فيلم “الديزل” هو ثامن بطولة مطلقة لمحمد رمضان في السينما. وكنت قد كتبت هنا عن بداية محمد رمضان كبطولة مطلقة في ثلاثية أفلامه (عبده موتة – الألماني – قلب الأسد). وهي الأفلام التي أسست نجومية محمد رمضان كبطل شعبي. إلا أننا نجد في فيلمه الجديد أسلوبا جديدا على محمد رمضان الذي اتبعه في أفلامه الثمانية السابقة. فهو في هذا الفيلم يبتعد عن الصورة الشعبية المحلية ليجسد شخصية أكثر عالمية في تكوينها وهي شخصية الدوبلير بدر الديزل الذي يحيلنا إلى شخصية تاريخية عالمية هي سبارتكوس محرر العبيد الذي كان يعيش في كنف الدولة الرومانية.
وفيلم “الديزل” من بطولة محمد رمضان وياسمين صبري وفتحي عبد الوهاب وهنا شيحة وتامر هجرس وإخراج كريم السبكي. وقد عرض الفيلم ضمن موسم أفلام عيد الأضحى مع أفلام “البدلة” و”الكويسيين” و”تراب الماس” و”سوق الجمعة” و”بني آدم” و”بيكيا”.
ويتناول فيلم “الديزل” شخصية بدر الديزل (محمد رمضان) الذي يعمل كدوبلير في السينما والذي يعمل أيضا كسائق لدى ممثلة شهيرة وهي دنيا الصياد (ياسمين صبري) وخلال أحداث الفيلم نشهد جريمة قتل أحد الممثلات الشابات والتي قتلتها عصابة يرأسها مجدي (فتحي عبد الوهاب) والتي تستغل الممثلات الشابات في أمور غير قانونية فتقتل من ترفض منهن الانصياع إلى أوامرها.
في هذا الفيلم، نجد الإحالة إلى سبارتكوس والحياة الرومانية في عصره حيث كان الامبراطور الروماني والسادة الرومان يقيمون الألعاب الرياضية ومنها المصارعة الرومانية حيث يزجون بالعبيد لقتال بعضهم بعضا أو لقتال وحوش كالأسود والنمور. يأتي هذا من أجل أن يتسلى السادة وأيضا من أجل إلهاء شعب مدينة روما التي كانت تعتبر حينها هي المدينة الأكثر تقدما والأكثر رخاء حول العالم بعدما استطاعت الامبراطورية الرومانية أن تستعمر كل الدول التي نشأت على ضفاف البحر المتوسط.
نجد هذه الإحالة أيضا في الأفلام التي يعشق مشاهدتها رئيس العصابة مجدي ومنها الفيلم الأمريكي Gladiator أو “المصارع” بطولة راسل كرو وإخراج ريدلي سكوت. هذا الفيلم الذي يحكي قصة قائد جيش روماني ورحلة سقوطه في العبودية حتى عودته مرة اخرى إلى القصر الملكي عبر بوابة المصارعة الرومانية التي اضطر أن يخوضها ضمن مئات العبيد الآخرين الذين لم يحالفهم الحظ بالحياة مثلما حالفه في البقاء على قيد الحياة واستعادة مجده كمواطن حر. في فيلم “المصارع” وفي فيلم محمد رمضان الجديد “الديزل”، نشهد هذه الرؤية التي تعكس مدى ما وصل إليه العالم الآن حيث الأغنياء يتسلون وهم يشاهدون الفقراء وهم يعانون محاولين فقط أن يبقوا على قيد الحياة فما بالك في محاولتهم اليومية من أجل كسب عيشهم حتى يعيشوا يوما واحدا إضافيا. فمثلما يعيش الدوبلير على اليومية حيث “يعمل يوم وعشرة لا”، يعيش الملايين في مصر ومئات الملايين حول العالم على هذه الحال حيث يعيشون “اليوم بيوم” بلا مستقبل واضح بل دعونا نقول بلا غد وبلا أمان والأمان هو الاحتياج الإنساني الذي يضعه عالم النفس الأمريكي إبراهام ماسلو في الدرجة الثانية من الأهمية من هرم يحتوي خمسة درجات فقط تمثل الاحتياجات الأكثر أهمية بالنسبة للإنسان.
واستطاع فيلم “الديزل” أن يمصر شخصية سبارتكوس لكي تعبر عن أحوال ومشاكل المصريين اليومية خاصة في الفترة الأخيرة وذلك بسبب غلاء المعيشة وقسوة الحياة في مصر والتي أشار إليها صناع الفيلم حينما حكت الممثلة دنيا الصياد كيف دخلت إلى مجال التمثيل وبالتالي إلى دائرة هذه العصابة. فقالت أنه حينما جاءت هي وخطيبها الذي كان محتاجا إلى مال لعلاج أمه المريضة كي ينقذها من الموت. قررت الصياد وخطيبها أن يكونا جزءا من هذه اللعبة القذرة حيث قبل خطيبها أن يكون وجبة ساخنة تقدمها العصابة إلى الأغنياء الجياع بسبب الملل. هذا الملل الذي أطلق عليه عالم النفس الألماني ايريك فروم مرض العصر حيث يحاول الإنسان المعاصر طوال الوقت أن يخلق وقتا للفراغ وحينما يحصل عليه لا يعرف بالضبط كيف يقضي هذا الوقت الفارغ فيشعر بالملل فيحاول أن يتغلب عليه عبر التعارك مع أحباءه وأصدقاءه أو الاستسلام لوسائل الإعلام أو الإدمان إذا كان إدمانا للخمر أو المهدئات أو المخدرات أو الجنس أو في حالة فيلم “الديزل” مشاهدة ألعاب حقيقية خطيرة لأناس يحاولوا أن يبقوا على قيد الحياة.
والرمزية في أفلام محمد رمضان ليست أمرا جديدا ولكنها كانت تأخذ منحى أكثر محلية في أفلامه السابقة إلا أن في هذا الفيلم تأخذ منحى أكثر عالمية عبر استلهام شخصية تاريخية غربية من أجل الإسقاط على واقع الإنسان المصري والذي لا ينفصل الآن بتاتا عن واقع الإنسان حول العالم. ولذلك اعتبر هذا الفيلم هو أفضل أفلام محمد رمضان حتى الآن بالإضافة إلى كونه واحدا من أفضل أفلام الأكشن التي شهدتها السينما المصرية في الفترة السابقة والتي شهدت صنع الكثير من أفلام الحركة أهمها فيلم “الخلية” بطولة أحمد عز وإخراج طارق العريان وفيلم “هروب اضطراري” بطولة أحمد السقا وإخراج أحمد خالد مرسي. وهناك ثلاثة نقاط تجعل فيلم “الديزل” متميزا وهي:
أولا: السيناريو:
نجد أن سيناريو الفيلم الذي كتبه الثلاثي أمين جمال ومحمود حمدان ومحمد محرز واحد من أكثر السيناريوهات التي حاولت بقدر امكانها أن تتلافى كل المشكلات التي وقعت فيها سيناريوهات أفلام الحركة في الفترة الأخيرة. فنجد شخصيات مرسومة بشكل جيد؛ أي لها ماض ودوافع واضحة تحركها وتجعل ردود أفعالها مقنعة للمشاهدين. بالإضافة إلى الحبكة التي أشرنا إليها من قبل والمتعلقة بفكرة سبارتكوس وثورة العبيد والتي تم تمصيرها بشكل جيد فجاءت مقنعة للمشاهد.
بالتأكيد نجد هذه الفكرة في العديد والعديد من الأفلام الأمريكية حيث سبارتكوس الذي كان مصارعا أثناء الدولة الرومانية التي كانت تستخدم المصارعة لإلهاء الناس عن الفساد والظلم والقهر الذي كان منتشرا في الدولة الرومانية بالإضافة بالتأكيد لتسلية السادة أنفسهم الذين يستمتعون بالقتل ورؤية العبيد وهم يتصارعون من أجل البقاء على قيد الحياة. وأشهر الأفلام الأمريكية التي استوحت هذه الفكرة مؤخرا هي سلسة أفلام Hunger Games أو ألعاب الجوع بطولة النجمة الأمريكية جينيفر لورانس.
ولكن في فيلم “الديزل” نجد هذا التأكيد على المزج بين المحلية والعالمية حيث أن هذه المشكلة هي مشكلة تواجه الإنسان بشكل عام في كل مكان ولذلك مثلا اختار صناع الفيلم أن تكون العصابة مكونة من شخص مصري وهو مجدي وشخص أجنبي والذي قام بدوره تامر هجرس. وذلك من أجل التأكيد أن الاستغلال يأتي من الخارج ومن الداخل؛ من الخارج في شخصية تريد مكاسب مادية ومن الداخل في شخصية مضطربة نفسيا وعاطفيا حيث يحب الامتلاك خاصة امتلاك الناس أنفسهم ومنهم الممثلة دنيا الصياد ما جعله يسعى إلى رمي خطيبها في براثن الكلاب المسعورة التي فتكت به ليخلو له الجو مع الممثلة الشابة.
ثانيا: الأكشن:
دعونا نؤكد أمرا بديهيا وهو أن أي فيلم أكشن يجب أم يكون الأكشن أو الحركة فيه منفذة بطريقة احترافية بقادرة على اقناع المشاهد فإذا ما فشل صناع الفيلم في ذلك فشل الفيلم حتى لو كان متكاملا في كل الأمور الأخرى التي تخص صناعة الفيلم.
وفيلم “الديزل” يتميز بأنه مصنوع كأكشن بشكل جيد جدا بالإضافة إلى أنه له أسلوبا مختلفا تماما في الأكشن عن الأساليب المتبعة في السينما المصرية التي شهدت في السنوات العشر الفائتة انتعاشا في تنفيذ الأكشن مع دخول مصمم المعارك ومنفذها أندرو ماكينزي في صناعة السينما المصرية.
ويعتبر فيلم “الديزل” أول فيلم يستخدم الأسلوب المنتشر الآن في السينما الأمريكية والذي حقق نجاحا كبيرا وهو أسلوب الـGun Fu. وهو أسلوب متطور من الكونج فو الذي بدأه في السينما بروس لي وحمل الراية بعده جاكي شان وغيره. ولكن بدلا من استخدام السيوف يتم استخدام المسدسات وواحد من أشهر الأفلام الأمريكية التي تستخدم هذا الأسلوب الجديد هو سلسلة أفلام John Wick بطولة النجم الأمريكي كيانو ريفز والذي اخرجها الدوبلير السابق والمخرج الحالي تشاد ستهاليسكي بالاشتراك مع دافيد ليتش.
في فيلم الديزل، استخدم محمد رمضان المسدسات بدلا من السيوف ولكنه أيضا استخدم عصا البيسبول بدلا من السيف في المعارك. وبالتأكيد نجد ارهاصات في ادخال هذا الأسلوب في الأكشن إلى السينما المصرية في واحد من أوائل الأفلام التي صنعها أندرو ماكينزي في مصر وهو فيلم “إبراهيم الأبيض” بطولة أحمد السقا وإخراج مروان حامد حيث طبق هذا الأسلوب وبدلا من استخدام السيوف استخدم المطاوي والسنج المنتشرة بالفعل في المعارك بين البلطجية في حواري وأزقة مصر.
وبالفعل استطاع مخرج فيلم “الديزل” مع التعاون مع ماكينزي – وأيضا مصمم ومنفذ مشاهد الأكشن التي تحتوي على سيارات ومطاردات بالسيارة وهو عمرو ماكيفر وبالتأكيد مع محمد رمضان نفسه – أن يقدم مشاهد حركة قوية ومقنعة. واستطاع أيضا مدير التصوير تيمور تيمور أن يجعلنا نشعر أننا داخل هذه المعارك وكـأننا جزء منها عبر التصوير بالكاميرا المحمولة المتحركة steady cam والقريبة جدا من الشخصيات ما يجعل المشاهد يشعر أكثر بجو الحركة والأكشن وبالتالي يشعر أكثر بالإثارة المطلوبة من أفلام الأكشن. وهذا ما يجعل فيلم “الديزل” واحد من أفضل أفلام الحركة في السينما المصرية لأن الأكشن جيد الصنع ومقنع وله أسلوب محدد وجديد على السينما المصرية.
ثالثا: التصوير والإضاءة:
سنجد أن الفيلم يتميز أيضا بأسلوب واحد في الإضاءة اتبعه مدير التصوير تيمور تيمور. سنلاحظ في الفيلم أن الإضاءة دائما ما يكون مصدرها هو مصابيح النيون. وهذا أيضا أسلوبا جديدا على السينما المصرية ولكنه موجود في الأفلام الأمريكية والغريب هو أنه نشأ وتطور هو الآخر في أفلام شرق أسيا وخاصة التي صنعت في هونج كونج.
وهذا الموضوع له قصة. وهي أن هونج كونج في بداية التسعينيات كانت ترمز لمدينة المستقبل التي تجمع كل الأجناس وكل رجال الأعمال وكل رؤوس الأموال لأنها مدينة حرة بمعنى أنه لا توجد جمارك على السلع ما شجع رجال الأعمال على العمل بها والعيش فيها كدبي الآن التي أخذت الراية من هونج كونج. وكان معروفا أن أي شيء من الممكن أن يباع في هونج كونج وبالطبع يمكن بيع وشراء أي ممنوعات كالأسلحة والمخدرات وحتى الناس أنفسهم. هونج كونج كانت أيضا معروفة أنها مدينة النيون. بمعنى أن كل شبر فيها مضاء بمصابيح النيون إذا كانت في لوحات الإعلانات الكبيرة أو واجهات المحلات أو داخل البارات والملاهي الليلية. ولذلك استخدم المخرجين والمصورين في جنوب شرق أسيا إضاءة النيون كرمز لحياة الإنسان المعاصر الذي يشعر بالوحدة والملل والفراغ عامة والفراغ العاطفي خاصة مثلما شهدنا في فيلم In the Mood for Love للمخرج وونج كار واي كمثال. وأيضا كانت مصابيح النيون ترمز لمستقبل الإنسان حيث كان ومازال متوقعا أن تسوده الدعاية والإعلان لأن كل شيء له ثمن وكل شيء يمكن بيعه وشراءه طالما وجدت الدعاية أو البروباجندا المناسبة للترويج له.
وفيلم “الديزل” ليس أول فيلم يستخدم تقنية التصوير عبر إضاءة مصابيح النيون فقد سبقه عدة أفلام إلا أن أغلب هذه الأفلام لم تراع أن يكون استخدام هذه التقنية كوسيلة للتعبير عن الفكرة التي يريد أن يوصلها العمل الفني. فلقد استخدم مديرو تصوير هذه الأفلام هذه التقنية بشكل عشوائي وبلا سبب سوى أنهم كانوا يريدون أن يستخدموا أسلوبا جديدا في الإضاءة. إلا أننا نجد فيلم “الديزل” اتساقا بين فكرة الفيلم التي يريد أن يعبر عنها وهي أن الإنسان المعاصر أو إنسان النيون هو إنسان مشوه يستمتع بمشاهدة عناء أخيه الإنسان الذي قد يودي به هذا العناء إلى الموت وبين استخدام تقنية إضاءة النيون حيث مدينة النيون التي تعبر عن إنسان المستقبل ومستقبل الإنسان.
هذه هي الأسباب الأساسية التي تجعلني أرى أن فيلم محمد رمضان الجديد هو واحد من أفضل أفلام الحركة التي صنعتها السينما المصرية في الفترة السابقة. وذلك لأن صناع الفيلم استطاعوا إلى حد كبير أن يوظفوا التقنيات السينمائية الجديدة المنتشرة حول العالم في التصوير والإضاءة. بالإضافة إلى جودة تنفيذ الأكشن نفسه والذي كان له أسلوبا مختلفا عن الأسلوب المتبع في أفلامنا وتنفيذ الأكشن هو أهم ما يميز أي فيلم أكشن. وأخيرا، السيناريو الذي يبنى عليه كل القطع الأخرى التي يتكون منها الفيلم السينمائي والذي رسم شخصيات حقيقية إلى حد كبير وروى لنا حكاية مثيرة ولها عمق فكري حيث الأغنياء قادرين على شراء كل شيء حتى الناس أنفسهم ليتسلوا بهم حتى يشفوا من مرض العصر الذي أصابهم أي الملل.