مدينة من زجاج

مدينة من زجاج
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

مارتن إسبادا    ترجمة نزار سرطاوي 

"إلى بابلو نيرودا وماتيلد أوروتيا"

بيت الشاعر كان مدينة من زجاج:

زجاج التوت البري، زجاج الحليب، زجاج الكرنفال،

أقداح حمراءُ وخضراءُ صفاً صفاً،

بريقٌ أسودُ من النبيذ في زجاجات،

سفنٌ من القناني، حديقةُ حيوانٍ من القناني،

ديكٌ، حصانٌ، قردٌ، سمكة،

نبضُ ساعاتٍ يطرق على كريستال،

نوافذُ تضيئها جبال الإنديز البيضاء،

مرصدٌ زجاجيٌ من فوق مدينة سانتياغو.

 

 

حين لقي الشاعر حتفه،

جلبوا تابوته إلى مدينة الزجاج.

لم يكن هناك باب: الباب كان ألفاً من الخناجر،

وراءَ الباب عالمٌ قديمٌ متهدم،

الزجاج هو الآن نِصالٌ، فؤوسٌ، قطعٌ فخاريةٌ، غبار.

لم تكن هناك نوافذ: أصابع الهواء

امتدت نحو الزجاج مثل وجهِ حبيبٍ مفقود.

لم تكن هناك حديقةُ حيوان: القناني كانت أنصافَ أقمار

وأرباعَ أقمار، حصاناً وقرداً

تُستَأصَلُ مع كل ساعة، مع كل مصباح.

آثارُ حذاءٍ مغزولةٌ في رقصةِ تانغو مجنونةٍ على الأرض.

 

أرملةُ الشاعر قالت لن نمسحَ الزجاج.

آثاره موجودةٌ هنا. صحافيون، مصورون، 

مفكرون، سفراءُ داسوا فوق الزجاج

الذي كان يتصدع مثل بحيرة متجمدة، وجنودٌ أيضاً،

كانوا قد نهبوا مدينةَ الزجاج،

عادوا للحديث باسم الجنرال،

ثلاثةُ أيامٍ من الحداد الرسمي

أُعْلِنَ عنها في نهاية اليوم الثالث.

 

في تشيلي، نهرٌ من الزجاج كان يغلي، ثمّ برد،

وتصلّب، وارتفع في أوراق، ليتحطم ويرتفع من جديد.

ذات يومٍ بعد سنوات، جاء الجنود راكبين 

ليجدوا أنفسهم في مدينة من زجاج.

تحولت بنادقهم إلى زجاج كرنفالي؛

ذابت الرصاصات، وهي تلمع، في أيديهم.

من حديقةِ حيوانِ الشاعرِ سمعوا القرَدَةَ تصرخ؛

من مرصد الشاعر سمعوا

قصيدةً إثرَ قصيدة مثل أذان الصلاة.

احترق لسان الجنرال بقطعٍ فضّية

لا تراها العين. لسانُ الجنرال

كان بلون زجاجٍ من التوت البريّ

 

Martín Espada

Poet, Essayist, Editor & Translator

 

City of Glass

            For Pablo Neruda  and Matilde Urrutia

            La Chascona, Santiago de Chile

 

The poet’s house was a city of glass:

cranberry glass, milk glass, carnival glass,

red and green goblets row after row,

black luster of wine in bottles,

ships in bottles, zoo of bottles,

rooster, horse, monkey, fish,

heartbeat of clocks tapping against crystal,

windows illuminated by the white Andes,

observatory of glass over Santiago.

 

When the poet died,

they brought his coffin to the city of glass.

There was no door: the door was a thousand daggers,

beyond the door an ancient world in ruins,

glass now arrowheads, axes, pottery shards, dust.

There were no windows: fingers of air

reached for glass like a missing lover’s face.

There was no zoo: the bottles were half-moons

and quarter-moons, horse and monkey

eviscerated with every clock, with every lamp.

Bootprints spun in a lunatic tango across the floor.

 

The poet’s widow said, We will not sweep the glass.

His wake is here. Reporters, photographers,

intellectuals, ambassadors stepped across the glass

cracking like a frozen lake, and soldiers too,

who sacked the city of glass,

returned to speak for their general,

three days of official mourning

announced at the end of the third day.

 

In Chile, a river of glass bubble, cooled,

hardened, and rose in sheets, only to crash and rise again.

One day, years later, the soldiers wheeled around

to find themselves in a city of glass.

Their rifles turned to carnival glass;

bullets dissolved, glittering, in their hands.

From the poet’s zoo they heard monkeys cry;

from the poet’s observatory they heard

poem after poem like a call to prayer.

The general’s tongue burned with slivers

invisible to the eye. The general’s tongue

was the color of cranberry glass

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مارتن إسبادا هو شاعر وكاتب مقالات ومحرر ومحام ومترجم ذو أصول بورتوريكية، كرّس الكثير من أعماله للبحث عن العدالة خصوصاً فيما يتعلق بحقوق المهاجرين إلى الولايات المتحدة. تحتفل قصائده بتجربة الطبقة العاملة من المهاجرين من أميركا اللاتينية، بقدر ما ترثو لحالهم، وتتناول تكيفهم مع الحياة في الولايات المتحدة. كذلك تتحدث قصائده عن الصراع الذي تخوضه الشعوب في أميركا الوسطى والجنوبية مع حكوماتها الدكتاتورية، وعن فقر الناس وعجزهم إزاء تلك الحكومات.   

 ولد إسبادا في بروكلين، نيويورك، في عام 1957. شارك في الحراك السياسي في سن مبكرة متأثراً بوالده، الذي كان أحد القيادين في المجتمع البورتوريكي. حصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ وشهادة الدكتوراه الاحترافية في القانون. عمل لعدة سنوات كمحامٍ للمستأجرين وكمشرف على برنامج للخدمات القانونية.

في عام 1982 أصدر إسبادا كتابه الأول في الشعر السياسي بعنوان “باليرو ولد الثلج المهاجر،” ثم أتبعه بمجموعة شعرية بعنوان “أبواق من الجزر التي طردوا منها” (1987)، ومجموعة أخرى بعنوان “العصيان دائرة يَدَيْ العاشق” (1990). بعد ذلك صدرت له مجموعات أخرى منها “فلكي من المايا في مطبخ الجحيم” (2000) و”جمهورية الشعر (2006) و “كرة المشاكل” (2011). بالإضافة ذلك قام إسبادا بجمع وتحرير مجموعتين من الشعر اللاتيني وشعر التشيكانون وقد صدرت المجموعتان تباعاً في عام 1997 وعام 2000.

يعمل إسبادا حالياً أستاذاً في قسم اللغة الانكليزية في جامعة ماساتشوسيتس أمهرست، حيث يقوم بتدريس الكتابة الإبداعية والشعر لاتيني وأعمال بابلو نيرود.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نزار سرطاوى

شاعر ومترجم – فلسطين

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم