محمد خير… الذى لا يرغم الكتابة على شىء

محمد خير... الذى لا يرغم الكتابة على شىء
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

فيروز كراوية

فى أول لقاء قرأ لى "مفيش مانع"، الأغنية اختطفتنى من أول قراءة.

لم أكن أعرف محمد إلا من قراءات قليلة، وأغانى قليلة. ودائما أطلب العمل مع من أشعر أنهم لن يطلبوا منى ولا أطلب منهم أن نستنسخ تجاربنا السابقة، أن هناك مكان جديد يمكن أن نذهب إليه سويا.

سعدت بشكل خفى أنه اختار أن يقرأ تلك الأغنية بالذات، هى بالفعل جميلة، وأظنها عزيزة عليه، وبدا لى ذلك علامة على ثقة ما J

الأغنية عند محمد خير رؤية حديثة للطقطوقة، بإحكامها واقتصادها، ولكنه يستطيع فجأة أن يخرج من أسر هذا القيد، بسلاسة غريبة، ويحل الصورة الخيالية محل السرد الواقعى، بلا استخدام يلوى عنقها، بل يجعلها –ببساطة- أرضية، قابلة للتصديق.

“وقلبى أوضة ع الشارع”… هكذا شعرت بقلبى، وكأن هذا ممكن!!

فيما بعد، عندما قرأت له أكثر، فهمت أن هذا مسلكه للكتابة بشكل عام. إحلال الخيال فى الحقيقة. تماما كما يتحدث بهذه الحكمة الرومانسية، التى ربما لا يحب أن يوصف بها، أو ربما تشعره بالضجر مثل شعره  الأبيض الذى يذكره كثيراJ

“سماء أقرب” كانت أول رواية أقرأها فى ليلة واحدة منذ زمن طويل، استقبلتها تقريبا كأغنية، أو الأقرب كموسيقى. علاقة اللفظ بالتوقيت لديه حاكمة، وكأن ألفاظ كثيرة اختفت حيث لم يعد الوقت يسمح بها، وغيرها حضرت لتعلن أن هذا وقتها. هكذا الموسيقى تماما، محكومة بالوقت، الذى يجعل ما تصمت عنه هام، تماما مثل ما تقوله.

محمد خير قريب جدا مما يمكن أن أسميه “الحكمة الشعبية”، شىء يكتسب عبر خبرة طويلة، ويتكثف ثم يتبخر بخفة، فلا تعود له وطأة ثقيلة، لا يكون جارح، لكنه أحيانا أكثر إيلاما.

وبقدر ما هو قريب لتنزيه اللغة عن أثقالها اللفظية ومحسناتها البديعية السخيفة، بقدر ما تحضر فى شعره وقصصه عيون ميراثها، ويستطيع باقتدار أن يستعمله، بكثافته وسخريته. هكذا يستحوذ على قلبك بعد ثانية من الوقت الذى تظن فيه أنه يبتعد.

يبقى أن حواراتنا القليلة لا تزال لم تسمح لى أن أعرف أى التجارب تقع خلف كل هذه الحكمة والقدرة، ولكن عبر هذه الحوارات أيضا أستطيع أن أميّز أن هذا الكاتب نظر لهذه التجارب بقلب يتعلم، وبكثير من الذكاء والإدراك الإنسانى النادر.

يا بخت الكاتب الذى تسعى الكتابة إليه ولا يسعى إليها.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم