محمد العبادي*
مدرسةُ “الطفلُ الخارقُ”
لجنةُ فحصِ الأطفالِ المتقدمين للالتحاقِ.
قاعةُ الاجتماعاتِ الكبرى بالمدرسةِ.
في منتصفِ المنصةِ تجلسُ مديرةُ المدرسةِ بنظارتِها شاسعةِ العدساتِ، على جانبيها رئيسُ مجلسِ أمناءِ المدرسةِ، ووكيلُ المدرسةِ لشئونِ الطلابِ المستجدين.
أمامَ المنصةِ،، على مستوى أقلِ – بالطبع – يجلسُ الطفلُ المتقدمُ وسطَ والديِه…
الأبُ أحمدُ يعدِّلُ وضعَ الكرافت بعصبيةٍ، وهو يتلعثمُ أمامَ النظراتِ الخارقةِ للمديرةِ:
– الحقيقةُ يا فندم.. إنَّ.. أنا مهندسٌ.. وحاصل على الماجستير في الـ.. إلكترونيات.. ومستوانا الاجتماعي.. الحمد للـه.. وكنت في بعثة للخارج للـ..
تقاطعه المديرة وهي تحكمُ تسليطَ نظاراتِها عليه:
– كل اللي حضرتك بتتكلم عنه ده مش مهم لشروط التقدم في مدرستنا يا.. باشمهندس.
ينقلُ نظرتِهِ الحائرةِ بينها وبين زوجته:
– أنا قصدي أوضح إن مستوانا العلمي والاجتماعي الـ…
– مش ده المهم عندنا.. طبعًا طالما عندك القدرة المادية إنك تدفع مصاريف المدرسة.. المهم عندنا.. مستوى الطفل نفسه.
آثرَ أحمدُ الصمتَ وهو ينظرُ بلا فهم، أما زوجتُه فاحتفظت بابتسامتِها الهادئةِ…
تبادلت المديرةُ نظرةً سريعةً مع عضوَيِّ المنصةِ، قبلَ أن تشيرَ إلى شعارِ المدرسةِ الضخمِ المعلقِ على الحائِطِ خلفَها:
– أنت جاي تقدم لابنك يا أستاذ في أعظم مدرسة.. “أكاديمية الطفل الخارق”.. يعني الطفل اللي يُقبل عندنا لازم يكون خارق.. مثلًا: بين الطلبة بتوعنا الأول على مستوى العالم في مسابقات الرياضيات المتكاملة.. بيقدر يحسب حاصل ضرب أي عددين من تسعتاشر رقم خلال نُص ثانية.. عندنا الطالب الأول في مسابقات السباحة في العالم.. أرقامه أعلى من أرقام مايكل فيلبس في سنه.. عندنا طالبة تقدر ترسم خريطة أي دولة في العالم غيبًا.. ابنك بقى.. يقدر يعمل إيه؟
بُهت أحمدُ،، نقلَ نظرتَه بين طفلِهِ “إياد” – المشغولِ باللعبِ في أزرارِ قميصِهِ الصغيرِ – وبين أمِّه الجالسةِ بنفسِ الابتسامةِ، مَنَحهَا نظرةً:
– إنتي جبتينا هنا ليه؟!…
فاكتفت برفعِ حاجبٍ بثقةٍ، قبل أن ترَبِّت على كتفِ طفلِها:
– ياللا يا بودو.. وريهم…
يومئ لها “بودو،، ثم يفتح قميصه بحركة مفاجئة،، لتتطاير أزراره ويظهر الزي الذي ارتداه تحته. زي “سوبرمان” بلونه الأزرق المميز،، لكن مع حرف ( I ) على صدره بدلا من حرف الـ ( S )، ثم يرفعُ يدَهُ بقبضةٍ مضمومةٍ في وضعِ الطيرانِ الشهيرِ.
ينظرُ أعضاءُ المنصةِ الثلاثةِ للطفلِ بدهشةٍ،، قبلَ أن ينفجروا في نوبةٍ ضحكٍ:
– واضح..هأهأهأ.. إنك فاهمة موضوع الطفل الخارق ده غلط خالص يا مدام.. هأهأهأ…
لكن، تنقطع ضحكتُها، في تلك اللحظةِ، يطيرُ “بودو”… يطيرُ بهدوءٍ وأريحيةٍ كما يليقُ بطفلٍ خارقٍ، يقفُ في منتصفِ فراغِ الغرفةِ، يشيرُ بإصبعِهِ إلى شعارِ المدرسةِ الهائلِ الحجمِ المعلقِ خلفَ “اللجنةِ”، فيطيرُ الشعارُ بسرعةٍ، يندفعُ فوقَ رأسِ المديرةِ بسنتيمترات لينقذفَ في أبعدِ أركانِ الغرفةِ، وقبلَ أن يجدوا وقتًا للاندهاشِ، يَفتحُ زرَّ بنطالِهِ ويبدأُ في التبولِ من موقِعِه الفضائِيِّ، فيرسُمُ البولُ خطًا من اللهبِ على منضدَةِ “المنصةِ”، يكتبُ به اسمَه: “إياد”.
تبتسمُ له والدتُهُ مُشَجِّعَةً:
– خلاص.. روح إنت بقى على البيت يا حبيبي.
يومئُ لها بودو ويشيرُ بالتحيةِ لوالِدِهِ، قبل أنْ ينطلقَ طائرًا عبرَ أحدِ نوافذِ القاعةِ، تتبعُهُ نظراتِ اللجنةِ وأبيِهِ المذهولَةِ.
حتى يختفِيَ في الأفقِ…
………………
*من المجموعة القصصية “في مديح الجاموس الأبيض” الصادرة أخيراً عن هيئة الكتاب