنة أو عمراً كاملاً([10]). كما يذكر علماء نفس الإبداع مصطلحاً آخر ذا دلالة على عملية الإبداع وهو: “مواصلة الاتجاه” الذى يعرفونه بأنه “سياق نفسى دينامى متحرك مع المبدع يجعله قادراً على أن يلملم الأفكار الجزئية حول المحور الرئيسى، ويجعله قادراً على تنمية خياله دون تناقض، وعلى تكوين فروضه واختبارها خطوات متسلسلة أثناء العمل متخطياً كل العقبات والعراقيل”([11]).
ولقد أجرى مصرى حنورة استخباراً مع نجيب محفوظ حول عملية الإبداع عنده، نستقطع منه هذا الجزء لدلالته
ـ هل تجد صعوبة فى بعض مراحل المعالجة تتعلق بنقل أفكارك من ذهنك إلى الورق؟
ـ نعم.
ـ ما طبيعة هذه الصعوبات إن وجدت ؟
ـ تعبيرية بحيث ترتاح إليها النفس.
ـ هل تقف إزاءها عاجزا فى حالة وجودها ؟
ـ نعم.
ـ وإن حدث هذا فهل تنصرف عن الرواية إلى أجل ثم تعود إليها؟
ـ نعم.
ـ ما طول مدد هذا الانصراف فى حالة حدوثه
ـ يوم، شهر، سنة، 30 سنة، (حسب الأحوال).
ـ ما نوع النشاط الذى تمارسه خلال مدد الانصراف هذه إن وجدت؟
ـ أبدأ فى عمل آخر أو القراءة([12]).
ولننظر إلى حيثيات هذا التقسيم المقترح فى ضوء ما سبق:
مرحلة الثلاثية:
تمتد المرحلة الأولى وفق هذه الرؤية الجديدة من أولى رواياته “عبث الأقدار” حتى “الثلاثية”؛ متجاهلاً ذلك الفصل المتعمد عند معظم نقاد نجيب محفوظ بين مرحلتين: فرعونية أو تاريخية، وأخرى واقعية أو اجتماعية. فهناك شواهد كثيرة تقول إن روايات الكاتب الثلاث الأولى التى استلهم فيها التاريخ الفرعونى لا يستقيم عدّها مرحلة مستقلة بذاتها. ومن هذه الشواهد:
- أن “المرحلة” كما قلنا شوط إبداعى يقطعه الكاتب وصولاً لهدف فنى يشعر به القارىء والمبدع على السواء. وهذا مالم تشكله تلك الروايات التى كانت قاصرة ـ بمستواها الفنى المتواضع وعدم اكتمالها كحلقة إبداعية ـ عن أن تقدم المشروع الفنى التاريخى المكتمل فنياً. ولو كان الحديث عن “مرحلة تاريخية” بهذا المنطق صحيحاً لاستلزم ذلك أن نضم إليها رواية “العائش فى الحقيقة” التى نشرت سنة 1985، وكذلك رواية “أولاد حارتنا” 1959. وهو مالا يستقيم القول به.
- أن لجوء نجيب محفوظ إلى التاريخ فى تلك الفترة الباكرة من حياته الفنية كان له ملابسات تاريخية وفنية، يعضد فهمها من وجهة نظرنا. فقد كتب نجيب محفوظ التاريخ تمشياً مع موجة إبداعية كانت سائدة آنذاك، رأت فى التاريخ الفرعونى تأكيداً على مبدأ “مصرية الأدب” الذى نادت به النخب السياسية حينئذ واستجاب له الأدباء والكتاب، مما دفع بعض النقاد للقول إن الفترة من 1939 حتى 1952 تعد العصر الذهبى للرواية التاريخية([13]). وهو عصر برزت فيه أسماء مثل جورجى زيدان، ومحمد فريد أبو حديد، وعلى الجارم، اقتفى أثرهم ـ فى ذلك ـ كتّاب الجيل التالى مثل نجيب محفوظ وعبدالحميد جودة السحار وعلى أحمد باكثير وعادل كامل المحامى .
يقول نجيب محفوظ: “كانت الوطنية المصرية متأججة فى ذلك الوقت، وكان هناك مد حقيقى للفرعونية، وهو مد كانت له مبرراته الموضوعية، إذ كان العصر الفرعونى هو العصر الوحيد المضىء فى مقابل عصر المهانة والانحطاط الذى كنا نعيش فيه وقتها، مهانة الاستعمار الانجليزى وسيطرة الأتراك معاً”([14]).
فكانت الكتابة عن التاريخ ـ كتقليعة أدبية سائدة ـ تضمن للكاتب انتشاراً واسعاً وقبولاً لدى القراء، لابد أن يبحث عنه كاتب ناشىء مثل نجيب محفوظ.
- أن كتابة التاريخ عند نجيب محفوظ كانت تتسم بشىء من المغايرة عن كتابات تلك الموجة. فلم يكن الكاتب يكتب رواية تاريخية كتلك التى كتبها جورجى زيدان أو فريد أبو حديد، والتى كانت تهتم باستحضار حقبة من التاريخ للتعريف بها ورصدها فى إطار روائى؛ وإنما كان يستلهم ذلك التاريخ فى ضوء رؤية فكرية تضع الحاضر المتردى أمامها، وتحاول أن تسقط من ذلك التاريخ على هذا الواقع. نعم لم تبلغ تلك الرؤية غايتها ـ فكرياً وفنياً ـ إلا فى آخر رواياته التاريخية “كفاح طيبة” ولكنها كانت حاضرة فى ذهنه منذ أولى محاولاته([15]). ولقد فاتت تلك الملاحظة على مؤرخى الأدب الذين وضعوا روايات نجيب محفوظ التاريخية بجانب روايات جورجى زيدان وفريد أبو حديد كنموذج على الرواية التاريخية التى ازدهرت فى النصف الأول من القرن الفائت([16])، دون أن يشيروا إلى خصوصية الرواية التاريخية عند نجيب محفوظ، وذلك بوضعها داخل سياقها المرحلى فى إبداع الكاتب.
- والدليل على حضور الرؤية الواقعية عند الكاتب منذ بواكير إنتاجه، تلك الرواية التى أشار إليها فى أكثر من مناسبة بعنوان “أحلام القرية” والتى رفض نشرها بسبب مستواها الفنى. فهذه الرواية كانت تعبر عن واقع اجتماعى معاصر وليس تاريخياً بالمرة. فضلاً عن قصصه القصيرة التى نشرها فى بداية حياته الأدبية والتى أحصاها عبدالمحسن طه بدر بأكثر من سبعين قصة كانت جل موضوعاتها اجتماعياً باستثناء قصتين أو أكثر استلهم فيهم التاريخ الفرعونى.
فماذا يمكن أن نصنف إذن الروايات التاريخية الثلاث؟ أذهب إلى أن هذه الروايات كانت نوعاً من “الاستعداد والتجهيز” فى المرحلة الإبداعية الأولى التى اتسمت بسمات فنية تنتمى على نحو أكبر إلى الواقعية. وهذا التجهيز من شأنه أن يجر الكاتب ـ وهو فى طور البحث عن موضوعه الإبداعى وأدواته اللازمة له ـ إلى مثل هذه المناطق التى لا تضيف إلى مشروعه الإبداعى بل تصبح عبئاً عليه. يقول نجيب محفوظ: “ولكن الذى أدريه هو أن مجهوداً كبيراً ضاع كذلك الذى ضاع فى دراسة الفلسفة، بل إن مجهود الفلسفة عاش فى نفسى، واستفدت منه .. أما التاريخ فلا” ([17]).
فكما تعثر نجيب محفوظ فى بداية حياته ممزقاً بين المقال والقصة القصيرة والترجمة إلى أن وجد طريقه فى الرواية؛ تعثر كذلك فى بداية طريقه الذى وجده. وكان هذا التعثر هو كتاباته التاريخية الأولى التى ألمّت به، والتى كانت تتسم بطابع تجريبى، ولم تكتمل داخل مشروع إبداعى واضح. يقول نجيب محفوظ: “سرنا فى طريق ملىء بالعثرات، لأننا لم نجد تراثاً روائياً نعتمد عليه، سبقنا جيل الرواد وقدم كل رائد عملاً أو عملين، درسناهما بفطرة لا تستند إلى علم، ودون أن نعرف مواقعهما من التراث الروائى الضخم الذى كان مجهولاً لنا .. وقمنا برحلة طويلة، وارتطمنا بأخطاء بدائية، وتخبطنا كمن يسير معصوب العينين”([18]).
وقد سئل نجيب محفوظ مرة عن التحول من الرواية التاريخية إلى الرواية الاجتماعية، وكان جوابه: “هذا ما لا أستطيع له تفسيراً”([19]).والكاتب بالطبع غير مطالب برصد تطوره الفنى، فتلك مهمة الباحثين والنقاد. غير أن نقاد الرجل وباحثى أدبه لم يلتفتوا إلى أن ذلك لم يكن تحولاً كما وصفه صبرى حافظ فى هذا الحوار، ولا تداخلاً بين مرحلتين كما قال بذلك فاروق عبدالقادر وعلى شلش؛ بقدر ما كان استعداداً تجريبياً، واستكشافاً فنياً لمشروعه الإبداعى الكبير الذى سيتوج بالثلاثية بعد ذلك بحوالى عشر سنوات.
…………………………….
([1]) جماعة من كبار اللغويين العرب:المعجم العربى الأساسى. لاروس ص512 مادة “رحل”
([2]) انظر فى ذلك على سبيل المثال “تأملات فى عالم نجيب محفوظ” ص 83، و”الإسلامية والروحية” ص185، و”المنتمى ص237، وما بعدها
- ([3]) انظر الرؤية والأداة: ص82، 83. وانظر أيضاً : رشيد العناني “عالم نجيب محفوظ من خلال رواياته”: كتاب الهلال. القاهرة. العدد 455 نوفمبر 1988هامش ص 80
([4]) فاطمة موسى: فى الرواية العربية المعاصرة: ص86
([6]) انظر عالم نجيب محفوظ من خلال رواياته ص 67
([7]) الإسلامية والروحية: ص299
([8]) جابر عصفور :نقاد نجيب محفوظ: مجلة فصول يناير 1981
([9]) مصرى حنورة: علم نفس الإبداع. دار غريب د.ت ص31
([10]) عزت قرنى: فعل الإبداع الفنى عند نجيب محفوظ: الإطار والتهيئة والعمليات. هيئة الكتاب. القاهرة 2000 ص 73 ويقدم قرنى فى كتابه تفسيراً لمرات هبوط المنحنى عند محفوظ وهى ثلاث اعتماداً على ما قاله محفوظ نفسه لجمال الغيطانى: المرة الأولى سنة 1952 بعد الثلاثية، والثانية بعد يونيو 1967، والثالثة بعد أكتوبر 1973. وهو يرى تفسيراً لذلك أن التوقف الأول نفسى داخلى يتعلق بالتشبع الفنى بعد الثلاثية، والثانى والثالث مرده خارجى بسبب الأحوال العامة فى البلاد. انظر كتاب عزت قرنى ص 80
([11]) علم نفس الإبداع مرجع سابق ص 31
([13]) الطريق والصدى: مرجع سابق ص82
([14]) صبرى حافظ: أتحدث إليكم. دار العودة. بيروت ص 102
([15]) وهذا ما ذهب إليه عبدالمحسن طه بدر انظرتحليله لرواية “كفاح طيبة” ص 191 وما بعدها
([16]) من هؤلاء أحمد هيكل: موجز الأدب الحديث فى مصر إلى قيام الحرب العالمية الثانية. مكتبة الشباب. القاهرة 1993 ص 284 ويوسف نوفل: الفن القصصى ص 228
([17]) أتحدث إليكم: مرجع سابق ص 104 وإن كان يرى بعض النقاد مثل محمود أمين العالم، ويوسف نوفل أن نجيب محفوظ استفاد من الحس التاريخى فى كتابته لروايات الأجيال التى برع فيها. انظر للعالم: تأملات فى عالم نجيب محفوظ ص 64، ولنوفل: النص الكلى. سلسلة كتابات نقدية. الهيئة العامة لقصور الثقافة. القاهرة 2004 ص 267.
([18]) من تحقيق صحفى بعنوان “محاكمة نجيب محفوظ” ضمن عدد خاص من مجلة الهلال عن نجيب محفوظ فبراير 1970